في حين يرى البعض الآخر أن القرار لم يقدم جديدا طالما أبقت الحكومة على سياستها الحالية، في حوار "سبوتنيك" مع الخبير الاقتصادي مختار بن حفصة، عضو شبكة "أتاك attack" واللجنة الدولية لإلغاء الديون غير الشرعية، وعضو التنسيقية الأفريقية لشبكة إلغاء الديون غير الشرعية، يوازن بن حفصة بين الرأيين ويكشف أسباب إقالة العياري، وتداعياتها على الوضع الاقتصادي في تونس خلال الأيام المقبلة.
ما أسباب إقالة محافظ البنك المركزي في هذا التوقيت؟
قرار البرلمان الأوروبي بإدراج تونس على القائمة السوداء للدول، التي تمول الإرهاب هو القطرة التي أفاضت الكأس، حيث وجدته الحكومة فرصة لعزل العياري، وإنقاذ صورتها بجعله المسؤول الوحيد على الفشل.
ولكن السبب الحقيقي للقرار هو أن العياري تم تعيينه من حكومة النهضة الإسلامية وحلفائها سنة 2012، وقد شارك إلى جانب وزير المالية التنسيق والتفاوض مع صندوق النقد منذ ذلك التاريخ، لتطبيق برنامج تكييف جديد مقابل القروض، التي تحصلت عليها حكومات تونس، منذ ذلك التاريخ.
ويتردد أن رئيس الحكومة الحالي (حزب نداء تونس) أراد البدء في إجراءات عزل المحافظ منذ عدة أشهر، غير أن حركة النهضة (الإسلاميون) رفضت ذلك، وضغطت من أجل بقائه على رأس هذه المؤسسة الهامة.
وتم التراجع عن الرغبة بحكم التوافق، الذي يجمع الحزبين في الحكم حتى جاء قرار البرلمان الأوروبي، فجدد رئيس الحكومة التفكير في القرار بوصفه ترميم لصورة الحكومة.
وهل تتوقع أن توافق الأغلبية على إقالة العياري؟
أعتقد أن تتم المصادقة غدا الخميس على عزله، لأن الأغلبية في البرلمان بيد الحليفين: النهضة ونداء تونس (أغلبهم من النظام القديم)، ويحصرون المسؤولية في شخص المحافظ، محاولين تجاوز المأزق الحالي.
نسير قدما نحو الانفجار الكبير، فرأيي أن المحافظ وفريقه يتحملون المسؤولية لا محالة عن التصنيف، نظرا لدخول أموال طائلة إلى البلاد من خلاله كسلطة مالية، وصرفها لجمعيات مشبوهة تحت عنوان إسهامات الجمعيات الخيرية، وتسفير الشباب إلى سوريا والعراق إضافة إلى تمويل حملات انتخابية في ظل غياب التدقيق والرقابة والشفافية حول هذه الملفات، و الحكومة بدورها تتحمل المسؤولية أيضا، خاصة وهي التي تزعم مقاومة الفساد وتبييض الاموال ومحاربة الفساد.
ولكن يجب التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي اتخذ هذا القرار من باب الابتزاز والضغط، حتى تخضع الحكومة التونسية لتوصياته، ورغباته وخصوصا المصادقة على بدء التفاوض في اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق.
ورغم أن الحكومة لا ترفض ذلك، إلا أنها واقعة تحت ضغط سياسي وشعبي داخلي وتحاول تمرير السياسات تدريجيا، وبالتالي تغيير المحافظ لن يغير من الأمر شيئا، طالما لم يتم تغيير السياسات وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وهل يستطيع محافظ البنك المركزي الجديد إخراج تونس من القائمة السوداء؟
هناك اقتراح رسمي من رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بتعيين مروان العباسي محافظا جديدا للبنك المركزي، وهو المدير السابق المسؤول عن سياسة البنك الدولي في ليبيا. وهو سليل المدرسة النيوليبرالية وله خبرات سابقة في المؤسسات المالية الدولية، ويتوقع الكثيرون أن تعينه جاء استجابة لتوصية من تلك المؤسسات. ولكن في النهاية الحكومة التونسية تعرف جيدا ماذا تفعل للخروج من القائمة السوداء.
وماذا يجب على الحكومة التونسية أن تفعل للخروج من القائمة؟
تونس ستخرج من القائمة السوداء للدول التي تمول الإرهاب، في يونيو/ حزيران المقبل، لكن الحكومة ستبقى في القائمة السوداء عند عدد كبير من الفئات الفقيرة والشعبية، لأن ما يعني الاتحاد الاوروبي هو أن تبقى تونس خاضعة لإرادته، لذلك يبتزها بمثل هذا التصنيف.
وسبق ووضع البرلمان الأوربي تونس منذ أكثر من سنة في قائمة الدول عالية المخاطر، وطلب جملة من الاجراءات أغلبها قانوني وتشريعي، تقريبا 19 طلبا.
ولكن الحكومة لم تتقدم في ذلك، متعللة بالمرحلة الانتقالية، ومنح الأولوية لمراجعة القوانين حتى تتلاءم مع الدستور. وحان الوقت الآن لتنفيذ الحكومة لتلك المطالب.
أجرت الحوار رنا ممدوح