"سبوتنيك" طرحت السؤال، ثم قررت أن تخوض التجربة، لذلك دخلت الأنفاق التي تشرف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على تنفيذها، بأيدي 4 شركات وطنية مصرية. لم نكتف فقط بالاطلاع على المشروع الضخم، في التكلفة والناتج، ولكن قررنا أن تكون تجربتنا كاملة شاملة، نتعرف فيها على آمال وطموحات المهندسين والعمال، ونشاهد فيها ما يتم إنجازه، وكذلك التيقن من كل ما يقال بشأن التفوق العلمي والتكنولوجي هناك.
على مدخل النفق الأول، تطالعك لافتة كبيرة، مكتوب عليها "تحيا مصر.. مدخل النفق الشمالي".. وقبله بأمتار، غرف معدنية مخصصة لفرق المهندسين والعمال، الذين التقت "سبوتنيك" معهم، ليقول كبيرهم، المهندس هيثم جاويش: "لقد تمكنا من تحقيق الإنجاز الكبير، انتهى الحفر تماما، والتشطيبات أيضا أنهينا 85 % منها حتى الآن".
يضيف جاويش، المشرف على أعمال شركة "كونكورد" المنفذة لمشروع النفق الشمالي، إن ما تبقى الأن من أعمال التشطيبات هو 15 % فقط، "نحن نسير وفق جدول زمني، على الرغم من أن هذا المشروع، بالنسبة للتنفيذات العالمية، يعد إنجازا غير مسبوق"، مؤكدا: "حصلنا على رقم قياسي عالمي، لأننا تمكنا من إنجاز 5.8 كيلومترات في زمن قياسي، بالنسبة للإنجاز على المدى اليومي والأسبوعي والشهري".
وسط العمال والمهندسين، ينتشر ذوي الخوذات الحمراء، هؤلاء المسؤولون عن السلامة والحماية، قبل أي خطوة يحرص الجميع على سلامة العمال والمكان "قبل وأثناء وبعد".. هكذا قال المهندس خالد، الذي أكد أن وظيفتهم هي تأمين بيئة عمل آمنة تماما، حرصا على حياة العمال، وحرصا أيضا على أن يكون المكان خاليا من أي ملوثات، قد تضر بالعمل.
ويوضح المهندس الذي يعمل تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أن هذا النوع من العمل يتم تحت إشراف وتعاون مع شؤون البيئة والضمان الاجتماعي، وكل عملهم يندرج تحت طائلة قانون العمل المصري، لافتا إلى أن هناك حرص شديد على السلامة والحماية والأمان، فهذه العوامل هي محور العمل بالنسبة له، ولمن يعملون معه.
معدات خفيفة وأخرى ثقيلة، ستقابلك عند فتحة النفق الشمالي، بعدها يدخل إلى المكان حاملا مواد البناء، وبعضها يغادر النفق فارغا بعدما ألقى حمولته بالداخل، ووسط هذا وذاك، ترتفع "السقالات" حاملة العمال والمهندسين معلقين في الهواء، يمارسون عملهم كما لو كانوا واقفين على الأرض في أمان تام، نوجه لهم الكاميرا، فيبتسم العامل، ثم ينهمك مرة أخرى في عمله، لينسى أنه كان بطل الصورة منذ ثوان معدودة.
على بعد 100 متر داخل النفق، توجد مروحة عملاقة، مهمتها هي نقل الهواء من خارج النفق إلى داخله، لإتاحة الفرصة للعمال الذين يقومون بواجبهم على بعد مئات الأمتار بالداخل أن يتنفسوا، ويوضح المهندس "هاني عساف" لـ"سبوتنيك"، أن هذه المروحة غير العادية، هي واحدة من 6 مخصصة لهذا الغرض.
