الأحداث الأخيرة في السودان والتي تمثلت في فض اعتصام القيادة العامة بالقوة وبتلك الطريقة البربرية التي شاهدها وشهد عليها العالم أجمع صوتا وصورة وبالرصاص الحي، وعمليات قتل المعتصمين بتلك الطريقة البشعة، والتي لم يشهدها السودان من قبل سواء في تاريخه القديم أو الحديث، الأمر الذي أدى إلى لجوء الثوار إلى وسيلة سلمية أخرى بعد التظاهر في الشوارع والاعتصام في الميادين وهى الجلوس في المنازل "العصيان المدني" والتي جربت في الكثير من البلدان مثل مصر والهند وفي السودان في العام 1964 في وجه الفريق إبراهيم عبود، وبعدما أسقطت التظاهرات في الشارع حكم (عمر) البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم ورغم وجود قوات عسكرية مسلحة وقوات الدعم السريع ورغم وجود الدولة العميقة أيضا، فقد نجح هذا الشعب.
سبوتنيك: وهل ترى أن تلك الوسيلة القديمة تصلح للوضع الحالي في السودان؟
الآن السودانيين انتقلوا بالثورة إلى مرحلة جديدة وهى العصيان المدني والتي جربت في العديد من الدول كما قلنا مثل الهند إبان الاحتلال البريطاني وفي السودان في العام 1969 وأثبتت نجاحها، والعصيان المدني الذي قام به السودانيون نجح في يومه الأول بنسبة لا تقل عن 90% والصورة شاهدها العالم بعد تحول العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح، أكثر من 95% من المؤسسات والشركات والمحلات أقفلت أبوابها وبقي السودانيون في بيوتهم.
سبوتنيك: متى نشأ تجمع السودانيين بالمنظمات الدولية وما هو الدور الذي يقوم به في الخارج؟
هذا التجمع بالمنظمات الدولية هو أحد روافد تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الثورة منذ ديسمبر الماضي، وقبل ذلك قاد التظاهرات في سبتمبر من العام 2013، نحن نعمل جنبا إلى جنب مع تجمع المهنيين السودانيين، والغرض من هذا التجمع الذي يضم عدد من كبير جدا من السودانيين الذين يعملون في المنظمات الدولية خارج السودان هو إيصال رسالة للمجتمع الدولي تعكس ما يدور في داخل السودان وفضح الممارسات اللا أخلاقية واللا إنسانية والتي كان يقوم بها البشير وأجهزته، والتي يقوم بها المجلس العسكري الآن، فنحن نقوم بنقل حقائق عبر تقارير موثقة وفيديوهات ومخاطبة الرأي العام العالمي.
وتلك هى أبسط رسالة يمكن أن يقدمها مئات السودانيين الذين يشغلون مناصب عليا في المنظمات الدولية الكبرى وبشكل خاص فيما يتعلق بحقوق وكرامة الإنسان وما يجري في المعتقلات والسجون والإختفاء القسري والقتل المروع للمتظاهرين السلميين المنادين بالحرية والسلام والعدالة.
سبوتنيك: أعضاء التجمع…هل هم ممثلين للسودان إلى الآن أم من الموظفين السابقين؟
هناك سودانيون من أعضاء التجمع مازالو يعملون في كثير جدا من المنظمات الدولية وبالذات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، كما أن هناك الكثير من الأعضاء من القيادات التي خرجت على المعاش وكانوا يعملون في منظمات كبرى، التجمع هو عبارة عن خليط من الكفاءات السودانية الدولية "التكنوقراط" والتي لا تنتمي لأي أحزاب سياسية وليس لها أجندة سياسية وإنما تعمل من أجل إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي.
سبوتنيك: ما هو تقييمكم للمواقف الدولية بعد فض اعتصام القيادة العامة؟
الفض البربري للاعتصام روًع العالم، وقد نشرنا في تجمع المهنيين السودانيين ونشرنا تقارير موثقة بالصور والفديوهات وبعثنا بها للأمين العام للأمم المتحدة وطالبنا باجتماع فورى للمجلس حول موضوع فض الاعتصام، وبالفعل عقد اجتماع داخل مجلس الأمن وكانت هناك أغلبية داخل مجلس الأمن تؤيد إدانة العملية التي تم بها فض الاعتصام، لكن كان وقوف بعض الدول ضد هذا القرار هو ما أدى لعدم صدوره، كما أن هناك الاتحاد الأفريقي والذي خاطبناه وقام بعقد جلسة طارئه، اتخذ فيها قرار تاريخي بتجميد مقعد السودان في منظمة الوحدة الأفريقية، وقد أيد الاتحاد الأوربي هذا القرار ودول الترويكا والتي ترعى عملية السلام في السودان مثل بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية، نحن أمام إدانة دولية وإقليمية ضد هذا العمل اللا إنساني.
الثورة لم تعود إلى مربع الصفر بعد فض الاعتصام، بل انتقلت إلى مرحلة جديدة ووسائل أخرى يصعب على من يحملون السلاح محاربتها، العصيان المدني في السودان والذي يحدث الآن يصعب محاربته لأن الملايين من الناس الذين يعملون في مؤسسات الدولة المختلفة يجلسون في بيوتهم، ولا تستطيع الدولة بسلاحها أن تخرج كل تلك الملايين بالقوة وتفرض عليهم الذهاب إلى العمل، حيث انتقلت الثورة من المواجهة عبر المظاهرات السلمية، إلى مواجهة سلمية أخرى عبر الجلوس في المنزل وعدم الخروج للعمل، وهذا يحرم الدولة من دخلها اليومي من جيوب السودانيين.
