"سبوتنيك" التقت العديد من أهالي الرقة ممن عانوا خلال ولاية "جبهة النصرة" (المحظور في روسيا) على مدينتهم، وأوضحوا أن الإرهابيين استولوا مع دخولهم المدينة ونهبوا المشافي والمدارس والمؤسسات العامة والدوائر الرسمية والخاصة، وسطوا على المصارف، وأحرقوا الكنائس، ومارسوا الخطف وطلب الفدية، وشكلوا محاكم شرعية، واغتالوا كل من خالفهم الرأي، وخلال العام الأول فقط من سيطرتها على المدينة، قتلت "النصرة" أكثر من 3 آلاف مواطن.
وفي عام 2014 اتسع نفوذ "داعش" الارهابي (المحظور في روسيا) في الرقة على حساب حلفائه، وفرض قوانينه على سكان المدينة الذين وقعوا ضحية لممارسات التنظيمين الإرهابيين الإجرامية في آن معا، وبحلول يناير/كانون الثاني 2014، بسط "داعش" سيطرته الكاملة على الرقة.
يقول الدكتور زاهر حجو مدير عام هيئة الطب الشرعي في سوريا لوكالة "سبوتنيك" إن "تنظيم داعش أعدم عشرات الآلاف من أهالي الرقة مستخدما أساليب وحشية في القتل، فقد مارس أساليب الإعدام من خلال التعذيب الوحشي حتى الموت، والرمي بالرصاص المتفجر، والصلب، والقصاص، "أي تقطيع الأيدي والأرجل والرؤوس بتهمة الكفر".
ويضيف الدكتور حجو: نفذ تنظيم داعش مئات عمليات الإعدام بضرب مسمار كبير في القلب أو العين بواسطة مطرقة، كما أعدم العشرات حرقا، أو سلقا بالماء المغلي، أو قليا بالزيت، كما ألقى العشرات من أبنية مرتفعة، كما كان التنظيم يعدم يوميا ما لا يقل عن 10 أشخاص بقطع رؤوسهم وتعليقها على أسوار "دوار النعيم" عدا عن عمليات القصاص التي كانت تنفذ في السجون السرية "ولا تسلم الجثث لذويها إلا في حالات نادرة وشريطة عدم دفنها في مقابر المسلمين"، "وفي عيد الأضحى سنة 2016 قام عناصر من التنظيم بذبح 10 شبان من عشيرة العقيصات لم تتجاوز أعمارهم 20 عاما وتم تعليقهم في مسلخ للمواشي بعد سلخهم كالخراف.
مقابر جماعية وآلاف الجثث
لا يزال تراب الرقة يحتضن عشرات المقابر الجماعية وآلاف الجثث، بانتظار الكشف عليها والتعرف على هوية أصحابها ممن أعدمهم تنظيما النصرة وداعش.
ويتحدث الدكتور زاهر حجو في لقائه مع "سبوتنيك" عن معلومات مؤكدة بالغة الموثوقية، فيقول: "من هذه المقابر حفرة "الهوتة" وهي حفرة طبيعية بفتحة لا يتجاوز قطرها المترين تقع ببلدة سلوك شمالي الرقة، ويصل عمقها إلى مئات الأمتار، حولها تنظيم "داعش" إلى مقبرة جماعية ورمى فيها ما يزيد على 3000 جثة كما ألقى فيها الكثير من الأحياء بعضهم أطفال وبينهم عروس وعريس اعتقلا خلال حفل زفافهما".
ويضيف الدكتور حجو: في منطقة دبسي عفنان مقبرة جماعية دفن فيها 75 شخصا عام 2013 قتلهم إرهابي واحد، وهناك مقابر جماعية في منطقة المناخر في ناحية الكرامة شرقي المحافظة حيث أعدم 1907 مواطنين بين نهاية عام 2014 وبداية عام 2016 تم دفنهم جميعا في هذه المنطقة، وهناك مقابر جماعية بمنطقة الفرقة 17 ومنها ما هو موجود كأكوام عظام فوق سطح الأرض لأكثر من 100 ضحية من أصل 600 مدني بينهم نساء سيقوا حفاة عراة على ضفاف نهر الفرات شرقي الجسر الجديد، وتم إعدامهم رميا بالرصاص وتركت جثثهم في العراء لتنهشها الحيوانات، وبالرغم من أن الأهالي سحبوا الكثير من هذه الجثث ودفنوها، فلا يزال هناك عظام لنحو مئة جثة في العراء.
ويتابع الدكتور حجو: في منطقة الجرنية وما حولها في ريف الرقة الشمالي توجد مقابر جماعية تضم جثث 754 شخصا تم إعدامهم في هذه المنطقة، وبالقرب من مدينة معدان حيث كان أكبر سجون التنظيم الإرهابي، أعدم خلال عامي 2015 —2016 نحو 555 شخصا من نزلاء السجن وتم دفنهم ضمن مقابر جماعية في المكان نفسه.
كما شن تنظيم "داعش" ما يشبه "الغزوة" على عشيرتي الشعيطات والعقيصات و نهب ممتلكات الأهالي وأموالهم وهجر المواطنين بعد إعدام أكثر من 200 شخص ما بين دير الزور والرقة حيث تم دفنهم في مقابر جماعية في المنطقة.
ويضيف الدكتور حجو: هناك أيضا مقابر جماعية في منطقة عين عيسى شمالي الرقة لم يعرف عدد القتلى فيها ولكن يقدر بالمئات، وهناك مقبرة في تل البيعة وهي مقبرة قديمة لدفن المتوفين بشكل طبيعي، ولكن تم دفن القتلى فيها بالمئات، كما تضم مقبرة السباهية غرب الرقة مئات الجثث ممن أعدمهم تنظيم داعش، في حين تضم منطقة مكبات القمامة جنوبي الرقة في المنطقة الجبلية مقابر جماعية فيها عدد لا يحصى من جثث الضحايا، وفي مدينة الطبقة غرب الرقة بحوالى 60 كلم هناك جثث لأكثر من 100 شخص بعضهم دفن بمقابر جماعية وبعضهم ترك في العراء من دون دفن، ولا تزال بقايا عظامهم في المكان، أما ريف الرقة الجنوبي الشرقي وتحديدا منطقتا "رطلة والعكيرشي" فهناك تم تنفيذ إعدامات جماعية بحق مئات الأطفال الذين رفضوا حمل السلاح والمشاركة في معارك 2015 دفنوا في مقابر جماعية في المنطقة إلى جانب مواطنين بالغين تم إعدامهم أيضا.
ويختم الدكتور حجو بالقول: إضافة إلى هذه المقابر، هناك عشرات المقابر التي لم تتم معرفة أماكنها بعد، ولكن تبقى المقبرة الجماعية الأكبر في الرقة هي الأنقاض التي خلفها القصف الأمريكي على المدينة بحجة القضاء على تنظيم داعش وقد أدى هذا القصف المدمر إلى دفن آلاف المدنيين تحت الأنقاض وقد تم انتشال نحو ألفي جثة حتى الآن، إلا أن هذا الرقم لا يشكل سوى جزء بسيط من عدد المدفونين تحت أنقاض الرقة.
قصة الرقة التي انتهت بدأت مع "جبهة النصرة" و"داعش"، استكملت فصولها الدامية مع اجتياح التحالف الأمريكي للمدينة، وهو ما ستقوم "سبوتنيك" بنشر تحقيق خاص عن جرائمه خلال الأيام القادمة.