في هذا الجزء من الحوار يحدثنا الرجل عن مبادرة ربما تحقن الدماء، وتعيد السلام، هدفه الأساسي لم شمل الشعب اليمني وتوحيد صفه وإنهاء النزاع الدامي اليمني وبناء مستقبل مختلف للبلاد. في السطور القادمة يتحدث الصوفي، عضو الأمانة العامة لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، عن أبعاد وكواليس الإعداد للمبادرة، وإلى نص الحوار….
أعلنتم طرح مبادرة سياسية تجمع الفرقاء في اليمن وتنهي الأزمة الدائرة، فكيف نشأت المبادرة وما أبعادها؟
وقد نشأت المبادرة من قراءة معمقة لشخصية اليمن الثقافية والسياسية حيث وجدنا أن المحرك الرئيسي للتاريخ هو قوتين رئيسيتين ظلتا تهيمنان على اليمن لأجيال طويلة، وهما؛ الهاشميين بما لديهم من إرث ووجود اجتماعي ملموس، والقبائل باعتبارهم الأداة التي تُستخدم عادة لتأمين الدور التاريخي للهاشميين، أي الطبرستانيين، أقولها بدقة، هؤلاء الذين تمركزوا في شمال الشمال، وهم الوافدين مع الإمام الهادي.
وجدنا أن أي صراع سيُفضي بنا إلى خيارات عدمية، فانتصار أحد الأطراف يعتبر هزيمة للمشروع التاريخي اليمني وتطلعات الشعب، فقلنا لماذا لا نوفر طاقات الشعب ونمنحه أدوات التبصر ليصل إلى ما يمكن أن نسميه تسوية تاريخية مع معضلة هذه المشاريع التي تتناقض ومنطق التاريخ.
في ظل هذه المبادرة وفي ظل الوضع السياسي القائم، كيف ترى وضع جماعة أنصار الله "الحوثيين"؟
قرأنا التاريخ السياسي كله بعمق وتبصر، ورأينا أنه لا يمكن لأحد إلغاء 1500 من الحضور البيولوجي والثقافي للعناصر الوافدة من فارس برغبة أو جرة قلم.
بعد 1500 عام هم حقائق تاريخية، لقد أصبحوا جزء من الكيان الوطني، والفرق بيننا وبينهم هو الرؤية السياسية، وفكرة أن يتسيدوا الشعب اليمني وأن يكونوا حكاما عليه، فاليمن مصب للأعراق، وعلينا إيجاد نظام سياسي يستوعب كل هذه الأعراق. ولا يمكن أن تكون هذه المبادرة لجنس يمني خاص، وإلا نكون شوفينين الأمر الذي قد يتسبب في كارثة بدلا من إيجاد حل.
ما هي أبعاد وأسس المبادرة، ومالذي يمنحها أفضلية عن أي مبادرة أخرى لحل الأزمة؟
نقدم مبادرة تقوم على 6 مبادئ:
- استعادة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، فالدولة شيء وطني للجميع وهي كذلك مظلة قيمية وسياسية وقانونية للجميع.
- تكريس الشراكة الوطنية، فالجميع شركاء في السلطة بمعنى يجب توزيع السلطة أفقيا ورأسيا؛ رأسيا في ما يتعلق بالانتخاب، وأفقيا في ما يتعلق بوجود شكل من أشكال الدولة الاتحادية.
- ضمان أسس المساواة أمام القانون، بمعنى لا يمكن أن يكون اليمن دولة، إذا لم يكن أقوى من كل التفريعات القبلية والاجتماعية.
- تأطير العدالة في الثروة والفرص: الدولة يجب أن ترعى الجميع، وتحقق العدالة في توزيع الثروة، والعدالة في النظر إلى الأقاليم والتكوينات أو الكنتونات أيا كان شكلها سواء أقليات مضطهدة مثل ما يسمى في اليمن بالأقدام أو أقليات من مناطقة معينة لها خصوصية أو أي أقليات عرقية، كالفرس أو الأتراك أو غيرهم.
- تمتع اليمنيين جميعا بالحرية: الاعتقاد والتفكير في حدود إمكانياتهم دون البندقية، ودن قوة السلاح والإكراه.
- الأمن الوطني والإقليمي والدولي توفير الأمن للجميع، ليس لليمنيين فحسب، بل للمحيط الإقليمي، فلابد من توفير الأمن أيضا في ارتباط هذه الأقليات إقليميا، سواء المرتبطة بتركيا، أو إثيوبيا، أو بفارس، أو غيرها.
لا نريد مغادرة هذه الحرب إلى حرب أخرى، فمبادرتنا التي استطعنا أن نؤمن لها أكبر قاعدة من جميع الأطراف في اليمن، استطيع أن نقول هي المخرج للسلام، لأنها مشفوعة بتدابير وإجراءات تفصيلية، في كل مرحلة من المراحل.
ما تلك التدابير والإجراءات، ومن الذين يتبنون المبادرة؟
عملنا في صياغة هذه المبادرة باعتبارها إحدى مخرجات الحوار، وليس إلغاء له، لأن الحوثيين وغير هذه الأقليات التي ذكرناها كانت موجودة في الحوار، لكن أردنا اختزلها، فالأخوة أو المتحاربين في هذا الصراع لن ينسوا أنه لا توجد حروب على كتاب.
شكلنا في الرياض مجاميع، وفي صنعاء مجاميع، والآن في القاهرة لدينا مجاميع ملموسة ومؤثرة تضم كل الأحزاب والقوى السياسية، ولكننا في آخر اجتماع مع قادة الأحزاب والقوى السياسية طلب منا أن نضعها باعتبارنا "المؤتمر الشعبي"، فالحزب هو الإطار الذي يمكن أن يجمع عليها جميع الأطراف وهو مظلة في تفكيره وأساسياته إذ يشكل إطار وسطي ما يعني أنه آمن لجميع الأطراف، فنحن —حزب المؤتمر- موجودون بسبب تعارضتنا العميقة بين الأطراف.