ويوضح المهندس هاني، أن أنظمة التهوية داخل النفق متعددة، منها ما هو تحت الأرض، ومنها ما هو فوق الأرض مثل هذه المراوح، ومنها النظام المعتمد والدائم الذي سيبقى بعد انتهاء أعمال التشطيبات، وهو الموجود في سقف النفق، مضيفا "بعد الانتهاء من عملنا، سنسحب النظامين الأولين للتهوية، ونُبقي على الأخير فهو المعتمد دوليا، وقادر على أداء المهمة جيدا بعد افتتاح النفق".
لا يتحدث العمال كثيرا، حتى هؤلاء الذين أجرينا معهم أحاديث، كانت خاطفة، فهم حريصون تماما على أن يؤدي كل منهم المهمة الموكلة إليه بالكامل، "إذا تأخر أحدنا في مهمته، انتظره الباقون، لأن أعمالنا جميعا ترتبط بعضها ببعض، وانتظار الجميع للفرد يعني تأخر التسليم في وقته المحدد، وهو أمر لا نقبله أبدا، فهذا قد نعتبره طعنا في كرامتنا"، حسبما يقول عادل، أحد العمال.
يضيف زميله محمد، الذي اشتبك في الحديث لمنح زميله الفرصة للعودة إلى العمل "لن نتحدث اليوم عما نفعله، فكل منا له دور صغير يستطيع الحديث عنه للجميع، ولكن الأفضل أن تنتظروا حديث سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، فهو الذي سيعلن عن هذا انتهاء هذا الإنجاز بنفسه، وعندها سيعرف العالم كله عظمة ما فعلناه، فالحديث عن حلم كبير أفضل من الحديث عن دور صغير"، قالها وعاد لحمل الحديد من الأرض.
داخل النفق، يوجد كل 1000 متر، فتحات على الجانبين، الهدف المباشر منها هو تأمين السلامة والانسيابية في المرور داخل النفق، حيث تكفل هذه الفتحات سرعة في التحرك لرفع أي عوائق حال جنوح أي سيارة أو وقوع أي حوادث داخل النفق، ليتأكد الجميع أن النفق لن يتوقف عن العمل ولن تتعطل حركة المرور فيه، حتى إذا وقعت حوادث.
طوال الطريق حتى منتصف النفق، الذي يبلغ طوله 5800 مترا، أي ما يقارب 6 كيلومترات، تتزايد أعداد العمال يرتدون خوذاتهم الصفراء، وتتزايد كذلك أعداد المعدات الثقيلة التي تؤدي أعمالا يشرف عليها أعداد كبيرة من المهندسين أصحاب الخوذات البيضاء، وبين كل هؤلاء يتنقل أصحاب الخوذات الحمراء ليتأكدوا من أن الجميع بخير، وأن العمل يسير وفق معايير الأمان والسلامة.
عند منتصف النفق، وبالتحديد على عمق 2420 مترا، تكشَّف أن تحت النفق نفق آخر، يكفل له الحماية والحرية في الحركة، وكذلك مزيدا من التهوية، وهناك تتواصل أعمال التشطيب، حيث كلما توغلت أكثر في الداخل، كلما اكتشفت أن المشروع ما زال يحتاج إلى مزيد من الجهد في التشطيبات، على الرغم من انتهاء أعمال الحفر بالكامل.
عند الكيلو الرابع داخل النفق، تجري أعمال الحفر في نفق جانبي، الهدف منه ربط النفق الشمالي بالجنوبي، اعتقدنا في البداية أن الحفر يجري داخل "صخور جيرية"، بعدما شاهدنا الماكينات تحفر داخل جدران بيضاء، ولكن المهندس هيثم جاويش كشف أن هذه الحوائط ليست جيرية، ولكنها رمال مجمدة.
ويكشف مدير المشروع، أن أعمال الحفر لربط النفقين، تتم في رمال مشبعة بالمياه، لذلك بحث المهندسون عن وسيلة للحفر بشكل آمن، دون تعريض النفق لخطر انهيار الرمال، وبالتالي إغراق الأنفاق بمياة قناة السويس التي تجري فوقه، وتوصلوا إلى تجميد الرمال، بحيث يتم الحفر بهدوء في الرمال المتجمدة، وهو ما يكفل حماية وآمان للنفق كله.
