هنا في هذه البيئة الريفيّة العذبة، حيث خضرة الأرض تعانق زرقة السماء وزرقة المتوسط، بدأت موهبة نسيم مبكرة منذ كان في الصف الثاني الابتدائي.
يقول نسيم: "في تلك الفترة كنت أنقل مواضيع رسوماتي من القصص والكتب المدرسية، ومن دون أي اهتمام أو متابعة بقيتُ على هذا الحال حتى دخولي المدرسة الصناعية اختصاص (تكييف وتبريد)، هناك تعلّمت الرسم الصناعي ومبادئ الرّسم ثلاثي الأبعاد، تلك الدراسة أعطتني الدقة في التفاصيل ومعرفة الأبعاد بشكل صحيح، حتى أصبحت الآن ومن النظر فقط أعرف الأبعاد المناسبة والصحيحة لرسوماتي".
مع بداية الأزمة السورية عام 2011، التحق نسيم بالجيش العربي السوري، وقاتل في عدّة مدن ومناطق، ليستقر به المطاف على جبهات مدينة حلب.
هناك عاد إلى هوايته المفضلة، حيث أصبحت أدوات الرسم البسيطة وبندقية الكلاشينكوف جزءا لا يتجزأ من حياته وكيانه.
ما بين المعركة والأخرى، وعلى السواتر الترابية الفاصلة بينه وبين الإرهابيين، كان نسيم يرسم ما يطلبه رفاقه من رسومات لهم ولأحبّتهم، بالإضافة إلى صور للأمكنة التي كان يحارب فيها.
هذه المرحلة كانت حاسمة في تقرير مصير نسيم ومستقبله، فالإصابة قوية والأضرار الناجمة عنها جعلت الجميع يتوقّع استحالة عودته للمشي مرة أخرى، فكيف باستعادة القدرة على الرسم، الموهبة الأحب على قلب نسيم وروحه. خلال تلك الفترة تملكته أحاسيس الحسرة والألم، فكيف يمكن أن يقضي ما تبقى من عمره عاجزاً وغير قادر على استعمال القلم وترجمة شغفه وعشقه للرسم.
يقول نسيم: "قبل أن ألتحق بالجيش وأثناء دراستي، كنت أعمل في البناء وصب الإسمنت، الأمر الذي منحني بنية جسدية قوية ومتماسكة، ساعدتني وخلال عام على الوقوف والسير على قدمي مرة أخرى. بعدها حاولت الرسم بيدي اليمنى (المصابة)، لكن كان الأمر صعبا في ظل الضرر الكبير في الأعصاب، وعند استحالة العودة إلى الرسم بيدي اليمنى قررت المحاولة باليسرى. كان الأمر صعباً في البداية، لكن وبعد أربع أو خمس محاولات بدأت يدي الاعتياد على القلم، وأصبحت مع كل لوحة جديدة أكثر دقة وقدرة على نقل تصوراتي وأفكاري إلى الورق، حتى وصلت اليوم إلى مرحلة من الدقة تفوق ما كنت أرسمه بيدي اليمنى".
يجيد نسيم رسم الوجوه (البروتريهات)، ويستهويه الغوص في تفاصيلها وأعماقها، كما تستهويه وجوه الشيوخ وتجاعيدها العميقة.
وعن لوحة السفير الدكتور بشار الجعفري يتحدث نسيم: "منذ فترة كنت أتابع كلمة لمندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، أعجبتني كلماته واستهزاؤه بمندوبي دول العدوان على سوريا. قررت يومها أن أرسم هذه الشخصية الرائعة صاحبة المواقف الوطنية العظيمة، وحين الانتهاء منها كانت من أجمل رسوماتي وأحبها على قلبي، ولشدة سعادتي تلقيت مؤخرا اتصالاً من سعادة السفير الجعفري الذي غمرني بمحبته وامتنانه كما وعدني بلقائه حين عودته إلى سوريا قريباً".
يرسم نسيم لوحاته بأدوات بسيطة وأشبه بالبدائية، مع انعدام القدرة المادية على شراء أدوات الرسم الاحترافية التي تمكنه من الانتقال بموهبته إلى صعيد الرسم بالألوان، وحتى الرسم ثلاثي الأبعاد الذي يجيده بشكل كبير. عصامية نسيم تمنعه من استخدام موهبته في تحصيل المال، فهو يقوم بالرسم لأصدقائه وإهدائهم لوحاته الخاصة دون أي مقابل. فهو يرى سعادته في إعجاب الآخرين بلوحاته واقتنائهم لها.
بعيد لقائنا به، ولتقديره للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومواقفه الداعمة والمؤيدة لسوريا، قرر نسيم إهداءنا لوحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالفعل تمكن من إنهائها خلال يومين فقط.
مذهلون هم السوريون، رغم الحرب وويلاتها، إلا أنهم مصرّون على تخطي الصعاب وبذل العطاء وصولا إلى الإبداع…إنها ثقافة شعب… ثقافة حياة.