الحزب هو حل وسط، فاستطعنا أن نضع ذلك بين الأطراف، فطلب منا تحديدا أقولها من حزب الإصلاح حتى لا يعتبر ذلك استدراجا للأحزاب الأخرى، لكن نحن للأسف الشديد، لا نمتلك الشروط التنظيمية اللازمة، فأنا — أحمد الصوفي — أحد قادة "المؤتمر" ولست المؤتمر ولا يمكنني على الإطلاق مثلي مثل صادق أمين أبو راس في صنعاء أنا أقول "أنا المؤتمر" إذ لا أملك في الوقت الحالي النصاب القانوني لأمثل المؤتمر.
في نفس الوقت معي سلطان البركاني، الأمين العام المساعد للحزب، رئيس الكتلة البرلمانية ويمثل نفسه فردا، وكذلك أحمد بن دغر، رئيس مجلس الوزراء اليمني السابق، وصادق أمين أبو راس، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام فى صنعاء، والقيادي المؤتمري رشاد العليمي وكل القيادات المؤتمرية. وكل من يمكنك أن تذكرهم.
قد لا نكون عناصر رئيسية، فالعناصر الرئيسية موجودة في كل اليمن، نحن دعاة فقط لا غير ومنابر وشخصيات معلومة، بينما الفاعلين الميدانيين، من كل أطياف المجتمع المدني، فلدينا في كل محافظة عناصر من الشباب ومن ذوي الخبرات والكهول الذين لديهم تجارب سياسية عريقة، فجمعنا بين حماس الشباب وخبرة الكبار.
حدثتنا عن التدابير والإجراءات، والذين يتبنون المبادرة معكم، فماذا عن الخطوة التالية في حياة هذه المبادرة؟
خطوتنا التالية عقد مؤتمرات على مستوى كل محافظة، وإعادة تكوين المؤتمر الشعبي العام، لأن برنامج الإصلاح لا يمكن أن يضلع به إلا المؤتمر الشعبي العام، فهو حزب وسطي، يتبنى دائما الرؤي السياسية والعسكرية والاقتصادية الوسطية، لذلك نحن بصدد عقد مؤتمرات شعبية على مستوى كل محافظة وكل مديرية. ونعتقد أن المؤتمر الشعبي العام هو طوق النجاة لجميع.
وفي هذه المرة سنعد لمؤتمر وطني شامل، لا يزاود بين جمهورية هشة وملكية هشة مهزومة، سنجعل الجميع منتصرين، لدينا مبادئ رئيسية ستطرح على المؤتمر العام.
هل تواصلتم مع الحوثي أو أفراد "أنصار الله" للمشاركة في المبادرة؟
نعم، بالطبع. بل بالعكس هناك قيادات حوثية تتبنى الفكرة، فالمبادئ السياسية هي الأفق لنا، لأن الحوثي لا يمكنه المراهنة على الحياة أو الموت.
الحوثيين موجودون في القاهرة، ونتواصل معاهم ونرسل معاهم رسائل واضحة بل نحن بممثلينا في صنعاء لدينا تكوين باسم التحالف الوطني للسلام والبناء، حتى لا ننبنى على هشاشة لقاء لن يكون نظير مؤتمر، ونشكل تحالف بين الملكيين والجمهوريين.
هل هناك آلية محددة، وما الذي قد تتميز به المبادرة عن غيرها من المبادرات الأخرى؟
أحد أهم عوامل فاعلية هذه المبادرة أنها تخرج اليمن من جميع حسابات الأطراف المتصارعة إقليميا، أي تعيد اليمنيين إلى بؤرة احتياجاتهم إلى العيش المشترك.
سيكون هناك ضمانات إقليمية ودولية، تجعل الجميع يأمن على تسيلم السلاح لفكرة الدولة الموعودة، تحت الرعاية الدولية، فضلا عن وجود رعاية إقليمية لتضمن أمن دول المحيط الإقليمي، كي لا تتحول التسوية لمكيدة تجير طرف من الأطراف على شيئ.
وهناك مسار لنمو ديمقراطية مثل رواندا ومثل ماليزيا، يقوم على البنية الاقتصادية وليس على حق العقائد، ما يعني أن اليمن سيكون فاعلا اقتصاديا في محيطه قبل أن يكون فاعل في تصدير إيديولوجيات وعقائد، سواء شيعية أو سنية. فضلا عن وجود إطار سياسي يقوم على أن تكون المواطنة وحقوقها أرضية التفاهم بين اليمنيين. وستجرم أي امتدادات إقليمية أو دعم أي كان نوعه.
كنت سكرتيرا لرئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" فما وضع الحزب الآن وكيف ترى مستقبله السياسي؟
الحزب يعيش مرحلة مخاض وطني مثله مثل باقي الأحزاب التي صدمت بالحرب، وصدمت بالمنفى والاستيلاء القهري على السلطة ووجود تيار داخل المحيط اليمني يدعو إلى الكهنوت وعودة الإمامة بأشكالها المقيتة.
وصدمت بأن القيم التي كنا نتغنى بها كعلم ونشيد وكل المسائل التي كنا نعتقد أننا نركن إليها أصبحت هشة وبالتالي أيضا الطرف الآخر يقاتل العالم ويواجه العالم يشعر أيضا الهشاشة.
أجرى الحوار: محمود جابر