السجال بين الأطراف اللبنانية وتبادل الاتهامات بالعمالة للأطراف الخارجية ليس بالحدث الأول من نوعه في لبنان، حيث لكل فريق وخط سياسي لبناني رؤيا سياسية خاصة به فيما يتعلق بالمنطقة ولبنان.
الاشتباك السياسي الأخير بين محور المقاومة الذي يترأسه "حزب الله" اللبناني والمحور الغربي المتمثل باليمين المسيحي وأحزابه المتعاونة في مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية مع إسرائيل كان مباشرا للمرة الأولى بين الطرفين، خصوصا أن طرفي الاشتباك لا يجمعها تاريخ دامٍ خلال الحرب الأهلية اللبنانية نظرا لنشأة حزب الله المتأخرة في أوائل الثمانينيات القرن الماضي.
بدأ الاشتباك بين الطرفين خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري، حيث أشار نائب عن حزب "الكتائب اللبنانية" سامي الجميل أن "حزب الله" هو من هندس الحكومة وشكلها، فكان رد الحزب عبر نائبها نواف الموسوي الذي رد بقوة على الجميل، قائلا: "خير للرئيس أن يأتي ببندقية المقاومة من القدوم على دبابة إسرائيلية"، مشيرا إلى الرئيس اللبناني السابق بشير الجميل الذي تعاون مع الإسرائيليين خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
هذا الموضوع سرعان ما أثار بلبلة كبيرة وصل صداها إلى خارج المجلس النيابي، حيث نظمت وقفات واحتجاجات في مدن لبنانية اعتراضا على التعرض لرئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل، هذا الأمر استدعى استنفارا كبيرا بين المحورين في لبنان وكاد أن يشعل فتيل الشارع بحرب أهلية جديدة.
مبادرة حزب الله "الاعتذار" التاريخي
ساهم حزب الله كثيرا لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب السياسية اللبنانية سعيا لتشكيل الحكومة وإنقاذ البلاد من سقوط محتم، وإن كانت الرؤية السياسية والاستراتيجية بين "القوات اللبنانية" و"الكتائب" لا تتفق مع رؤية الحزب المقاوم لإسرائيل، إلا أن العلاقات والتنسيق غير المعلن والمناقشات حول تشكيل الحكومة كان له نتيجة إيجابية على إخماد أزمة جديدة في لبنان.
المعالجة خلال ساعات وتحية إلى نصر الله
وكشف الصحفي اللبناني المقرب من "حزب الله" في مقال له في جريدة "الجمهورية" اللبنانية أن الموسوي تلقى اتصالا من نائبة القوات اللبنانية ستريدا جعجع التي شجعت الموسوي على الاعتذار كبادرة حقيقية وموقف شجاع من نائب المقاومة.
وفي التفاصيل، وصلت رسالة نصية باللغة الإنجليزية للموسوي من ستريدا ورد فيها: "أحاول الاتصال بك. أنا ستريدا جعجع".
على الفور، اتصل الموسوي بجعجع وردت عليه، قائلة: "يا سيد… شوف وضع البلد قديش حساس، وأيّ شيء يصدر عنك الآن من باب تصحيح ما وقع، بيكبرك ولا يصغرك".
فأجاب الموسوي: "طمني بالك… سيكون هناك حل، ولو لم أتعرّض لـ"سفقة هوا" بعد خروجي من المجلس لكنت قد توليت بنفسي التوضيح".
وبعد تشاور الموسوي مع رئيس كتلة "حزب الله" النائب محمد رعد حول الصيغة التي يمكن اعتمادها لتصحيح ما بدر منه في المجلس النيابي، واقترح عليه نصا يتطابق إلى حد كبير مع ذاك الذي تلاه رعد لاحقا.
بعد اعتذار "حزب الله" في المجلس النيابي، اتصلت ستريدا بالموسوي وقالت له: "ما جرى يا سيد كبرك، وهو شهادة على نبلكم ومناقبيتكم. أنتم تخاصمون بشرف وتتفقون بشرف"، ثم أضافت قبل أن تقفل الخط: "سلملي على السيد نصرالله".
وبهذه المكالمة نجا لبنان من أزمة سياسية جديدة كانت أن تشعل حربا أهلية جديدة في بلد يعاني شعبه من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.