ما يفعله "عجوز أوروبا" بعدما خرج من الاتحاد الأوربي وأصبح على هامش الاقتصاد الغربي هو الخروج من الهروب من أوربا القديمة والعودة للشرق الأوسط ليكون مقرا لأحلامه وبناء نفوذه واقتصاده الجديد.
الحكاية بدأت عندما كان الملك عبد العزيز — رحمه الله — يؤسس لدولته الناشئة التي حرص بعد انتهاء معارك التأسيس على البحث عن شيء يقيل به جوع الناس، وحياتهم القاسية وشديد فقرهم، التفت إلى البريطانيين الذين يديرون البحرين والكويت وبقية مشيخات الخليج إضافة إلى إيران والعراق طالبا للمساعدة، بعدما أثار انتباهه ظهور البترول في تلك المحميات.
فاتح المؤسس الإنجليز في إمكانية مساعدته بالبحث عن النفط، ألا أن الثعلب الذي علم بوجوده كان يخطط لأمر أخر ونفى للملك إمكانية استخراج "الذهب الأسود"، لقد كانت مفاجأة غير سارة فالسعودية الجديدة في أمس الحاجة للأموال لتتمكن من بناء مشروعها التنموي.
بعد أشهر طلب "الملك" من الحكومة البريطانية قرضا عاجلا إثر تسبب الحرب العالمية في نقص الموارد، اعتذر الإنجليز بسبب الأوضاع الاقتصادية وتكاليف الحرب، أشهر أخرى ويطلب المندوب السامي البريطاني في العراق زيارة الملك عبد العزيز عارضا عليه استئجار المنطقة الشرقية من بلاده لمدة 99 عاما أسوة بمكاو وهونج كونج الصينية، ولتكون المورد الذي يساعد الملك في إيجاد مصادر مالية ثابتة.
طلب الملك من مستشاريه تقديم الرأي فوافقوا مباشرة واعتبروها فرصة لا تعوض لإنقاذ البلاد، إلا أن الملك الداهية لم يفته كيف أن الإنجليز اعتذروا عن إقراضه من قبل ثم يأتون بعدها عارضين عليه استئجار أراضيه، رفض العرض والتفت نحو مستشاره حافظ وهبة طالبا منه البحث عن جيولوجي غير بريطاني يساعدهم في استكشاف البترول.
تذكر وهبة أن له صديقا أمريكيا سبق أن أهدى له خيلا عربية، طلب من صديقه الأمريكي مساعدته في الوصول إلى جيولوجي يساهم في اكتشاف المياه ولم يخبره بالسر خشية تسرب المعلومة للإنجليز.
استطاع "الأمريكي" اكتشاف النفط بعد معاناة وإصرار كبيرين، كان السر الكبير الذي حاول الإنجليز إخفاءه للاستئثار به، لتتولى فيما بعد الشركات الأمريكية إنتاجه وتصديره بالمشاركة مع السعودية، وليبقى الثعلب الإنجليزي يتجرع حسراته.
"الثعلب" لم ينس لليوم أن ذاك البدوي الجالس على عرشه في صحراء نجد كان أذكى منه وأكثر دهاء.. راجعوا وصف وليم شكسبير المستشار العسكري الإنجليزي في البصرة عن "الملك عبد العزيز" في رسالة بعث بها للمندوب البريطاني في العراق بيرسي كوكس قال فيها "إن هذا الرجل — ابن سعود — هو زعيم بدوي داهية ومن الممكن أن يصعب علينا تحقيق مأربنا في المنطقة وبسط سيطرتنا على القبائل في الجزيرة".
مع تعثر البريطانيين وتراجع دورهم ووصولهم لحالة انسداد فعلية في اقتصادهم، وعجزهم عن إيجاد مخرج حتى بعد انسحابهم من الاتحاد الأوروبي، عادوا إلى أساليبهم القديمة محركين للسياسات وصانعين للعقبات في منطقة الشرق الأوسط.
إذا أردت أن تعرف من هو "اللاعب" الخفي الذي يدير خيوط المؤامرات من حول السعودية فستجدهم الإنجليز، هم من صنعوا مناكفات احدى "مشيخات الخليج" للمملكة طوال الستينات والسبعينات والثمانينات الميلادية، وبعد حرب الخليج استبدل البريطانيون تلك الدولة بقطر، وها هي الدوحة تؤدي دورها بسخاء.
لم يكتف الثعلب بل تحول إلى عرقلة المشروع السعودي في حماية فضائها السياسي والحيوي، مشكلا طوقا من الكمائن السياسية يبدأ من صعدة مرورا بمسقط والدوحة، ولا ينتهي عن ملاحقة الرياض في المؤسسات الدولية وصناعة الفخاخ وتشويه مشاريعها وربما إصدار القرارات الأمية التي أن لم تكن ضدها فهي لا تتبنى رؤيتها السياسية والأمنية.
لقد دفع "الثعلب" بعض الدول لفتح ملفات حدودية قديمة — كان المندوب البريطاني المحتل هو من وافق عليها– إنه الثعلب العجوز الذي لا ينبغي تركه في ركنه القصي يخطط، بل علينا التعامل معه والتفاهم مع طموحاته بنفس لغة الدهاء والمصالح.
محمد الساعد
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه