وأطلقت النساء ناشطات وقانونيات وإعلاميات، على تعديل القانون المصوت عليه، الذي أرسل إلى مجلس شورى الدولة ومنه إلى مجلس الوزراء لإقراره، تسميات عدة منها "دعشنة المجتمع" كونه يسمح بنكاح القاصرات والأصغر منهن على غرار ما فعل "داعش" الإرهابي عندما سبى المختطفات واغتصب حتى غير البالغات منهن.
وتكلمت عضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية، انتصار الميالي، في حديث خاص لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، اليوم الإثنين، بالتفصيل عن تعديل قانون الأحوال الشخصية
وتقول الميالي:
"التعديل يتعارض تماماً مع النص الدستوري في المادة 41 التي تنص على "أن العراقيين متساوين"،…حيث مجرد ذكر عبارة (وفق المذهب الذي يتبعونه) الواردة في البند (أ) هو أثارة للطائفية والفرقة والتمييز الواضح في مقترح التعديل فضلا على انه يتيح الرجوع إلى المذاهب وفروعها وهذا مؤشر لانتهاكات خطيرة لحقوق المرأة والطفل والأسرة بل والمجتمع ونظام الدولة بالكامل.
وتشير الميالي، إلى تباين شاسع بين أحكام المذاهب بل وأفرعها أيضا في تطبيق العديد من المسائل والقضايا الأسرية التي نظمها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 بقواعد موحدة مستندة إلى الأحكام الفقهية والمذهبية المتنوعة الأكثر تحقيقا للعدالة والأكثر ضمانا لاستقرار الأسرة والمجتمع والأكثر توفيرا للحقوق، والتعديل هو أعادة أنتاج لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي أُثير قبل أربعة أعوام، بالإضافة إلى اختلافات كثيرة جدا فيما يتعلق بالنفقة والحضانة وأحكام النسب والطلاق وغيرها الكثير كلها تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المحاكم التي تضمن تطبيق القوانين لدى الأفراد ومساواتها بينهم بما يحقق العدالة, ناهيك عن السماح بإنشاء المحاكم الشرعية الفقهية، وهذا كله مع النصوص الواردة في مقترح التعديل تتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق.
زواج القاصرات
وركزت الميالي في حديثها على "زواج القاصرات" الذي تضمنه مشروع تعديل القانون، معتبرة إياه من ابرز الإشكاليات التي يثيرها التعديل الجديد، قائلة ً: "بدلا من أن تعيش الطفلة حياتها الطبيعية وتأخذ فرصتها في الحياة والتعليم والنمو الطبيعي وتنمية المهارات والإبداع فيها، هناك للأسف الشديد من يحاول شرعنة اغتصاب طفولتها".
وأكملت، من ابرز الأمور المثيرة للجدل في مقترح التعديل على قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959 هي قضية سن الزواج والتي تتقاطع تماما مع الكثير من المواد في القوانين العراقية النافذة والنصوص الدستورية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والذي تعتبر النقطة الجوهرية التي تشكل خطورة كبيرة على تزويج القاصرات استنادا للنص الوارد في (المادة الأولى) من مشروع التعديل.
وبينت الميالي، أن معظم القوانين العراقية النافذة تؤكد على إن سن الرشد هو ثمانية عشر سنة كاملة، بذلك يتبين بوضوح إن زواج القاصرات بعمر تسعة سنوات لا ينسجم مع القوانين النافذة التي حددت سن البلوغ.
زواج الأطفال
وأطلعتنا، المستشارة القانونية لمنتدى الإعلاميات العراقيات، بشرى العبيدي، في تصريح لمراسلتنا، على ملاحظات قانونية واجتماعية حول مقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 واثاره.
ومن أبرز الملاحظات التي أثارت موجة غضب بين النساء والشارع العراقي، دونتها العبيدي، هو أن تعديل القانون، حدد سن البلوغ بإكمال الإناث (9 سنوات هلالية) وفق التقويم الهجري, وإكمال (15 سنة هلالية) عند الذكور.. وهذا التحديد لإغراض متعددة منها الإيصاء والتصرف بالمال وأيضا الزواج, بل أن الزواج ممكن حتى بأقل من هذه السن.
انتهاك الطفولة
وعودة إلى عضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية، انتصار الميالي أكدت، على أن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الجعفري، يعد انتهاكا جديداً لاتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 وانضم إليها العراق سنة 1994 التي نصت ضمن المادة (1) منها على (لإغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل الإنسان من لم يتجاوز الثامنة عشر ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه).
وكذلك يعتبر التعديل القانوني المذكور، انتهاكا ً لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 التي انضم إليها العراق عام 1986 والتي كان من بين ابرز ما فيها من نصوص هو نص المادة (16/2) التي نصت على (لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه اثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما فيها التشريع لتحديد سن أدنى للزواج و يجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي امرأ إلزامياً) بالإضافة إلى إن حالة النضوج الكامل سواء بالنسبة للفتاة أو الفتى، لا ترتبط ببلوغ سن معين فقط، بل من الضروري إن يكون طرفا الأسرة (الزوج والزوجة) يمتلكان الخبرة بالحياة والمصاعب التي قد تواجههم وكيفية تجاوزها، إضافة إلى حالة النضوج البيولوجي لكليهما بما يمكنهم من الاستمرار في العيش بحياة كريمة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها العراق حاليا.
تضامن إقليمي
ونالت النساء الثائرات وعريضتهن لإلغاء القانون، تضامنا عربيا وإقليميا من ناشطات عديدات منهن ذكرتهن لنا الميالي مع نصوص تضامن من لجان حقوق المرأة في لبنان وسوريا، وفلسطين، والبحرين، وكذلك قطاع المرأة بمركز التواصل الاجتماعي.
وتستمر النساء العراقيات، حملاتهن وتظاهراتهن بمشاركة الصغيرات، التي نالت دعما كبيرا من الرجال، في مناطق متفرقة من البلاد، لاسيما في بغداد بشارع المتنبي شريان الثقافة، وساحات التحرير وغيرها للضغط على الحكومة في إلغاء مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي عدته المتظاهرات والمحتجات، بالمخالف للدستور والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
تصويت
وجرى تصويت مبدئي على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 88/1959 بالبديل "مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري"، في جلسة البرلمان التي عقدها في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من العام الجاري، وسط غضب شعبي لاسيما بين النساء اللواتي سرعان ما قدن ثورة عارمة وصلت حتى خارج البلاد.
وأرسل البرلمان بعد تصويته على التعديل البديل الجعفري، إلى مجلس شورى الدولة الذي بدوره يرسله إلى مجلس الوزراء العراقي لإقراره في وقت لم يعلن أو يكشف حتى الآن، وسط آمال بإلغائه وعدم اعتماده مراعاة لحقوق الصغيرات وطموح النساء في العيش الكريم دون حقوق مسلوبة وتهميش في المجتمع.