سبوتنيك: كيف قابلتم دعوة المجلس العسكري للجلوس من أجل التفاوض بعد فض الاعتصام؟
هى دعوة حق أريد بها باطل، المزاج السوداني الآن لا يلتفت إلى مثل هذه الأقوال، لأن الأولوية الآن في ضرورة أن تكون هناك تحقيقات دولية لكشف حقيقة ما حدث من قتل للمتظاهرين، نحن نطالب بلجنة تقصي حقائق دولية أولا وقبل أن نشرع في أي عملية تفاوض مع هذا المجلس العسكري، فلا يستطيع أي شخص الجلوس مع مجلس عسكري ارتكب تلك الجرائم قبل أن يعترف بجريمته ويقدم من إرتكبوها إلى المحاكمة.
سبوتنيك: يرى البعض أن الثورة ارتكبت خطأ كبير بجلوسها مع المجلس العسكري بعد الإطاحة بالبشير؟
المرحلة التي جلست فيها قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، لم تكن تلك الدماء قد أريقت، وكانت المرحلة تتطلب ذلك لأن الجيش السوداني رأينا أنه انحاز للثورة والجنود السودانيين كانوا يحمون الثوار، فقد كان الحوار والتفاوض مهم جدا في تلك المرحلة وقد أنجز أكثر من 95% من مطالب الثورة في تلك الفترة، لكن وبكل أسف غدر المجلس العسكرى بقوى الحرية والتغيير والشعب السوداني ولفظ كل ما تم الاتفاق عليه، وبعد فض الاعتصام دخل مرحلة جديدة ولا يمكن الجلوس معه قبل الإعتراف بالمجزرة وتقديم المتهمين للمحاكمة.
سبوتنيك: بعض القوى السياسية والخبراء في الداخل والخارج يقولون أنكم إقصائيين…ولا تختلفون كثيرا عن حكم البشير…ما ردكم؟
قوى الحرية والتغيير تمثل أكثر من 80 جهة ما بين أحزاب سياسية كبرى وتجمعات مهنية بالإضافة إلى الإلتفاف الشعبي حول قوى الحرية والتغيير وهو ما رأيناه في خروج الملايين إلى الشوارع بالإضافة للاستجابة لدعوة الإعتصام قبل ساعات من سقوط البشير، كل هذا يؤكد على الاستفتاء الشعبي الكبير على مقدرة قوى الحرية والتغيير على تحريك الشارع وإيجاد صيغة تناغم داخل الشارع السوداني، ومع ذلك هناك بعض الأحزاب التي لم توقع على ميثاق الحرية والتغيير وهؤلاء يمثلون النظام البائد من حزب المؤتمر الوطني وأحزاب الفكة التي كانت تدور في فلك المؤتمر الوطني وليس لها تمثيل كبير في الشارع السوداني.
نحن نرحب بالشقيق آبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي ودوره في منظمة الوحدة الأفريقية ودوره الكبير في نشر الديمقراطية والسلام في القارة الأفريقية، وخلال لقاءه بقوى الحرية والتغيير أوضحت له رؤيتها للحل في السودان عبر تسليم السلطات الثلاث للمدنيين "السيادية والتشريعية والتنفيذية" يجب أن تكون هذه الهياكل مدنية، المزاج العام لا يقبل بوجود عسكري على رأس السلطة في السودان بعد نصف قرن من فشل العسكر في إدارة البلاد.
سبوتنيك: ما هى خطواتكم أو بدائلكم حال عدم تحقيق العصيان المدني أهدافه؟
منذ انطلاق الثورة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي وقبلها في العام 2013 لم يحمل الشعب السوداني أي نوع من أنواع السلاح، الثورة من بدايتها شعارها الوحيد "السلمية"، حتى أنها أصبحت ثقافة لدى الشعب السوداني، ولن ننجر أبدا إلى أي مواجهات عسكرية.
سبوتنيك: اعتقال بعض قادة الحركات المسلحة بعد جلوسهم مع المجلس العسكري… ما المقصود به؟
اعتقال قادة الحركات يهدف من خلاله العسكري إحداث وقيعه بينهم وبين قوى الحرية والتغيير، وهؤلاء الذين تم اعتقالهم هم أعضاء بالحرية والتغيير ويؤمنون بأن الثورة سلمية وستظل سلمية ولم يطلقوا رصاصة واحدة منذ أن قامت الثورة، هم انتقلوا بكفاحهم ونضالهم عبر قوى الحرية والتغيير إلى السلمية من أجل إسقاط "النظام"، والاعتقالات لم تشمل فقط القادة الكبار في الحركات المسلحة، بل تم اعتقال عدد ليس بالقليل من اعضاء قوى الحرية والتغيير ممن كانوا متواجدين في الاجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي، حيث تم اعتقالهم بعد خروجهم من الاجتماع، وهذه رسالة خطيرة جدا لرئيس الوزراء الإثيوبي وأنه لم يحترم حتى تواجده بالبلاد، وهذا تطور غير حميد.
أجرى الحوار: أحمد عبد الوهاب