تدق أجراس ساعة "باب الفرج" بعد توقفها لعقود من الزمن، وتتدافع عقاربها للحاق بركب الوقت الضائع من مدينة أنهكتها الحروب وتعافت من جديد، ومع دقاتها تترك لأهل المدينة القديمة أن ينفضوا الغبار عن معارك السنوات الخمس الضروس، وليعيدوا إعمار مدينتهم كما كانت، لتلامس (المسننات) الآلية بعضها بعضاً بدقة متناهية كمعمل أو مصنع أو ورشة صغيرة من ورشات المدينة الشهيرة بصناعتها، نعم إنه معمل لإنتاج الزمن بعد طول توقف.
لديه الشغف مذ صغره لامتلاك مفاتيح لعبة الوقت، وليفوز " أحمد أنيس " الساعاتي الحلبي على الوقت هذه المرة بعد أشهر مضنيات من العمل والمجهود المميز لإصلاح ساعة حلب الشهيرة بساعة (باب الفرج) وهي الأغلى على قلوب السوريين بمدينة الشمال، بإشراف من مبادرة (أهالي حلب) التي تكفلت بكافة نفقات إصلاحها.
المهندس "أنيس" الساعاتي الذي يعشق الميكانيك ويهوى الساعات منذ صغره، تحول حبه للساعات الكبيرة لشغف جميل أعاد للكثير من الساعات السورية دقاتها فهو آخر فرسان هذا المجال في سوريا بعدما هاجر أقرانه من المهندسين المتخصصين في هذا المجال، والذين لم يكن عددهم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
ليست ساعة باب الفرج سوى إنجاز أخير له، فقبلها أعاد النبض للعديد من الساعات السورية الكبيرة في "محطة الحجاز"، و"متحف القدم" بدمشق، وساعة "دير صيدنايا" بريف دمشق، وساعة الحديقة العامة بحلب".
حبه للساعات الكبيرة لم يتوقف عند هذا الحد بل فكر جدياً بتصنيع ساعات كبيرة كتحدٍ أكبر من إصلاحها، ليصبح للوقت (العقارب) ودقات الساعات غرام من نوع آخر لا ينتهي لشاب يهوى الزمن وليصنع ساعات كبيرة بحسب قوله: "منها ساعة كبيرة في فندق (داما روز) وأخرى في ساحة مدينة "سلقين" إضافة إلى تركيب ساعات كبيرة جديدة في "تل منين" و"محطة القدم" وكذلك المشاركة بمعارض عديدة، وتركيب ساعات كبيرة فيها".
ويضيف: "رفضت العروض التي تقدمت لي للعمل خارج البلاد وفضلت البقاء والعمل في بلدي لأعيد ترتيب ورشتي الخاصة المتخصصة بالآلات الصناعية الكبيرة في العرقوب ولأعود للعمل بكل همة ونشاط".
أجراس الساعة تقرع ومع دقات عقاربها تُسمع كلحن موسيقي شجي لتبهج قلوب أهالي حلب وتثلج صدورهم، صوت الأجراس المنبعثة منها مع دقاتها دفعت الكثير من العائلات لالتقاط الصور بجانب ساعة مدينتهم الشهيرة، وليبثوا مقاطع مصورة لصفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها الساعة الخالدة في ذاكرتهم، ومعلم من معالم مدينتهم التي لا تموت.
