ويساعد موسم "ليالي المديح" الذي تحتضن العاصمة نواكشوط حاليا دورته الخامسة، على إحياء قيم الترابط والتسامح والتآخي بين فئات المجتمع الموريتاني الذي يعاني من الطبقية الاجتماعية وما خلفته على مدى قرون من الزمن، ولأن أغلب ممتهني هذا الفن هم من فئة العبيد السابقين فان ذلك يمنحهم قيمة اعتبارية في مجتمع كان إلى وقت قريب يعتبرهم عبيدا ويجبرهم على أعمال السخرة.
وفي السهرات المديحية يتصدر "المدّاح الأفريقي" ذو البشرة السمراء المشهد ويطلق العنان لما ستجود به قريحته وموهبته الموسيقية، فيما يجلس الباقون ممن يعتبرهم الهرم الاجتماعي أعلى منزلة من المدّاح، مستمتعين بكل قصيدة وأغنية يجود بها.
هذا الانقلاب في الأدوار بين من يتسيّد المنصات ومن يجلس في صفوف الجماهير، أكسب المدّاح شرعية اجتماعية وثقافية، وشجّعه على الثورة على الواقع والتعبير عن آلامه وكل معاناته من العبودية والاستغلال، وكأنه يثور بقصائده وأغانيه على كل القيم والأعراف الاجتماعية التي تمنع العبيد السابقين من العيش كأسياد في المجتمع.
ويقول المتخصص في غناء المديح النبوي محمود ولد بركه "فن المديح يساعد على إعادة اللحمة الاجتماعية وإشاعة قيم المحبة والوحدة والتضامن… فهو يأسر الجمهور ويمرّر رسائل تدعو الى تعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ دعائم الوحدة".
ويضيف في تصريحه لوكالة "سبوتنيك"، "المدّاحون في موريتانيا يملكون حناجر غنائية مميزة بفضل جذورهم الأفريقية، ويستغلون الفرصة التي تتاح لهم في شهر رمضان للتعبير عن موهبتهم في الغناء وجذب الجمهور إلى حفلاتهم وتكريس قيم المحبة والإخاء في المجتمع".
ويدعو إلى حماية هذا التراث الفني والروحي وتسليط الضوء على أهميته في المهرجانات الدولية وخلفيته التاريخية، ويؤكد أن غياب الدعم الرسمي لمهرجانات التراث في موريتانيا يجعل الفنون التراثية مهددة بالاندثار.