ورغم أن 2018 يكون قد مر 47 عاما على وفاة عبد الناصر الذي رحل في 28 سبتمبر 1970 إلا أنه لا زال مادة ثرية لنقاشات واسعه، وجدل طويل حول ما قام به جمال، وما قدمه لبلده مصر ولقوى التحرر الوطني حول العالم.
تمتع جمال بإمكانيات خاصة إذ كان خطيبا مفوها، أسر قلوب وآذان المستمعين له في مصر والوطن العربي، ألقى عبد الناصر 1359 خطبة بين سنتي 1953 و1970.
في هذا التقرير ترصد "سبوتنيك" أهم المحطات في حياة الطفل والشاب والضابط والرئيس جمال عبد الناصر.
الطفل الثائر
ولد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان في 15 يناير 1918 في محافظة الإسكندرية، وبسبب عمل والده تنقل بين عدد من محافظات الجمهورية.
وشارك عبد الناصر في الحركة السياسية منذ أن كان طفلا وألقي القبض عليه لأول مرة عام 1930 ولم يكن قد أكمل 12 عاما.
تلقى عبد الناصر تعليمه في عدد من المدارس بسبب ظروف عمل والده إذ التحق بروضة الأطفال في الإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في محافظة المنوفية (دلتا مصر) وظل بها عاما واحدا وانتقل إلى مدرسة في القاهرة، ثم عاد إلى الاسكندرية ليكمل أعقاب قرار من رئيس الوزراء حينئذ إسماعيل صدقي بإلغاء دستور 1923، وألقي القبض على عبد الناصر واحتجز ليلة واحدة، قبل أن يخرجه والده.
ولم يثنيه ذلك على مواصلة العمل السياسي وهو طفل إذ قاد مظاهرة في 13 نوفمبر 1935، وكان عمره 17 عاما فقط، وكانت مظاهرة ضد الاحتلال البريطاني احتجاجا على البيان الذي أدلى به صمويل هور وزير الخارجية البريطاني، والذي أعلن رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، وفي هذه المظاهرة قتل اثنان من المتظاهرين وأصيب عبد الناصر بجرح في جبينه سببته رصاصة من ضابط إنجليزي، ونشر اسمه في جريدة "الجهاد " التي صدرت صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
الضابط الثوري
في سنة 1937، حاول عبد الناصر الالتحاق بالكلية الحربية، ولكن الشرطة سجلت مشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة، فمنع من دخول الكلية، فالتحق بكلية الحقوق في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حالياً)، لكنه بعد فصل دراسي واحد عاود تقديم طلب الانضمام إلى الكلية الحربية واستطاع عبد الناصر مقابلة وزير الحربية إبراهيم خيرى باشا، فوافق على انضمامه للكلية الحربية في مارس 1937.
وفي الجيش بدأ عبد الناصر بتشكيل مجموعة من الضباط الشباب الذين يملكون مشاعر القومية والوطنية وجمعهم في تنظيم سري حمل فيما بعد اسم "الضباط الأحرار"، وكان شعار هيئة التحرير التي شكلتها حركة "الضباط الأحرار" هو الاتحاد والنظام والعمل، وتشير أغلب المصادر التاريخية إلى أن بداية تأسيس التنظيم كانت في عام 1949.
عبد الناصر يبكي
مع تأزم الوضع السياسي بداية عام 1952، فكر تنظيم "الضباط الأحرار" الاتجاه نحو الاغتيالات السياسية لكبار رجال القصر الملكي، واختاروا أن يكون هدفهم الأول حسين سري عامر، رئيس وزراء مصر السابق، وكان سري عامر مقرباً من الملك فاروق، ورشح لرئاسة نادي الضباط، وكان ناصر مصمما على استقلال الجيش عن النظام الملكي وكان عبد الناصر وزميله في التنظيم حسن إبراهيم هما المسؤولان عن تنفيذ العملية، وفي يناير عام 1952 أطلق عبد الناصر وإبراهيم ببنادقهم الرشاشة، الرصاص على حسين سري عامر بينما كان يقود سيارته في شوارع القاهرة، وبدلا من قتله، أصاب أحد المهاجمين امرأة كانت تمر بالصدفة بجوار السيارة، وذكر ناصر أنه بكى لذلك، وقرر العدول عن قرار الاغتيالات السياسية، وأيده رفاقه في التنظيم.
