يهودية الدّولة وصفقة القرن
كان الرد الفلسطيني حينها على هذا الطلب (إن إسرائيل لم تطلب من مصر والأردن اعترافاً كهذا عندما وقعت اتفاقيتي السلام معهما، ومنظمة التحرير اعترفت بحق إسرائيل بالوجود بسلام وأمن عام 1993 ولإسرائيل حرية تعريف طابعها الداخلي، ولا ينبغي مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف العلني لمثل هذا التعريف).
هذا الطلب ليس بجديدٍ وليس بمفاجأة، وهو من الواضح ضمن أطر "صفقة القرن" التي تتكشف يوما تلو يوم.
الكاتب والمختص بالشؤون الإسرائيلية عادل شديد، قدم شرحاً وافياً عن هذا المطلب الإسرائيلي وتاريخه، ويقول شديد "إن هذا المطلب الإسرائيلي لا يعتبر جديدا، فقد طرح هذا الموضوع مع نشأة الحركة الصهيونية في القرن الـ18، والتي تبنت مشروع إقامة دولة يهودية لليهود، وخلال المؤتمرين الصهيونيين الأول والثاني ما بين عامي 1987 و1904 طرح هذا الموضوع أكثر من مرة".
المرة الثانية التي طرح فيها الموضوع، كانت أيام الانتداب البريطاني، عندما سعى وزير خارجية بريطانيا "بلفور" إلى توطين اليهود في فلسطين، ونجح في إعطائهم وطن قومي في فلسطين، متناسياً السكان الأصليين من المسلمين والمسيحيين وتعامل معهم كأنهم أقلية في دولة اليهود، في حين تعامل مع اليهود كأنهم أغلبية، على الرغم من أن الحقيقة كانت عكس ذلك.
وفي العام 1947 أعيد طرح هذا الموضوع مرة أخرى وبنفس أكبر وبتفصيل أعمق ضمن قرار تقسيم فلسطين، والذي منح اليهود ما نسبته 55% من مساحة فلسطين التاريخية، وتكون بمثابة دولة قومية لهم، شرط وجود العرب الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين على45% من مساحة الأرض المتبقية بما فيها مدينة يافا".
مخاطر الاعتراف
ويقول السياسي الفلسطيني المعروف محمد بركة وهو يعتبر من أبرز من استفاضوا بهذا الموضوع، أن المخاطر المحتملة للاعتراف بالدولة اليهودية تتمثل بالآتي:
أ- تبرير مبدأ الصهيونية الأساسي (جمع الشتات)، وإن إسرائيل هي الحل القومي لكل من يدين باليهودية بالعالم.
ب- تبرير ضم الكتل الاستيطانية بجدار الفصل العنصري كحدود سياسية لأطماع إسرائيل، في الضفة الغربية المحتلة (نحو 200 ألف مستوطن في محيط القدس وحدها).
ت- تكريس ومواصلة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في إسرائيل كمواطنين من درجة ثالثة بعد الأشكيناز والسفارديم.
ث- تطبيق مخططات الترانسفير (التهجير القسري) والتبادل السكاني، خاصة مشروع برافر الذي يصادر حوالى 600 كم مربع من أراضي المواطنين العرب في النقب وتهجير أكثر من ثلاثين ألف منهم.
ج- الأخطر من كل ذلك، إغلاق الباب كلياً أمام حق العودة، وأمام حل قضية اللاجئين..
وبين السيد بركة أن الآثار الخطيرة والمدمرة للاعتراف بالشرط الإسرائيلي بيهودية الدولة والتي تترتب على القضية الفلسطينية بكافة أبعادها تتمثل في:
أولاً — شطب ونسف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم بشهادة فلسطينية، ومنح الفرصة لإسرائيل للتنصل من القرارات الدولية الداعمة للحق الفلسطيني.
ثانياً — طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 بزعم الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية وترحيلهم إلى العالم العربي، فإسرائيل هي دولة الشعب اليهودي ولا يحق للفلسطينيين أن يطالبوا باعتراف بهم كأقلية قومية، وما يعني أن للكيان الصهيوني الحق بترحيل الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية إن قامت، أو الدول العربية المجاورة، وهذه نكبةٌ جديدة بحق شعبنا.
ثالثاً — التسليم من قبل الفلسطينيين بأن قضايا الحل النهائي قد حُسمت، خاصةً قضية اللاجئين والقدس والحدود.
رابعاً- بعد ذلك سيتم جلب كل اليهود في العالم إلى دولتهم الدينية القومية.
خامساَ- سيتم القبول بمبادلة الأراضي الفلسطينية التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الكبيرة بالتجمعات الفلسطينية الكبيرة الموجودة داخل الأرض المحتلة 1948.
سادساً- التهيئة لحرب دينية طاحنة بين اليهود والمسلمين، كون جميع اليهود (وليس فقط أصحاب الفكر الصهيوني الاستعماري) سيصبحون في نظر المسلمين مغتَصِبين لأرض فلسطين.
سابعاً- هذا التحول سيدفع باتجاه الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن، أو في سيناء، وهو ما يتم العمل عليه الآن.
هل سقط حل الدّولتين؟
وعليه يجب عدم الوقوع في الشرك الصهيوني لإسقاط شعار الدولتين للشعبين، لأن تنفيذ هذا القرار يعني بصورة واضحة ضرورة إقامة دولة فلسطينية، وإن لعنة الوقت والمماطلة الصهيونية الخبيثة تتطلب توحيد وتصعيد الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى سلام وحل القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية كمرجعية أساس، وإن الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة يعد إنجازاً مهماً للحقوق الفلسطينية لأنه يدفع في اتجاه إجراء مفاوضات على ضرورة الانسحاب من أراضي دولة محتلة، وليس التفاوض على مستقبل أراضٍ متنازع عليها، وهذا لا يعني ضرب الحقوق القومية والمدنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، فمما لاريب فيه، أن المعركة مع إسرائيل هي معركة وجود لا معركة حدود.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط)