الاتحاد العام التونسي للشغل قاد اجتماعا مضيقا ليلة الخميس 23 مايو/أيار الجاري أعلن فيه عن تشكيل تنسيقية وطنية للتصدي لهذا الاتفاق ستجمع مختلف القوى الحية من المجتمع المدني ومختلف الأطراف الرافضة لاتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي.
أكد الأمين العام للمنظمة الشغيلة نور الدين الطبوبي، أن هذه الاتفاقية لن تمر وأن التبادل الحر يجب أن يتمحور حول تنقل الأشخاص وإلغاء التأشيرة والتمكن من التكنولوجيات بعيدا عن الانتفاع من الوهن والضعف الذي تعيشه الدولة التونسية في الوقت الراهن.
وأضاف الطبوبي أن الأمر يتعلق بملف شائك ويهم مناعة الاقتصاد الوطني والسيادة الوطنية واستقلالية القرار، معتبرا أن "المعركة هي معركة استحقاق وطني حقيقي من أجل المحافظة على مكاسب البلاد".
وندد بما وصفه سياسة التعتيم التي صاحبت مفاوضات مشروع الأليكا في ضل عدم تكافئ موازين القوى ومنتقدا غياب الصياغة التشاركية في بلورة مشروع الاتفاقية.
وأكد الطبوبي أن الاتحاد سيواصل الضغط الإيجابي، لمنع تمرير هذا الاتفاق دون تشريك القدرات العلمية والكفاءات التونسية المستقلة والتفاوض ندا للند من أجل الدفاع عن مصالح تونس.
بدوره، حذر المستشار الاقتصادي لاتحاد الشغل سامي العوادي من مغبة اتفاقية "الأليكا" خاصة على القطاع الفلاحي والأمن الغذائي الوطني. وأكد العوادي أن الاتفاقية لا تستجيب لشروط تكافؤ الفرص لأنه من غير المعقول الدخول في مقارنة بين الفلاحة التونسية وهيكلتها مع الفلاحة الأوروبية التي تعتمد وسائل تقنية متطورة.
من جانبه، عبر المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عن رفضه القطعي للتوقيع على اتفاقية الأليكا مع الاتحاد الأوروبي في صيغتها الحالية، مشددا على ضرورة العمل على تأهيل القطاع الفلاحي الذي يشكل أولوية وطنية لا يمكن ربطها بملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
واعتبر اتحاد الفلاحين أن تطبيق اتفاقية "الأليكا" سيسهم في تدهور وضعية صغار الفلاحين الذين يبلغ عددهم حوالي 250 ألف فلاح، والذين يعملون بوسائل عمل تقليدية وغير قادرين على توفير وسائل العمل العصرية.
وبدأت العديد من الأحزاب السياسية وخاصة منها المعارضة كالجبهة الشعبية وحركة الشعب والتيار الشعبي في حشد أنصارهم لتنظيم حراك شعبي للضغط على حكومة الشاهد لوقف مسار المفاوضات، انطلقت باجتماع للتيار الشعبي حول "اتفاقية الأليكا والتطبيع مع العدو"، دعا فيه إلى ضرورة إنارة الرأي العام بمدى خطورة هذا المشروع الذي سيعمق وفقا للتيار من انهيار الاقتصاد الوطني في ظل عدم التكافؤ بين تونس والاتحاد الاوروبي على مستوى الأحكام والنقاط التي تم طرحها فيما يتعلق بمجال الفلاحة وقطاع الخدمات على غرار المحاسبة ومكاتب الدراسات والبنوك.
وفي هذا الصدد، يقول الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي إن اتفاقية "الأليكا" خطوة خطيرة للحكومة التونسية من شأنها إعادة الاحتلال الزراعي بالنسبة للقطاع الفلاحي، وبالتالي عودة انتصاب المعمرين على أرض تونس من جديد بعد ستة عقود من الاستقلال، باعتبار ان الفلاحة في بلادنا لا تزال تمثل قطاعا هشا غير قادر على منافسة السوق الأوروبية.
ويعتبر الإعلامي والناشط السياسي فخري السلامي في تصريح لسبوتنيك، أن اتفاقية الأليكا شكل من أشكال الاستعمار الناعم لبلادنا على اعتبار أن تونس ستتحمل تبعات المجهود المتبادل لرفع الحواجز الجمركية نظرا لاختلاف نظامي الضرائب بين الجانبين التونسي والأوروبي، وبالنظر كذلك إلى هشاشة القطاعات الاقتصادية في تونس وعلى رأسها القطاع الفلاحي الذي يعيش أزمة هيكلية منذ سنوات نتيجة غياب استراتيجية واضحة تسيّر القطاع وترافق الفلاح التونسي لمواجهة الرهانات والتحولات الجديدة في القطاع الفلاحي، وهي عوامل جعلت من الفلاح التونسي ضعيفا وغير قادر على إثبات كينونته فما بالك على منافسة الأجنبي.
