وكشف الأكاديمي وخبير مياه بجامعة الملك فيصل سابقا الدكتور محمد بن حامد الغامدي، عن أن محطات تحلية المياه في السعودية، هي أكبر كذبة "تجرعناها في ظل الحقائق التي غيبتها وزارة البيئة والمياه والزراعة"، بحسب صحيفة "سبق" السعودية.
وأشار إلى دور الزراعات العشوائية وعدم مراعاة الوضع المائي في المملكة في استفحال مثل هذا "العطش" المحتمل، لافتا إلى أن السعودية هي "من أفقر 10 دول في المياه ويجب تقييد الزراعة وفق حسابات تراعي الاستدامة وتتجنب التهور والاندفاع، وحتى الآن لم نتعلم من تجربة زراعة القمح والشعير والأعلاف".
وردا على سؤال عن موعد مثل العطش المحتمل، قال إن "الزراعة استنزفت من المخزون الجوفي ما يزيد عن 650 مليار متر مكعب خلال العقود الثلاثة الماضية، وهذا يؤكد أن العطش مسألة وقت وعبر التاريخ كان نضوب المياه ظاهرة منسية لأنه يأتي ببطء، ولذلك لا يلاحظ بين الأجيال بشكل جدي إلى أن جاءت الطفرة عام 1975، فعجلت به كظاهرة عاشها وتسبب في تفاقمها جيل واحد".
ومن الأمثلة عن بوادر الجفاف وشح المياه، ضرب الغامدي مثالا بمنطقة الأحساء، وذلك "بصفتها هبة مياه العيون الفوارة في شبه الجزيرة العربية، مع بداية القرن الماضي 1900، تم رصد أكثر من 70 عينا في واحتها، كانت المياه تتدفق بشكل تلقائي، تزيد عن المليار متر مكعب سنويا، لكنه في عام 1954، تم رصد 57 عينا فوارة، وفي عام 1970، تم تأسيس مشروع الري والصرف على مياه ما تبقى من العيون الفوّارة، وكان عددها 7 عيون".
وتابع الخبير السعودي:
"لكن الفاجعة تحققت بشكل كامل مع نهاية عام 1989، حيث جفت جميع العيون الفوارة الشهيرة في الواحة، ومع بداية القرن الحالي عام 2000 أصبحت مياه هذه العيون على بعد أكثر من 20 مترا تحت سطح الأرض، وكان الماء يتدفق من فوهات العيون لارتفاع المترين فوق سطح الأرض، في بداية سبعينيات القرن الماضي".
وبشأن مؤشرات العطش في السعودية، رأى الغامدي أنها تتمثل في "جفاف جميع العيون الفوارة في مناطق الدرع العربي، وجفاف الأودية في هذه المناطق، وهدم النظم الزراعية والمائية التقليدية، وتصحر الجبال، وجرف تربتها النادرة، وموت شجر العرعر، أهم نباتات الغطاء النباتي في المملكة، والأمر يزداد سوءا في ظل التوسعات الزراعية العشوائية وفي ظل زيادة الطلب لتلبية الاحتياجات السكانية، فلقد انخفضت مناسيب المياه الجوفية في بعض المواقع إلى عمق يصل إلى 200 متر وكان الماء على بعد 10 أمتار، أيضا من مؤشرات العطش ونضوب المياه في عدد من الآبار في منطقة المخزون الاستراتيجي والتي قد تزيد عن نصف مليون بئر، بسبب سحب الماء دون حسيب أو رقيب. ومن مؤشرات العطش أيضا الاندفاع الزراعي وتوسعاته غير المدروسة".
أما محطات تحلية المياه، فقد وصفها الغامدي بأنها "مشروع اندفاع لا يختلف عن الاندفاع خلف زراعة القمح والشعير والأعلاف وبقية الزراعات العشوائية، بل تم الترويج لنا من قبل الوزارة بأن المياه الجوفية للزراعة والتحلية للاستهلاك البشري، وهذا فاقم من استنزاف المياه الجوفية على حساب المستقبل، وضاعف أيضا من تأسيس المزيد من محطات التحلية غير الاقتصادية".
وتساءل الخبير السعودي عن العجز المائي، قائلا:
"كيف نواجه المستقبل في ظل زيادة سنوية تبلغ حوالي 5 بالمئة على مياه الشرب، المملكة حاليا تنفق أكثر من 85 مليون ريال يوميا على تأمين مياه التحلية، وذلك لتغطية 60٪ من احتياجاتنا للشرب، وهي تنتج حوالي 1.5 مليار متر مكعب سنويا فقط، في حين تستهلك الأعلاف من مياه المخزون الإستراتيجي للمياه الجوفية أكثر من 17 مليار متر مكعب، فهل عجزت الأرض بالوفاء بكمية ما تنتجه التحلية بكل هذه التكلفة الفلكية".
ويرى محمد بن حامد الغامدي أن الحل الوحيد أمام العطش الذي يهدد المملكة العربية السعودية، يتمثل في مشروع وطني مهم وكبير لتغذية المياه الجوفية.
وقال: "لقد طرحت الحل الأمثل لمواجهة نضوب المياه، ولمواجهة العطش، وأيضا طرحت البديل عن التحلية، في مشروع لم يلتفت إليه أحد، بل تجاهله الجميع، مشروع قلت عنه وبكل ثقة، وما زلت أراه الحل الوحيد أمامنا لصالح البيئة، وصالح أجيالنا القادمة، ولإنقاذ المستقبل من العطش، إنه مشروع وطني مهم وكبير لتغذية المياه الجوفية، وبشكل طبيعي، مشروع لن يقل شأنا عن بناء سور الصين العظيم، مشروع سيضاهي معجزة بناء الأهرامات، مشروع سيكون من أعظم الإنجازات الإنسانية في شبه الجزيرة العربية، مشروع عطاؤه سرمدي لكل الأجيال".
وأردف: "إذا كانت الأهرامات مجرد مقابر ليس لها عطاء، وإذا كان عطاء سور الصين العظيم توقف، فإن مشروعي الطموح هو مشروع إنساني لضمان استدامة الأمن المائي والأمن الغذائي لكل أجيالنا القادمة وإلى الأبد بعون الله".