وما ان يضع الزائر قدماه في مطار كالينيغراد، حتى يفاجىء بكمية واشكال احجار الكهرمان الموجودة في كل واجهة ومتجر، على شكل لوحات وتماثيل لاهم المعالم في المقاطعة وروسيا بشكل عام، ما يدفع الى معرفة ماهية الكهرمان ووطريقة استخراجه وصناعته في هذا الجزء من روسيا.
لا يعتبر الكهرمان من الأحجار الكريمة، وان كان يضاهيها جمالا وروعة، فهو عبارة عن صمغ للأشجار سقط ودفن تحت الارض لملايين السنين، ولروية طريقة استخراجه ما على السائح سوى التوجه نحو مقلع بريموسكي، أغنى مناجم العالم بالكهرمان.
يقع منجم بريموسكي في مدينة ينتارنيا والتي تعني باللغة الروسية الكهرمان، على بعد ٣٠ كم من عاصمة الإقليم كالينيغراد، بمساحة تقارب ٤ كم مربع، وهناك ينتج ٩٠٪ من الكهرمان في العالم. وفي لقاء مع سبوتنيك يتحدث الكسندر سميرنوف كبير المهندسين في المقلع، ويقول: بدء الاستخارة في الموقع منذ ما يقارب ١٥٠ عاما، وتبلغ طاقته الإنتاجية الحالية ٤٥٠ طن، وقد. حققنا زيادة العام الماضي لنصل الى ٥٠٣ طن، ويتوسع المقلع بشكل مستمر، ويتوقع ان يبلغ عرضة ٥ كم، وهو كافي للعمل لأكثر من مئة عام القادمة.
ويتابع سميرنوف: الطبقة العليا رملية، وبعدها تأتي طبقة الغضار والذي يعتبر جيدا جدا كسماد للتربة، ويستمر الحفر حتى عمق ٧٠ مترا، حيث يتواجد الكهرمان، وعندها يتم يتم خلط التربة بالماء، وارسال الخليط عبر ممر مائي الى حيث تتواجد مصفاة تقوم بفصل الكهرمان عن الأحجار.
ولفت كبير المهندسين الى ان الكهرمان موجود في كل مكان تقريبا في كالينيغراد، حتى انه يخرج من البحر احيانا بكميات كبيرة، بعد عاصفة بحرية قوية، حيث يقوم السكان بجمعها.
ويرى ان هناك العديد من الروايات حول فوائد الكهرمان، ويشرح: هناك الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة بالكهرمان، فعلى سبيل المثال هناك من يقول بان المسبحة المصنوعة من الكهرمان مفيدة للصحة، او قد يعطي معنى روحي، كونها مصنوعة من احجار تعود لخمسين مليون عاما، وهذا يعود للعادات والمواريث، لكني أستطيع التاكيد ان الكهرمان لم يؤذي احد أبدا.
وعن مبيعات هذه الأحجار أكد سميرنوف بان حجم الانتاج كبير، ويتابع: الانتاج يتغير من عام لآخر، ومهمتنا تكمن في إيجاد أسواق له، ونحن نغطي حاجة السوق المحلية، ويصدر قسم كبير الى الخارج، وتعتبر الصين اكبر المستوردين.
وعن الاسواق العربية يتابع: من البلاد العربية لا يوجد طلب على المادة الأولية غير المصقولة، لكن هناك طلب على الأحجار المصنعة والمجوهرات، وهناك طلب بسيط على الحجارة نصف المصقولة، فالعالم العريق مهتم بالحجارة الجاهزة، ونحن نعمل بجد على تطوير العمل في هذا المجال.
وأشار كبير المهندسين الى ان احجام الأحجار تتفاوت بين الصغيرة والكبيرة نسبيا، ويتابع: احيانا تظهر بأحجام فريدة من نوعها اكبر من ١ كغ، وقد ظهر منها ١٨ حجرا هذا العام، وقد تم اكتشاف اكبر حجر كهرمان هنا عام ٢٠١٧، بوزن يبلغ ٣،٠٦ كغ، وهو موجود في متحف الكهرمان في المدينة.
