ومن المشاهد التي لا تقدر العين على ملاحظتها، مشهد أم مصطفى وهي تحاول ان تمنع ابنها الصغير الذي لم يتجاوز الثلاث أعوام من الاقتراب من حافية الشرفة المهدمة نتيجة قذائف الغدر لكي لا يقع.
تتحدث أم مصطفى لمراسل " سبوتنيك" نزحنا من حينا في بداية الحرب منزلي مطل على جسر الراموسة بمنطقة الأحياء الشرقية حيث كانت تدور العمليات العسكرية بشكل متواصل قبل تحريرها من الإرهاب.
ذكريات..
لم تتوقع ام مصطفى أو أي أحد من سكان حلب أن تتحول أيامهم المسالمة ولياليهم الهادئة لمجرد ذكريات سعيدة دمرتها الحرب فمنازلهم باتت في الأرض تقول أم مصطفى: عدنا إلى منازلنا بعدما تم اخلاء الارهابيين من المنطقة لقد تشردنا وأسعار الإيجارات مرتفعة جداً مقارنة بالمردود المالي الذي يتقاضاه زوجي منزلنا مهدم قمنا بإصلاح ما نستطيع إصلاحه ورغم الوعود العديدة من المحافظة بتقديم المساعدات وإعادة بناء ما هدمه الارهاب ولكن لم يتم القيام بشيء أبداً حتى أن أثاث المنزل كان قد سرق جميعه.
أول الضحايا..
كانت عائلة ابو العبدالله الحلبي من بين أوائل الضحايا، غادرت الأسرة المنزل للهرب من اعمال الإرهاب بحكم قربهم من خطوط المواجهة، حيث يمكن للقذائف أن تحلِّق فوق المناطق دون رادعٍ حقيقي.
وأصابت قذيفة الذي أودى بحياة شقيقته أيضاً بشكلٍ بليغٍ، ونُقِلَت بسرعةٍ إلى منطقة أمنة وعندما وصل إلى المستشفى أخبرهم الطبيبٌ خطئاً أنَّ اخته ماتت.
يتحدث ابو عبد الله لمراسل " سبوتنيك"، أدَّى الضرب المتزايد إلى نزوحٍ جماعيّ، وتسبَّب لأولئك الذين بقوا في مأساةٍ دائمةٍ، فقدنا كثيراً جداً من الأشخاص، ليس فقط بسبب القنابل والأسلحة الأخرى، لكن أيضاً بسبب النزوح.
وقال الحلبي: "لا نستطيع التحدُّث عن الحرب فهي أصبحت جزء من حياتنا عدنا إلى منازلنا ولكن مثلما تشاهدون كل شيء مدمر والدولة تدعي أن المنطقة عبارة عن مخالفات لذلك تحتاج إلى تخطيط جديد من أجل إعادة أعمارها نحن من طبقة متوسطة ولا نستطيع إعمار ما دمره الإرهاب أغراض منازلنا منها ما حرق ومنها ما سرق وليس باليد حيلة فكل ركنٍ من حياتنا كانت موجودة في هذا المنزل تجد شيئاً مفقوداً، مثل شاحن جوَّالِك، حاسوبك المحمول، وحتى الدفء إذا كنت تشعر بالبرودة، والماء من أجل الاستحمام لم أستطع أخذ أي شيءٍ معي سوى كرامتي نعيش الآن بالقرب من منزلنا المهدوم محشورٌ في منزل أحد أقاربه مع زوجته، وطفليه، وأخويه وعائلتيهما يؤكد الحلبي: "لستُ ذاهباً إلى بلدٍ آخر سأحاول البقاء في بلدي إذا استطعتُ
وعود الحكومة…
في الوقت الذي يقطن به الحلبية في الدمار منتظرين الوعود التي أفتى بها المحافظ يتذكرون بها أيامهم الماضية حيث كانت حياة المدينة العتيقة بحلب تحتضن أكبر أسواق العالم، قبل أن تدمرها آلة الحرب كليا في سنة 2012.
يصرح محافظ حلب حسين دياب الحرص التام على استكمال مجمل المشاريع المقررة لإعادة الأعمار وتبسيط الإجراءات موضحاً أن عملية إعادة البناء والإعمار قطعت شوطاً مهماً ولا يزال أمام المعنيين الكثير للقيام به لإزالة كل آثار الإرهاب.
حيث تم وضع الخطة الإسعافية الجارية للتدخل السريع بما يتعلق باستكمال فتح الشوارع والأزقة التي تم فتح أكثر من60 بالمئة منها وترحيل الأنقاض وتدويرها وتنفيذ حملات النظافة وإجراءات التدعيم.
وبين محافظ حلب خصوصية وأهمية عمل اللجنة انطلاقاً من الأهمية التاريخية والحضارية والإنسانية والاقتصادية للمدينة القديمة التي تعد جزءاً من تاريخنا وحضارتنا لافتاً إلى ضرورة تسريع الخطوات والمشاريع الجاري تنفيذها لترميم وتأهيل الأسواق القديمة والمنشآت الخدمية والسياحية والمباني السكنية وتوفير الخدمات للأهالي العائدين إلى منازلهم.
مؤكدا أن سورية ستنطلق من جديد من حلب التي ستكون نموذجا لإعادة الإعمار في كل سورية حيث تم إعطاء المباشرة لكل الشركات والمؤسسات العامة وزج كامل طاقاتها بالعمل ريثما يتم تصديق العقود المبرمة معها
مشيرا إلى أن الحكومة وافقت على كل الاعتمادات التي قام مجلس المدينة بإرسالها في مذكرته وأن المشكلة الحالية هي نقص الكوادر البشرية والآليات الهندسية الثقيلة
ولفت إلى أنه تم انجاز جزء كبير من الأعمال المدرجة بالعقود المبرمة مع الشركات والتي تتعلق بترحيل الأنقاض
حيث تم الانتهاء من فتح الشوارع الرئيسية والبدء بفتح الشوارع الفرعية للأحياء المدرجة في خطة التدخل الإسعافي وحسب الأولويات الموضوعة موضحا أن هناك عقودا جديدة تم إبرامها فيما يتعلق بتأهيل المباني والمشيدات الحكومية الخدمية "كراج البولمان والمذبح الفني في الراموسة.
وتمت المباشرة في تنفيذها إضافة إلى عقود قيد الدراسة مشيرا إلى أن خطة المجلس تهدف إلى تحقيق العودة السريعة للمواطنين إلى منازلهم وهو ما اعتمدته من خلال أولوياتها باستهداف الأحياء الأقل ضررا والأكثر كثافة سكانية والأقل كلفة مبينا أنه يوجد 23منطقة مخالفات و67 منطقة دراسات مصدقة في مدينة حلب
وتظل إعادة الإعمار الهاجس الأكبر الذي يؤرق سكان حلب جراء تدمير الإرهاب للأحياء الشرقية من المدينة بشكل ممنهج بما فيها بنيتها التحتية، وهي التي تشكل أكثر من 65 بالمئة من مساحة حلب، الأمر الذي يتطلب إجراءات استثنائية وسن قوانين وتشريعات ترتقي إلى حجم الكارثة واعتبار المدينة منكوبة.
تقرير: نور ملحم