شق ثان يمثله رئيس الحكومة يوسف الشاهد وعدد من الأطياف السياسية وعلى رأسها كتلتا النهضة (صاحبة التمثيل الأعلى في البرلمان) والائتلاف الوطني (الكتلة الثانية من حيث التمثيل البرلماني)، يعتبر في اتفاقية الأليكا مكسبا لتونس لاعتبارات يمكن تلخيصها في تحسين شروط الاستثمار واستفادة البلاد من الاستثمارات الكبرى وولوج المنتوجات والخدمات التونسية بسهولة إلى السوق الأوروبية التي تشمل 500 مليون مستهلك.
ففي 24 أبريل/ نيسان 2018 تعهد رئيس الحكومة ودون أن يعود إلى البرلمان، بأن تكون 2019 سنة التحديد النهائي للنقاط الأساسية لاتفاقية الأليكا. وبيّن عقب محادثة جمعته برئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر، أن "ملف "الأليكا" ينطوي على أهمية خاصة لتونس"، قائلا إن "المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص هذه الاتفاقية انطلقت سنة 2015، وسيتم تطبيقها تدريجيا".
ويعتبر رئيس الحكومة أن هذه الاتفاقية دقيقة جدا ويجب تفعيلها على مراحل، مضيفا أن تونس لن تتبنى أي اتفاق يسمح بالمساس بالقطاع الفلاحي أو بالسيادة الوطنية.
من جانبه يعتبر الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن أن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق الأليكا هى استكمال لاتفاق الشراكة مع اوروبا الموقع فى جويلية 1995. وأفاد أن نسبة الصادرات التونسية الموجهة للاتحاد الاوروبى قدرت بحوالى 75 في المئة من جملة صادرات البلاد مقابل واردات فى حدود 65 في المئة فى 2015 ويقدر عجز الميزان التجارى مع الاتحاد الأوروبى بنسبة 12.6 في المئة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة 1995 مقابل 50 في المئة قبل دخول الاتفاقية حيز التطبيق.
واعتبر حسن أن كل هذه المؤشرات تعكس استفادة تونس من هذه الاتفاقية، مشيرا إلى أن الأليكا تهدف إلى ضمان اندماج أكبر في السوق الأوروبية المشتركة عبر إزالة الحواجز غير التعريفية والإجراءات الصحية وحقوق الملكية الصناعية والتجارية والفكرية التى تعيق تصدير بعض المنتوجات التونسية مع إرساء محيط تنافسي شفاف وتوسيع تحرير التبادل ليشمل مجال الخدمات.
ويرى النائب عن حركة النهضة وعضو لجنة المالية و التخطيط والتنمية بالبرلمان سليم بسباس أن اتفاقية الأليكا تصب في مصلحة تونس الاقتصادية التي تقتضي تدعيم القطاعات الأساسية كالفلاحة والخدمات والصناعة عن طريق الاندماج. ويعتبر بسباس أن هذا المشروع هو تثبيت ودعم لمجال الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي وتوسيع الاتفاق الحاصل سنة 1995، والذي كان يشمل آنذاك القطاع الصناعي، حيث أن الأطراف المعنية بالاتفاق الجديد تفكر في توسيعه ليشمل مجالات جديدة خاصة منها الفلاحة والخدمات، مضيفا أن انفتاح السوق التونسية مسار لا رجعة فيه.
رصاصة الرحمة
وبين هذين الشقين، يؤكد الاتحاد الأوروبي، أن اتفاقية الأليكا تهدف إلى ضمان الاندماج التدريجي لاقتصاد الدولة التونسية في السوق الداخلية لأوروبا وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وأنه تم تحديد آليات هذا الاندماج عبر ملائمة تدريجية للنصوص المنظمة للمناخ التجاري والاقتصادي والتقليص من العوائق غير الجمركية وتبسيط وتسهيل الإجراءات الديوانية وتحسين شروط نفاذ المنتوجات والخدمات إلى كل من السوق التونسية والأوروبية على حد سواء.
توجه يعتبره مراقبون بمثابة استدراج ناعم لتوقيع اتفاق وصف بـ "رصاصة الرحمة" بالنسبة للفلاحة التونسية على اعتبار عدم قدرة منتجاتها الفلاحية على منافسة نظيرتها الأوروبية.