وبعد عملية الاستخراج من المقلع، يتم جمع الأحجار وإرسالها إلى المعمل القريب من المقلع، والذي يتبع لشركة "روستيخ" الروسية، حيث يتم تنظيف الأحجار وفرزها وتصنيفها، وقد تم في هذا المعمل إنشاء مختبر علمي، حيث يتم تطوير تكنولوجيات جديدة لمعالجة الكسور الصغيرة من الكهرمان، ودراسة الخصائص النانوية للبنية الكهرمانية، وتأثيراته على الكائنات البيولوجية والبشر.
كما يجري العمل على تقديم تقنية حديثة في المؤسسة لضغط الكهرمان من أجل الحصول على منتجات شبه جاهزة عالية الجودة لصناعة الأثاث والبناء والهندسة المعمارية. ويخطط في المستقبل القريب لافتتاح ورشة عمل تجريبية وورش عمل جديدة لمعالجة المجوهرات وصنعها.
وعند زيارتك لكل من المقلع والمصنع، لابد أن تعرج على المتحف، حيث يمكنك أن ترى أجمل وأنفس الأحجار المكتشفة في مقاطعة كالينيغراد، والأعمال المصنوعة من الكهرمان.
وعند دخولك للمتحف، ستأخذك أحدى المسؤولات كما فعلت مع مراسل "سبوتينك"عنه في جولة لتطلعك على كافة المعلومات والمحتويات الموجودة هناك، وتقول: قبل ملايين السنين كان تقف هنا أشجار الصنوبر في غابات كبيرة في هذه المنطقة، وكان المناخ مختلفا، حيث كانت درجات الحرارة تبلغ 60 درجة، بالإضافة إلى الرطوبة العالية جدا.
وبوصف رائع تواصل دليل المتحف: كانت هذه الأشجار تذرف دموعا، نستيطع أن نراها الآن كأنها كانت يوم الأمس، لكنها بالحقيقة كانت قبل 50 مليون عاما، بعض هذه الدموع سقطت على حشرات وبعض أجزاء الأشجار والنباتات وحفظتها لنا حتى يومنا الحالي.
وتتابع دليل المتحف: الكهرمان مفيد للإنسان، فهو يشفي ويساعد على التعافي من الكثير من الأمراض، وهناك العديد من المراكز الصحية هنا تستقب المرضى، ويمكنهم المشي على أحجار الكهرمان، حيث توجد في القدمين العديد من النقاط المرتبطة بالمراكز العصبية في الجسم.
وتروي قصتها عندما كانت طفلة صغيرة: كنا نجرح أنفسنا في الصغر، وكانت أمي تضع مسحوق الكهرمان على هذه الجروح، فتشفيها بسرعة، ولا يبقى أي أثر للجرح بعد ذلك، فحجر الكهرمان هو أحد أفضل المضادات الحيوية ضد الميكروبات المؤذية.
وضمن جولتك في المتحف، ستتعرف على تاريخ استخراج الكهرمان في المقاطعة، وكيف بدأ الروس في استثماره بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت كالينينغراد تابعة لألمانية قبل ذلك وكان معظم سكانها من الألمان، وتفهم كيف بدأ العمل في مقلع الكهرمان والصعوبات التي كانت في بداية المشوار الروسي لاستخراج هذه الكنوز.
ومع نهاية رحلتك في متحف الكهرمان ستشاهد أبرز الأحجار الفريدة التي وجدت في هذا المقلع، والتي يزيد وزنها عن 2 كغ، ومنها أكبر الحجارة الذي يبلغ 3.06 كغ، والذي وجد في عام 2017، كما يمكنك أن ترى أجمل الأعمال الفنية من الكهرمان والتي صنعت في مقاطعة كالنينغراد الروسية.
