يقدم المخرج السوري، جود سعيد، نظرة على مدينة كانت مثالا للجمال، فأصبحت مستقرا للمجانين، وحطام البشر، في فيلمه "مطر حمص" المعروض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لأيام قرطاج السينمائية، في أول عودة لإنتاجات مؤسسة السينما السورية، إلى الفعالية السينمائية الأقدم بالوطن العربي، بعد غياب عدة سنوات.
الفيلم أبكى الجمهور في عدة مناطق بالفيلم، كانت كمحطات لتوصيل نظرة عن المأساة السورية لمشاهديه، ومشاهد الحب بين يارا ويوسف كانت الأعلى في التعبير عن تلك المأساة، وفي النهاية صفق الجمهور للفتاة التي فجرت نفسها في سيارة تجمعها مع قائد الفصيل الإرهابي "أبوعبدالله" الذي يجسد شخصيته المخرج جود سعيد، لنجد مشهد للحبيبين مع الطفلين يناديان على "حمص"، ويبحثان عن بعث المدينة من تحت الأنقاض.
سيناريو الفيلم، قدم المأساة السورية ملخصة داخل حي بمدينة حمص القديمة، وحاول أن يطرح من خلال كوميديا سوداء، تلخيص الوضع السوري، من خلال جنون الجميع، الشاب والفتاة والطفلين، أب الكنيسة، جنود الجيش المحاصرين، حتى أبوعبدالله "جود سعيد"، قائد الفريق الإرهابي، هو الآخر يلعب دوره كأنه ممثل مسرحي مجنون، بنظرة عينيه الغريبة والتي ركز عليها المخرج جود سعيد، الذي قدم نفسه بالشكل الذي يكرهه.
الجنون الذي طرحه جود سعيد، هو جنونه الشخصي كسوري يعيش لاجيء في وطنه، قدمه في شخصيات عدة، بداية من العجوزين اللذان يدخنان الأرجيلة، وكأن الأمر لا يعنيهما، في الشباب الظاهر خلله، سواء بحمله علما أبيض، والآخر الذي يعيش في الحارة التي يسيطر عليها الجنرال المتقاعد، والآخر الذي لا يحمل سوى "تانك سيارة"، هو كل ثروته في الدنيا.
الأب إيليا، كاهن الكنيسة هو مثال آخر للجنون، جنون الرغبة في حدوث معجزة تجعله قادرا على البقاء حتى يسلم مفاتيح الكنائس لمن يعود بعد انتهاء الأزمة.
لم يستطع المخرج جود سعيد أن يترك أزمة سوريا خلف ظهره، ولم يناقش الحدث من وجهة نظر خارج الواقع، ولكنه وضع الواقع في قالب فانتازي، ساعده في ذلك الجنون المطبق في الصورة لمدينة محطمة عن بكرة أبيها، وشعب لن يجد سوى في الجنون حلا لعبور حربه ضد منتخب مجرمي العالم.
فيلم #مطر_حمص
— التغريدة السورية (@TheSyrianTweet) September 18, 2017
من إخراج جود سعيد وبطولة محمد الأحمد ولمى الحكيم
مسرح دار الثقافة بحمص ابتداءً من يوم الأحد ٢٤ أيلول 2017 في الخامسة مساءً pic.twitter.com/rQ0fPLlWkH
موسيقى العمل لنديم مشلاوي كانت تقود الحدث، مع تراك موسيقي أظنه أفضل ما في الفيلم، استخدم خلاله المخرج امكانيات أبطال العمل محمد الأحمد ولما الحكيم وحسين عباس، في فواصل موسيقية كأنها مقابلة بينهم وبين غناء فريق الجيش المحتجز داخل برج لحماية الجزء الباقي من حمص وبه مدنيين.
"مطر حمص"، اختار له مخرجه في بعض المشاهد نمط مسرحي واضح، قدم من خلاله حالة الفناتازيا، في مشاهد كانت كفواصل تقدم لتغازل جمهورا ضحك في بعضها وبكى في بعضها، ولكن ما عاب الفيلم هو تضاؤل المشاهد فيما بين تلك الفواصل.
سيناريو مطر حمص عابه وجود مناطق ضعيفة في تعبير الشخصيات عما تعانيه، ولم يستطع الإخراج معالجتها، وتاه المشاهد بينها، وأهمها مشهد عودة الفتاة لوعيها بعد غيبوبة طويلة، وحتى الواقع الفانتازي بنمطه الموجود في الفيلم، لا يستطيع تمرير ذلك المشهد، رغم إنه لاقى إعجاب جمهور قرطاج، الذي صفق لخروج "يارا" من السرير على حضن "يوسف".
في النهاية، "مطر حمص" هو حالة سورية بامتياز، عاني الفيلم داخل تكوينه ما تعانيه سوريا في محاولاتها إبراز ما أحدثته الحرب من أزمات، ولكنه سقط في تسرع أفقده توازنه وساهم في ذلك ضعف السيناريو، ولم ينقذه جودة التمثيل، وزخم الصورة.