عند هذا الحد توقفنا عن التوغل داخل النفق، بعدما وصلنا لآخر مدى لم يصله صحفيون من قبل، ولكن قبل مغادرته كان علينا أن نتعرف على الوسائل الأمنية المنتظرة، لنتوصل إلى أن النفق مصمم لضمان أعلى مستوى في العالم من الأمن، حيث يحتوي على رادارات حديثة لكشف السيارات وتصوير السائق، واكتشاف الأسلحة والمعادن الممنوعة، وكذلك أجهزة لكشف الخوف والتوتر الشديدين، وهي كلها أمور تصب لصالح الأمن.
مشروع الأنفاق أسفل قناة السويس، بشمال الإسماعيلية وجنوب بورسعيد، يعتبره الخبراء خطوة نحو تكوين شرايين حياة جديدة لتسهيل حركة النقل والتجارة من وإلى سيناء، حيث تنفذ هذه الأنفاق 4 شركات وطنية هى "بتروجت وكونكورد" أنفاق شمال الإسماعيلية، و"المقاولون العرب وأوراسكوم" بأنفاق جنوب بورسعيد.
وتمكنت القوات المسلحة المصرية، ممثلة في الهيئة الهندسية، في تدبير ماكينات حفر الأنفاق لتكون مملوكة للجيش، بهدف ترشيد تكلفة التنفيذ، حيث قامت الهيئة الهندسية بدراسة مواصفات جميع ماكينات حفر الأنفاق المستخدمة عالميا، حتى وقع الاختيار على الشركة الألمانية (هنركرشت) وتم مفاوضة الشركة لتخفيض التكلفة بنسبة 25%، وتعاقدت معها على تصنيع وتوريد 4 ماكينات حفر كاملة بالمعدات المساعدة وتدريب نحو 40 مهندسا، والمعاونة في الإشراف على أعمال الحفر.
وتسلمت الشركات الوطنية الأربعة مواقع العمل بنهاية فبراير/شباط 2015، ولكن الماكينات تم الانتهاء من تسليمها بالكامل في مارس/آذار 2016، حيث تم تجميعها بمواقع العمل بأيدي المهندسين والفنيين والعمال المصريين بإشراف الشركة الألمانية المسئولة عن عملية تركيب وقيادة الماكينات أثناء أعمال الحفر لمسافة 100 متر، حيث يؤكد المهندس "هيثم جاويش" أنه كان أحد المشرفين على أعمال تركيب الماكينات.
بدأت أعمال الحفر في الأنفاق في يونيو/حزيران 2016، باستخدام الماكينات بسواعد مصرية 100%، حيث يؤكد المهندسون المشرفون على أعمال شركة كونكورد، أن الشركة منذ البداية حرصت على أن تكون نسبة العمالة من مدن القناة 60 %، ومنذ بدء أعمال الحفر تتزايد أعداد العمال، بينما لم تقم الشركة بتسريح أي منهم، نتيجة اجتهاد الجميع.
ويتكون المشروع في شمال الإسماعيلية من نفقي سيارات، كل نفق يخدم اتجاها مروريا واحدا، تمر أسفل قناة السويس، عند الكيلو 73.250، بإجمالي طول النفق الواحد 5820 مترا، بينما تم التعاقد مع تحالف شركتي "أوراسكوم — المقاولون العرب" لتنفيذ نفقي سيارات (كل نفق يخدم اتجاها مروريا واحدا) تمر أسفل قناة السويس بجنوب بورسعيد عند علامة الكيلو 19.150، ويشمل إجمالي طول النفق الواحد 3920 مترا، ويتم ربط النفقين بمجموعة من الممرات العرضية المتكررة.