التحرك فورا
في يوليو 1952، تلقى عبد الناصر تسريبات من القصر الملكي تقول بأن تنظيم "الضباط الأحرار" انكشف، وأن الملك فاروق قد عرف أسماء أعضاء التنظيم وسيقوم بإلقاء القبض عليهم، فأعطى عبد الناصر تعليماته على الفور ببدء تحرك وحدات الجيش الموالية للتنظيم والانقلاب على الملك.
وأعلن الضباط البيان الأول للحركة صباح 23 يوليو 1952 عبر الإذاعة المصرية، وسيطر "الضباط الأحرار" على جميع المباني الحكومية، والمحطات الإذاعية، ومراكز الشرطة، ومقر قيادة الجيش في القاهرة.
ولم يكن الضباط في نيتهم تثبيت أنفسهم في الحكم، وإنما إعادة إنشاء دولة ديمقراطية برلمانية.
وكان عبد الناصر من بداية الحركة يرفض أن تكون ثورتهم دموية وحاصروا القصر الملكي في رأس التين حيث كان يقيم الملك فاروق. وأرسلوا إليه إنذارا في 26 يوليو 1952 يطالبونه بضرورة التنازل عن الحكم لابنه "الرضيع" أحمد فؤاد ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم.
وقبل فاروق الإنذار وتنازل عن العرش لابنه الذي أصبح لقبه "أحمد فؤاد الثاني" وغادر الملك وأسرته البلاد في يخت "المحروسة" إلى إيطاليا وتم توديعه رسميا بتشريفة ملكية.
وفي 18 يونيو سنة 1953، تم إلغاء النظام الملكي وأعلن قيام الجمهورية في مصر، وكان نجيب أول رئيس لها.
وحظرت حكومة الثورة جميع الأحزاب السياسية، في يناير 1953، وعلى الرغم من قرار حل البرلمان، كان عبد الناصر عضو مجلس قيادة الثورة الوحيد الذي يفضل إجراء الانتخابات البرلمانية، بحسب مذكرات عبد اللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادات الثورة.
عبد الناصر المفاوض
قاد عبد الناصر في مارس سنة 1953، الوفد المصري للتفاوض على انسحاب القوات البريطانية من مصر نهائيا وإخلاء معسكراتها وتحرير قناة السويس.
وفي 19 أكتوبر 1954 وقعت اتفاقية بين جمال عبد الناصر بصفته رئيس وزراء مصر وأنتوني ناتينج، وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، ونصت هذه الاتفاقية على جلاء البريطانيين بالكامل عن مصر في غضون عشرين شهرا من توقيع الاتفاقية، وانقضاء معاهدة التحالف التي كانت قد وقعت في لندن في عام 1936.
عبد الناصر الرئيس
بعد صياغة أول دستور في البلاد بعد حركة 23 يوليو عرض الدستور للاستفتاء العام يوم 23 يونيو، وترشيح عبد الناصر لمنصب رئاسة الجمهورية، وطرح الدستور الجديد للاستفتاء العام، وحاز الدستور على الموافقة بأغلبية ساحقة، وكذلك فاز جمال عبد الناصر بمنصب رئيس الجمهورية بأغلبية وصلت إلى 99.9%.
وقرر عبد الناصر إنشاء مجلس الأمة، وجرت أول انتخابات برلمانية في يوليو سنة 1956.
القرار الجريء
بسبب سياسات عبد الناصر الخارجية ودعمه لحركات التحرر في الوطن العربي وأفريقيا وموقفه بشأن الحرب الباردة، والاعتراف بالصين الشيوعية، بالإضافة إلى انتهاجه سياسة تنوع مصادر السلاح، غضبت أمريكا منه، وفي 19 يوليو 1956، سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا عرضهما لتمويل بناء سد "أسوان"، فوضع ناصر في مأزق، وقرر بعد دراسة الموضوع الرد بتأميم قناة السويس، كوسيلة من وسائل تمويل السد، وندد ناصر بالسيطرة البريطانية الفرنسية على أرباح شركة القناة لسنوات طويلة.
واستقبل المصريون القرار بتأييد واسع، بينما انقلبت أوروبا كلها خوفا على مصالحها الاقتصادية، واعتبرت فرنسا وبريطانيا، القرار "عمل عدائي من قبل الحكومة المصرية".
وفي بداية أكتوبر 1956 اعترف مجلس الأمن بحق مصر في السيطرة على القناة طالما أنها استمرت في السماح بمرور السفن الأجنبية من القناة.
