أحمد سلطاني، وهو من مواليد 1936، يشبّه "بروة القلم" بالفراشة أثناء سقوطها بألوانها وحوافها المزركشة، لذا خطر له أن يجمعها ويشكل منها لوحة، يقول في حديثه لـ "سبوتنيك": أحسست أنها تمتلك لغة تشبه اللغات الحية ولكن بشكل فني، إذ كيفما جُمعت تعطي حالة فنية مختلفة، كنت يومها طالبا أدرس الحقوق، ومع الزمن تطور الأمر ليقدم عام 1958 لوحة ناجحة على حد وصفه، وكانت للفنان دريد لحام.
وفي عام 1971 كان معرضه الأول في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، ضم حوالي 30 لوحة من بروات الأقلام، شهد إقبالاً كبيراً، هكذا تتالت المعارض والمشاركات منها في المركز الثقافي السوفييتي والألماني ونقابة المعلمين، حتى أنه باع نماذج من أعماله لمعجبين في عدة دول ولعدة جهات.
لوحات الفنان الثمانيني تنهل من الواقع، وهي تنتمي في معظمها إلى ألوان الحياة والزمن الجميل ما قبل الحرب على سوريا، إحدى لوحاته تجسد انتصار الجيش السوري في حرب تشرين عام 1973 ويظهر فيها إحدى دباباته وهي تحاذي فلاحا يزرع أرضه، في دلالة على إصرار الشعب السوري على الانتصار أمام ما واجهه من مصاعب خلال تاريخه المعاصر، فيما لوحة أخرى تمثل زوجته التي افتقدها مؤخرا بعد شراكة طويلة تساوي تطاول سني عمره.
يضيف سلطاني لـ سبوتنيك: تنوع ألوان الأقلام يعطي عمقاً ومدلولاً فنياً معيناً، ولتثبيتها أستخدم الغراء، لذا هي قادرة على مقاومة العوامل الجوية والزمن الطويل، لكن يجب أن تبقى بعيدة عن النار، هذا العمل متعة حقيقية بالنسبة لي، كنت أواظب عليه بالساعات وأسهر حتى الصباح لإكمال لوحاتي التي تناولت كل جوانب الحياة الاجتماعية ومختلف الشخصيات البارزة. ومن ذلك لوحة رسمها سلطاني لزوجته الراحلة، والتي وقفت إلى جانبه في مشواره الغني، وفي لوحة أخرى يستحضر ذكرياته عند "الكتّاب" حيث كان الأولاد يتعلمون القراءة والكتابة، فيها عناية بتفاصيل المكان والثياب ومعالم الوجوه، وغيرها تمثل مشهداً من حرب تشرين التحريرية التي شارك فيها، مستخدماً الياسمين الدمشقي رمزاً للسلام.
بموازاة ما سبق، أتقن سلطاني أيضاً تصليح الساعات، وهي المهنة التي مارسها ولا يزال ليكسب رزقه، ومع أنه لا يملك محلاً لكنه اكتسب عبر سنوات، سمعة طيبة بين الناس، ولا سيما بين الساعاتية، الذين لا زالوا يرسلون له ما يعجزون عن إصلاحه.
يقول سلطاني لـ "سبوتنيك" إن اهتمامه ودقته بالساعة، لا يقل عندما تكون رخيصة الثمن، وهو ما جعل زبائنه يرسلون ساعاتهم إلى منزله، عوضاً عن إرسالها لمحلات معروفة. ويضيف: لكل مرحلة في الحياة خصوصيتها وجماليتها، في التدريس كنت سعيداً جداً.
وحاولت أن أجمّل مدرستي "مدرسة كناكر الابتدائية الريفية" فزرعت حوالي 4 آلاف شجرة في محيطها، وفي الرسم بذلك كل ما أستطيع رغم أنني لم أستفد مادياً إلا ما ندر، علماً أن بعض اللوحات كانت تستغرق مني شهراً أو شهرين، فهي بحاجة لصبر ومثابرة، وفي تصليح الساعات كنت أميناً ودقيقاً وحريصاً على سمعتي.
أمضى الرجل وهو من مواليد 1936 حوالي 32 عاماً من حياته في ميدان التعليم، حيث بدأ معلماً في مدرسة ابتدائية ثم أصبح مديراً لمدرسة في "كناكر" بريف دمشق. خلال ذلك، كان سلطاني يمارس الرسم لأغراض تعليمية، فقدم لوحات جدارية زيتية وتماثيل إلى جانب رسومات لكتب التاريخ والمعجم المدرسي، لاحقاً كان من المؤسسين في مجال البرامج التعليمية التلفزيونية، عبر مشاركته في إعدادها وتقديمها وإخراجها عام 1960 تحت إشراف الإعلامي السوري ياسر المالح، والذي كان رئيساً لإدارة البرامج التعليمية في تلك المرحلة.