وأشارت فحص أن السلطات الإيرانية تعمدت منذ البداية عدم التدخل وكشف الطريقة التي سيتم قمع المتظاهرين الخارجين عن القانون بحسب الحكومة، وتعمل السلطات الإيرانية على ضبط النفس من جهة لعدم اشعال الشارع وتهدئة النفوس وإظهار الاحتجاجات والمتظاهرين على أنهم مجرد أدوات يقومون بأعمال شغب. بالإضافة الى الإعلام الإيراني الذي يتعامل مع الاحتجاجات باستخفاف. واتخذت السلطات اجراءات حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت بنقل الأحداث الأخيرة في الشارع.
واعتبرت فحص أن ما يحصل اليوم في إيران هي احتجاجات بسبب الأوضاع الإقتصادية لكنها اتخذت طابعا سياسيا فورا نتيجة الترابط البنيوي بين الاقتصاد والرجال السلطة المتدينين، وقالت فحص " وأن الاستبداد الديني الذي سيطر على الحكم منذ حوالي أربعين سنة يرافقه استبداد اقتصادي، حيث تتحكم بضع عمامات إلى جانبها مؤسسة أمنية شرهة (الحرس الثوري) بثروات البلاد وتصادر الحصة الأكبر من عائدات النفط والغاز وتهمين على المشاريع الاقتصادية مهما كان حجمها، لذلك لا من الطبيعي أن يهتف المتظاهرون بموت المسؤولين إلى جانب هتافاتهم المطلبية".
أما بالنسبة للنظام فهو يصر على براءته من الأزمة الاقتصادية، محيلا أسبابها على فشل سياسات الرئيس الإيراني روحاني الانمائية، فمن جهة يعتبر فريق روحاني ان الفشل الانمائي يعود الى عدم اعطاء الحكومة الميزانية والقرار من المجالس والسلطات الأعلى، هذا الأمر وضع الحكومة والنظام في وضع لا يحسد عليه أمام الشعب.
وبحسب فحص فهناك 3 روايات مختلفة لأسباب هذا الانفجار الشعبي المفاجئ والعشوائي، الذي يعد الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، يمكن البناء عليها لمحاولة تفسير ما يجري.
الرواية الأولى:
ترتبط بإخفاق حكومة روحاني في تحقيق وعودها الإنمائية، التي تعهدت بها فور رفع العقوبات الدولية. فرغم مرور أكثر من سنتين على توقيع الاتفاق النووي، الذي تم بموجبه رفع العقوبات الدولية عن إيران وفتح أبوابها المغلقة على الأسواق العالمية وبالعكس، لم يطرأ على الوضع المعيشي للشعب الإيراني أي تغيير، بل على العكس ارتفع مؤشر التضخم، وتراجعت قيمة العملة المحلية أمام الدولار (4000 تومان للدولار الواحد)، وازدادت البطالة، وأصبح 60% من الإيرانيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، 20% منهم في المدن و40% في الأرياف. المأخذ الكبير الذي يسجل على حكومة روحاني في هذه المعمعة الاقتصادية ويكاد يكون السبب الأول للإنفجار هو أنه رغم تردي الأوضاع المعيشية أقرت حكومة روحاني في ميزانية العام 2018 مخصصات خيالية للمؤسسة الدينية، في حين رفعت الدعم عن المحروقات وعدد من المواد الغذائية الأساسية، هذا إضافة إلى ميزانية سنوية تتعدى 8 مليار دولار لمؤسسة الحرس الثوري وحدها.
الرواية الثانية:
تعد هذه الرواية مرتبطة بالثأر والانتقام السياسي، فبعد محاكمة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد وفريقه السياسي بتهم سرقة المال العام، وعد نجاد النيل ممن نصبوا له هذا الفخ، وذلك بالاعتماد على تحريك قاعدة شعبية، استطاع شراء عواطفها خلال فترتيه الرئاسيتين عبر منحها مساعدات مالية من خزينة الدولة تصل إلى 40 دولار شهريا، ألغتها حكومة روحاني. واستخدام رصيد شعبي لا بأس به في المجتمعات الريفية المتدينة، التي ماتزال تؤمن ب"مهدويته"، يترافق ذلك مع شعور بالقوة مستمد من حضور محدود نسبيا، لا يملكه روحاني، داخل مؤسسة الحرس الثوري. هذه الحقائق شكلت مجتمعة دليل شبهة على ضلوع نجاد في حقن الشارع ضد خامنئي وروحاني.
الرواية الثالثة:
الرواية الثالثة هي بمثابة تصفية حسابات بين التيارين الحاكمين، المحافظ والمعتدل، أو بالأحرى بين متشددين داخل التيار المحافظ ونهج الاعتدال الذي تقوده حكومة روحاني. فانطلاق شرارة الاحتجاجات من مدينة مشهد يشير بإصبع الاتهام فورا إلى آية الله أحمد علم الهدى إمام الجمعة في المدينة المقدسة، التي تحتضن ضريح الإمام علي الرضا ثامن أئمة الشيعة الإمامية. علم الهدى هو والد زوجة ابراهيم رئيسي الذي مني بخسارة فادحة في الانتخابات الرئاسية أمام روحاني، وهو معروف بمعارضته الشديدة للاتفاق النووي والانفتاح على الغرب الكافر. كانت الخطة تقتضي أن تجري مظاهرة محدودة تحت حماية قوات الشرطة، يطلق خلالها المعترضون هتافات تنال من روحاني، تعبيرا عن غضبهم بعد إفلاس مشروع اقتصادي رعته حكومته في المدينة وتسبب بضياع أموالهم، لكنها أفلتت من يد مهندسيها وانحرفت نحو السياسة والمطالبة بعودة الملكية.