وأكد الكاتب نجاح الإيرانيين في فرض أنفسهم على الطاولة، وجودهم دفع الأمريكيين إلى التحفظ على مسار أستانا. أما موافقة إيران على اتفاق مناطق تخفيف التصعيد، فقد حكمه قلقها من تبلور سياسة أمريكية عدائية في المنطقة، رمزها نتائج قمة الرياض، القاضية بالمكافحة المزدوجة لإيران والإرهاب.
واعتبر الكاتب أن إيران لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي أمام إستراتيجية ترامب الساعية إلى دحر نفوذها الإقليمي، ومشاريعه المعلنة لإعادتها إلى حدودها ودفعها خارج سوريا والعراق. خطط إستراتيجيو طهران لمواجهة هذه الإستراتيجية، ووضعوا نصب أعينهم ربط سوريا بالعراق، وتكثيف وجودهم العسكري في شرق ووسط وجنوب سوريا.
وأضاف الكردي: في المقابل، تركزت خطط استراتيجية إدارة ترامب على شرق سوريا. أراد مجلس الأمن القومي، الذي يتبنى مسؤولوه عقيدة معادية لإيران، لمنطقة التنف أن تكون نقطة انطلاق للمشروع الأمريكي في شرق سوريا وغرب العراق. اعتبروا أن القاعدة التي بنوها ستتيح لهم القفز إلى البوكمال، والميادين استعدادا للجائزة الكبرى في دير الزور. الهدف من التحرك كان سد طريق إيران ما بين سوريا والعراق عبر البادية الشامية.
وأكد الكاتب أنه مما لا شك فيه أن المشروع الأمريكي قد تعرض لضربة قاسية، عندما تمكن الجيش العربي السوري مدعوما بحلفائه الإيرانيين والروس ومن المجموعات العراقية و"حزب الله" اللبناني من الوصول إلى الحدود السورية العراقية إلى الشمال من منطقة التنف، قاطعين بذلك الطريق على المجموعات المدعومة من الأمريكيين والبريطانيين للتوجه شمالا باتجاه الميادين أو البوكمال.
وقال:
لحماية مصالحهم من "التهديد الإيراني" في شرق سوريا، اختار الأمريكيون العودة إلى الروس. دخلوا في مفاوضات عبر عمان والقاهرة، تمخضت عن إنشاء منطقتي تخفيف توتر في درعا والقنيطرة، والغوطة الشرقية. المنطقتين اللتين دقتا مسمارين في نعش عملية أستانا.
بارك ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الاتفاقين خلال قمتهما غير العادية في مدينة هامبورغ الألمانية. أكثر التنازلات الأمريكية كانت على حساب المسلحين والأتراك. وضع الأمريكيون نقطة النهاية لبرنامج تسليح "المعتدلين" في جنوب وشمال سوريا، كما أمروا مسلحي التنف بالامتناع عن مهاجمة الجيش العربي السوري.
أقرت واشنطن بالدور الروسي كضامن للتسوية السلمية لأزمة سوريا، وقبلت بالتنسيق العسكري مع الروس في المعارك ضد تنظيم "داعش" في محافظتي الرقة ودير الزور.
وأضاف الكردي: الآن، تجد إيران نفسها وأكثر منها تركيا أمام أمر واقع تبلور في عمان والقاهرة، من دون أن تكن على علم بكامل تفاصيله. ويستعد المسؤولون الإيرانيون لاستقبال رئيس المخابرات الروسية، من أجل التنسيق المسبق بشأن اجتماع خبراء الدول الضامنة لعملية أستانا (تركيا، إيران، روسيا) الذي تستضيفه العاصمة الإيرانية قريبا حسبما تم الاتفاق بشأنه مؤخرا في لقاء "أستانا 5".
وختم الكاتب بالقول: هكذا، بعد الاتفاق الروسي الأمريكي الذي أنشأ مساري عمان والقاهرة حول سوريا وخطف بريق عملية أستانا، من المرجح أن يعمل الإيرانيون على تعزيز التعاون مع أوروبا وتركيا بشأن سوريا، استعدادا لأم المعارك في المنطقة العام 2018 المقبل: الانتخابات البرلمانية في العراق، والتي ستحدد نتيجتها ما إذا كان بإمكان طهران تثليث الطاولة الروسية الأمريكية حول مصير الهلال الخصيب ما بعد "داعش" أم لا.