ولفت الكاتب ميسان إلى أن يكاتيرينا، إدراكا منها لما يمكن أن يمثله تراجع المسيحية في الشرق الأوسط من خسارة ثقافية للأرثوذوكسية في مواجهة ثقافة التعصب السائدة في الإمبراطورية العثمانية، دخلت الحرب ضد السلطان العثماني، فضمت شبه جزيرة القرم، وحولت البحر الأسود إلى بحر أرثوذوكسي، وشرعت بتحرير "سوريا الكبرى" بالاستيلاء على بيروت، ثم أعلنت جملتها الشهيرة أن "سوريا الكبرى" هي مفتاح البيت الروسي.
وأضاف: الرئيس فلاديمير بوتين قام أيضا بضم القرم، وتحرير سوريا، لكن ليس من الإمبراطورية العثمانية هذه المرة، بل من براثن جهاديين يقودهم الفرنسيون والبريطانيون والأمريكيون.
وهكذا أصبحت روسيا في وقتنا الحالي القوة التي تحمي جميع الشعوب الواقعة بين ضفاف النيل، وجبال البروز، وأرست قمة سوتشي دعائم دور روسيا في الشرق الأوسط الموسع، فصارت من الآن فصاعدا، القوة الحامية لكل من إيران وتركيا وسوريا.
واعتبر الكاتب الفرنسي أنه سيكون للصحوة الأرثوذكسية ارتدادات بالغة الأهمية لاحقا في أوروبا، فالقارة منقسمة تاريخيا إلى منطقتين، كاثوليكية وبروتستانتية في الغرب، وأرثوذكسية في الشرق.
يتحاورون فيما بينهم، ويمشون مع الرب في الغرب، بينما يطيع نظراؤهم عظمة الله ويعبدونه في الشرق.
البنى العائلية أكثر ظلما في الغرب، منها في الشرق، لقد أدى هذا الاختلاف الثقافي منذ القرن الحادي عشر إلى انقسام أوروبا، لكن "الستار الحديدي" لم يحترم ذلك الانقسام تماما، حين ربط اليونان الأرثوذكسية بحلف الناتو، وبولندا الكاثوليكية بحلف وارسو.
المسيحيون الشرقيون لم يعيروا الاختلافات الثقافية داخل أوروبا أي اهتمام، على حين كان ينظر إليها الأوروبيون الغربيون دائما على أنها إما كاثوليك أو أرثوذوكس، وبحلول عام 1848، كانت فرنسا تتصور ترحيل الكاثوليك والموارنة السوريين إلى الجزائر، وإبادة الأرثوذكس. على حد وصف الكاتب.
فيما يخص سوريا، إن ما يقوم به الرئيس بوتين، هو فرصة للعودة إلى خصوصية أساسياته بعد تجربة الجهاديين الذين كانوا يريدون فرض نموذجهم الثقافي الفريد على الجميع: سوريا لا تكون عظيمة إلا حين تعنى من دون استثناء، بجميع فئات شعبها.
في البداية، فكر بوتين بتنظيم مؤتمر لـ"الشعوب السورية" في سوتشي، لكنه أقر أخيرا بأنه في سوريا، خلافا لما هو في روسيا، لا يوجد مجتمعات محلية تقيم على جزء من الأرض السورية، وأنهم يعيشون جميعا بشكل مختلط في وطن واحد، ومن هنا صار مؤتمرا للحوار الوطني السوري.