بحسب الخبراء فإن هذه الظاهرة حديثة وتشهدها الدول العربية منذ العام 2010، وغيرت الفكرة المعتادة عن المرأة، لكنهم حذروا من المستقبل الذي يمكن أن يكون أكثر خطورة من الوضع الراهن، حال عدم الانتباه إلى العنف الذي تشارك فيها النساء.
ترى الدكتورة آمال قرامي، الجامعية التونسية المتخصصة في دراسات الفكر الإسلامي، أن المرأة شاركت في الحروب منذ مئات السنين، وأن سير العرب تؤكد مشاركة المرأة في الحروب وكذلك في الفتوحات الإسلامية مع صلاح الدين الإيوبي.
وتقول في تصريحاتها لـ"سبوتنيك"، السبت 26 يوليو/ تموز، إن النسب اختلفت في الوقت الراهن عما سبق، وأن الدوافع الحالية بشأن انخراطهن في صفوف الجماعات المتشددة، تتعلق بالاعتقاد بأهمية الفكر الجهادي، وهو ما يشكل خطورة، خاصة أنها -أي المرأة- "تعتقد أن ممارسة العنف من أجل فكرة جائزة، وهو ما يدفعها إلى التحدي من أجل إثبات أنها قادرة على العطاء".
من ناحيتها قالت الدكتورة سمر الأبيوكي، المحاضرة بجامعة البحرين، إن الظروف دائما ما تجبر المرأة على سلك الطريق الأصعب.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، أن النساء المنضمات إلى التنظيمات الإرهابية وحمل السلاح، إما "غرر بهن، أو أنهن انضممن قسرا إلى تلك الجماعات، أو شواذ القاعدة، خاصة أن المرأة بطبيعتها لا تميل إلى العنف، وتغلب عليها عاطفة الأمومة، بالرغم من أن شخصيتها تتميز بالتحدي".
ثنائية الطبيعة والثقافة
تمثل ثنائية الطبيعة والثقافة أحد أهم العوامل التى تخبرنا بها الدراسات والأبحاث، فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب التي اجتاحت العالم مؤخرا وحضور المرأة بقوة في ميدان القتال وفي صفوف الجماعات الإرهابية.
تقول قرامي إن هذه الثنائية أربكت ولم تعد صامدة بعد اختراق الحدود، وأن ما كان يعتقد بأنه من طبيعة المرأة لم يعد موجودا، في ظل وجود نماذج من النساء يمارسن القتل بوحشية ويستمتعن بتعذيب الأخريات وذبح الرجال وتعليم أبنائهن على ممارسة العنف بشراسة تفوق الرجل، وهو ما يشير إلى عامل التنشئة والظروف التي تربت فيها تلك المرأة، أو المؤثرات التي أدخلت عليها، وكذلك النوازع في التركيبة الشخصية والعوامل النفسية التي تولد عمليات الانتقام.
وأكدت أن الحدود التي كانت تفرق بين طبيعة شخصية المرأة والرجل لم تعد موجودة اليوم، وهو ما يتطلب إعادة الدراسة والبحث في المسببات والمؤثرات في ظل الصراع الدائر، خاصة أن الاختلاف الذي طرأ لم يعد يقتصر على النساء فقط، بل وصل الأمر إلى التحول في صفات الرجال أيضا.
فيما يرى القاضي أحمد الساعدي بمحكمة بغداد، أن جميع البشر لديهم الجانب السلم والعنف، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت بشكل كبير عن عمليات التأثر ، خاصة أن المرأة يمكن تجاوزها لطبيعتها البدنية في ظل الصراعات القائمة.
ويوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، السبت، أن أطفال شاركوا في العنف، من خلال التأثيرات التي أجريت عليهم، بخلاف طبيعتهم المعهودة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى دراسة جادة.
العنف الناعم
إلى جانب العنف المعلن والانضمام إلى ساحات المعارك والمجاهرة بذلك، يبقى العنف الناعم هو الأخطر ، خاصة أنه يمارس في الخفاء ويؤسس لحاضنة كبيرة تفرخ منها الأفكار الإرهابية.
وحول هذه الرؤية توضح قرامي، أن العنف الناعم غير المرئي، يشكل خطورة كبيرة لأنه غير مسيطر عليه، خاصة أن المرأة "الجهادية"، التي تمارس العنف بشكل معلن يمكن تتبعها والسيطرة عليها بوسائل عدة، إلا أن حاملات الفكرة واللواتي يتظاهرن بعكس ذلك، وفي الفضاء الخاص بهن يمارسن إعداد أشبال "الدولة"، الجديدة، وربما يضع في الاعتبار النساء المحتجزات في المخيمات في سوريا والعراق، حيث انقسمت النساء إلى قسمين، أولهما من خضعت لعمليات المراجعة وتخلصن من المؤثرات التي فرضت عليهن، والقسم الأخر يرى أن "الدولة" باقية، ويقمن بإعداد الأشبال لحمل المشعل.
شاهدوا كيف عبّرت نساءٌ مسنات من العراق عن امتنانهن للجيش العراقي وفرحهن بتحرير بلداتهن من تنظيم داعش وأيامه السوداء. - pic.twitter.com/SVMLRtMGC1
— الحوار المفتوح 2 (@HewarMaftuh2) July 27, 2019
#الدولة_الإسلامية
#صلوا_علًي_النبي_لاجل_شفاعته {
وتوضح أن دور المرأة الموكل لها اجتماعيا هو تربية الأطفال، وهو ما يشكل خطورة كبيرة، خاصة بعد عودة النساء إلى البلدان وتخلص الرؤية إلى ضرورة عزل الأبناء عن أمهاتهن حتى لا يتأثروا بالأفكار المحملة بها رؤوس أمهاتهن.
