وشنت إسرائيل صيف عام 2014 حرباً شرسة على قطاع غزة لم يسبق لها مثيل خلال العقود الأخيرة، استمرت لـ 51 يوماً متواصلة، أدت إلى سقوط آلاف الفلسطينيين بين قتلى وجرحى، إضافة إلى الدمار الهائل الذي خلفته هذه الحرب في البنية التحتية للقطاع.
وبعد ثلاثة أعوام على انقضاء الحرب لم يشهد قطاع غزة أي تغيُّر على أرض الواقع، فما زال الحصار الإسرائيلي مستمراً، ولا زالت الأوضاع الاقتصادية منهارةً وتزداد سوءاً، وسط تحذيرات من انهيار قادم.
ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، إنه وبعد ثلاثة أعوام وبحسب تقرير البنك الدولي فإن نسبة ما تلبيه عملية إعادة الإعمار من إجمالي احتياجات التعافي في خمسة قطاعات تأثرت بحرب عام 2014 لا يتجاوز 17%.
وأشار الطباع في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أنه وحتى هذه اللحظة لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقة، وما زالت تسير ببطء شديد، لافتاً إلى أن "أهم أسباب هذا البطء هو استمرار الحصار الإسرائيلي واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية المعمول بها حالياً والتي رفضها الكل الفلسطيني منذ الإعلان عنها وثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع".
وأضاف، "إن كمية ما تم إدخاله من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة خلال الفترة من 14/10/2014 حتى 30/6/2017 بلغت حوالي 1.6 مليون طن، وهي لا تمثل سوى 33% من احتياج قطاع غزة للإسمنت في نفس الفترة، حيث إن قطاع غزة يحتاج إلى 4.5 مليون طن خلال نفس الفترة لتلبية الاحتياجات الطبيعية فقط، ولا تزال هناك حاجة إلى 46٪ من الاسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي استهدفت خلال حرب عام 2014".
وتابع، "انعكست آلية إدخال الاسمنت بشكل واضح على بطء عملية الإعمار، حيث إن ما إن ما تم إنجازه من الوحدات السكنية المدمرة كلياً، إعادة بناء 4274 وحدة سكنية، من أصل 11000 وحدة، وهي تمثل فقط 38.8% فقط من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي، فيما بلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 1516، والوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 1409، والوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 3801 وحدة سكنية".
ونوّه الطباع إلى أن عدد الفلسطينيين الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب الإسرائيلية عام 2014 يقدر بأكثر من 6300 أسرة (حوالي 33 ألف فرد)، فيما توجد فجوة عاجلة في المساعدة والحاجة لدعم مالي نقدي لنحو 5300 أسرة نازحة تقريباً.
ولفت إلى أن عملية إعادة الإعمار في القطاع الاقتصادي مغيبة كلياً، حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التي تضررت في كافة القطاعات حوالي 5427 منشأه اقتصادية، وقدرت خسائرها المباشرة وغير المباشرة بحوالي 284 مليون دولار، كما قدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحوالي 566 مليون دولار.
وأوضح أن "مجمل ما تم صرفه لإعادة إعمار القطاع الاقتصادي لا يتجاوز 6.1% من إجمالي أضرار القطاع الاقتصادي المباشرة وغير المباشرة"، مشدداً على أن العديد من المؤسسات الدولية حذرت من التداعيات الخطيرة لاستمرار الحصار الإسرائيلي على غزة وتأخر إعادة الإعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.
وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فقد بلغت معدلات البطالة في قطاع غزة 41.1% في الربع الأول من عام 2017، فيما ارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 56%.
من جانبه قال سالم أبو ريدة من سكان بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة، إنه ما زال ينتظر حتى اليوم إعادة إعمار منزله الذي تدمر كلياً جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.
وأكد أبو ريدة في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن العديد من سكان البلدة لا زالوا يسكنون "الكرفانات الحديدية" بسبب تأخر وبطء عملية إعادة الإعمار، مؤكداً أنها هذه البيوت الحديدية أصبحت غير صالحة للاستعمال البشري.
وأضاف، "ماذا نفعل في ظل ارتفاع درجات الحرارة، فقد تحولت هذه الكرفانات إلى أفران نار ولا يستطيع أحد الدخول إليها، وهناك عائلات كاملة أصبحت تنام في الشوارع هروباً من درجات الحرارة العالية".
وفي ذات السياق قالت السيدة سامية عاشور من شمال قطاع غزة، "إن عدد كبير من البيوت المحيطة بنا قد تم إعادة إعمارها وما زلنا ننظر إليهم وننتظر دورنا"، مشيرةً إلى أن منزلها قد تدمر جزئياً لكن العيش فيه أصبح صعب جداً.
وأوضحت عاشور في حديثها لـ"سبوتنيك"، إلى أن قطاع غزة أصبح عبارة عن "سجن كبير" يعتاش سكانه على المعونات والمساعدات من الجهات المختلة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والحاجة والبطالة، وانتشار الأمراض والحوادث بسبب الضغط الكبير الذي يقع على سكانه.
يشار إلى أن عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" والمؤسسات الإغاثية الدولية تجاوز أكثر من مليون شخص بنسبة تزيد عن 60% من إجمالي سكان قطاع غزة.