غير أن بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل اتفقوا سريا على الاستيلاء على قناة السويس، واحتلال أجزاء من مصر وإسقاط عبد الناصر ونظامه، وبالفعل عبرت القوات الإسرائيلية في 29 أكتوبر 1956، شبه جزيرة سيناء، ثم قصفت الطائرات البريطانية والفرنسية المطارات المصرية في منطقة القناة، ثم بدأت بعمليات إنزال على الأراضي المصرية، وتحديدا في مدينة بورسعيد الساحلية.
وأمام اقتراحات من داخل مجلس قيادة الثورة بالتراجع عن القرار وتسليم ناصر نفسه للقوات البريطانية، أمر ناصر بمقاومة القوات الغازية.
وأمر عبد الناصر بتوزيع حوالي 400000 بندقية على المتطوعين المدنيين ومئات من قوات المقاومة الشعبية.
وكذلك أمر بإرسال قوات من الجيش إلى بورسعيد لتعزيز الدفاعات المصرية هناك.
وسافر ناصر والبغدادي إلى منطقة القناة لرفع الروح المعنوية للمتطوعين المسلحين.
وقتل في هذه المعركة ما بين 750 إلى 1000 مصري.
وأدانت الأمم المتحدة الحرب وطالبت بسحب قوات الدول الثلاثة من الأراضي المصري. ودعمت إدارة الرئيس الأمريكي وقتها أيزنهاور قرارات الأمم المتحدة، ومع نهاية شهر ديسمبر، انسحبت القوات البريطانية والفرنسية تماما من الأراضي المصرية، في حين أنهت إسرائيل انسحابها في مارس 1957.
عبد الناصر المهزوم
في الخامس من يونيو 1967 احتلت القوات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من الأراضي العربية، في سيناء المصرية وفلسطين وسوريا.
وبين ليلة وضحاها أصبح الرئيس المنتصر مهزوما وأرضه محتله، وبحسب ما نقل عن عبد الناصر نفسه بأن الجيش قد دمر تقريبا.
وقد أدت الحرب لمقتل 15000 — 25000 إنسان في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 70 — 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2 — 5% في إسرائيل.
ولم يجد الزعيم المهزوم أمامه سوى الاستقالة من منصبه وتحمل المسؤولية كاملة، رغم أنه ثبت قيام عبد الناصر في 2 يونيو 1967 بتحذير قادة الجيش من هجوم إسرائيلي يتوقع أن يكون صباح الاثنين 5 يونيو.
وفي 9 يونيو، ظهر جمال عبد الناصر على شاشة التلفزيون يعلن بيان تنحيه وتنازله عن رئاسة البلاد لنائبه زكريا محيي الدين.
فنزلت الملايين إلى الشوارع في مظاهرات تهتف: "نحن جنودك، يا جمال" ويطالبونه بالتراجع عن قراره، وبالفعل تراجع عبد الناصر عن قراره في اليوم التالي.
عبد الناصر يعيد ترتيب الأوراق
تذهب أغلب السير الذاتية لمن كانوا بالقرب من عبد الناصر، أن هزيمة يونيو 1967، هي أكبر ضربة تلقاها عبد الناصر في حياته، وأن جمال قبل هذا التاريخ يختلف كثيرا عن بعده.
وتولى عبد الناصر رئاسة الوزراء وأصبح قائدا أعلى للقوات المسلحة في 19 يونيو 1967 كمنصبين إضافيين، إلى جانب منصبه كرئيس الجمهورية.
وأعلن مبدأه المعروف "إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وأطلق العمال والطلاب احتجاجات تطالب بإصلاحات سياسية كبرى في أواخر فبراير1968.
وفي 30 مارس، أعلن عبد الناصر بيانا ينص على استعادة الحريات المدنية وزيادة استقلال البرلمان عن السلطة التنفيذية.
وعين ناصر كل من أنور السادات وحسين الشافعي في منصب نائب الرئيس في ديسمبر 1969.
عبد الناصر المقاوم
في هذه الفترة أعاد عبد الناصر تسليح الجيش وبناء قدراته تمهيدا لمعركة تحرير الأرض المحتلة.
وبدأت مصر في يناير 1968، حرب الاستنزاف داخل الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل.
واستخدمت في تلك الحرب المدفعية وقوات الكوماندوز ضد المواقع الإسرائيلية شرق قناة السويس، وفي المقابل بدأت إسرائيل في بناء خط بارليف لمنع القوات المصرية من عبور القناة.
بالإضافة إلى تكثيف الهجمات الجوية على المواقع المدنية المصرية.