ويوضح الساعدي أن الجماعات الإرهابية راعت الجوانب التي تساهم في الاعتماد على النساء من حصانة اجتماعية ودينية خاصة في المناطق العربية، ونفذت العديد من العمليات الإرهابية في أكثر من دولة اعتمادا على هذه الاعتبارات.
ويوضح أن التراكمات الاجتماعية تترك أثرها في مسألة الأحكام الخاصة بالمرأة وتنفيذها، على الرغم من أن القوانين الجنائية لا تميز، إلا أنه في بعض البلدان ومنها العراق لا ينفذ الإعدام في المرأة الحامل حتى تضع حملها.
نساء يحملن الراية
كشفت العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة عن استراتيجيات جديدة للتنظيمات الإرهابية، من خلال الاعتماد على العنصر النسائي بشكل كبير، يبدو مغايرا لما سبق مختلف المراحل.
في هذا الإطار أوضحت قرامي أن لحظات الانكسار في التنظيمات الإرهابية تنشأ عنها لحظات فراغ، ما يتيح الفرصة للبدائل، وأن السنوات العشر الأخيرة اعترف فيها بدور النساء في صفوف الجماعات على نحو مغاير من التاريخ القديم.
وترى أن الجماعات الإرهابية ترى أن للنساء دور يمكن استعمالهن فيه، خاصة في ظل الحصانة الاجتماعية، وحصول المرأة على عقوبات مخففة، وإمكانية التخفي من الرقابة، نتيجة الصور النمطية عن النساء، في حين أن أول حدث تفجيري في العاصمة تونس قامت به امرأة بشارع الحبيب بورقيبة.
ويشير الساعدي إلى أنه من المستبعد أن أن تحمل المرأة الفكر الإرهابي، خاصة أن إذا حملت المرأة الفكر الإرهابي، يمكن أن تضيع المجتمعات.
المؤسسة العسكرية
وتوضح آمال قرامي، أن انضمام المرأة لساحات المعارك في صفوف الجيوش أو دفاعها عن نفسها يتعلق بالعديد من الأسباب، خاصة في ظل ما يجري في العالم من إزاحة الصور النمطية في مختلف البلدان، وإتاحة المجال العسكرية للمرأة، وحقوقها بالحصول على المناصب والأدوار، كما تشارك المرأة في العديد من المؤسسات العسكريات العربية بتفاوت الأدوار.
وترى أن أحد العوامل الهامة التي تستحق الدراسة هو وجود المرأة في الصفوف الأولى في ميدان المعركة، بما في ذلك التجربة الكردية، خاصة أن النساء في بعض الدول وجدن أنفسهن أمام "السبي" على يد الجماعات الإرهابية أو المواجهة وربما الموت دون الاستسلام.
وشددت على أن المبررات الجديدة بحاجة إلى الدراسات الجادة، خاصة الأسباب متعددة بشأن دخول المرأة ساحة العنف.
وترى الدكتورة سمر الأبيوكي، أن انضمام المرأة إلى الجيش أو الوزارات الأمنية يؤكد على قدرة المرأة على القيام بمهام الرجل في معظم الميادين، خاصة أن العديد من النساء يتواجدن في القطاعات الأمنية في أغلب الدول، كما دربت المرأة مثالا على ذلك أيضا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث انضمت إلى ساحات العمل في المصانع بعد أن قل عدد الرجال لتوجههم إلى الحرب، كما أن هناك رائدات من النساء قدن الطائرات القرن الماضي، ما يؤكد على التحدي في شخصية المرأة.
وتعزي بعض الأسباب القوية إلى الانفتاح الحاصل في العالم نتيجة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت الكثير من الأمور الصعبة.
ويؤكد الساعدي أن انخراط المرأة في المؤسسة العسكرية، لا تجر المرأة إلى ممارسة العنف، خاصة في الدول العربية.
أرقام
تتحدث الإحصائيات المختلفة من مصادر متعددة عن عشرات الآلاف من النساء انضممن إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا وجماعة بوكو حرام في أفريقيا.
إلا أن الملفت الذي أشارت له الدراسات انضمام فتيات من دول لا تشهد صراعات كما في الشرق الأوسط، حيث احتلت فرنسا صدارة الدول الأوربية في عدد الملتحقات بمواقع القتال في سوريا والعراق، فمن بين 676 فرنسيا التحقوا بسوريا والعراق توجد قرابة 300 امرأة.
فيما التحقت نحو 100 امرأة من بريطانيا وألمانيا بصفوف التنظيمات المتطرفة.
وقدرت دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن عدد النساء في صفوف داعش في ليبيا ناهز 1000 امرأة، 300 منهن تونسيات.
في سبتمبر/ أيلول 2005، جند أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق أول امرأة لتقوم بعملية انتحارية في بلدة تلعفر. أسقطت العملية خمسة مجندين من الجيش العراقي.
في يناير/كانون 2017، كشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن وجود عدد كبير من النساء المقاتلات في صفوف تنظيم القاعدة باليمن دون أن تحدد عددهن.
وكشف تقرير لمركز مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة (ويست بوينت) أن جماعة بوكو حرام النيجيرية وظفت 244 انتحارية من أصل 434 لتنفيذ هجمات بالبلاد 2011 و2017.
تظل الأعداد المذكورة في الدراسات هي أعداد غير دقيقة في ظل انضمام نساء محليات للتنظيم دون معرفتهن، حيث يقمن ببعض الأدوار غير المعلنة.