لعل الخطيئة كانت من السلطة الحاكمة نفسها من خلال إصدار ضرائب جديدة على كاهل المواطنين اللبنانيين، بتفصيل صغير لم يدرك الحكام الذين لربما أخطئوا وللمرة الأخيرة أن ضريبة تفصيلية صغيرة على تطبيق تراسل "الواتساب" سيشعل البلاد وينزل صوت الذين لا صوت لهم إلى الشارع لينادي اللبنانيون سويا أنه طفح الكيل منهم جميعا، لا مجال للاستغباء بعد بضرائب تفصيلية وكمالية مهمة لشعب داق ذعره من حكامه الذين لم يقدموا سوى الويلات لشعب تحمل الكثير منهم.
أخاف اللبنانيون الجميع بانتفاضتهم غير المحسوبة وبشعاراتهم الوطنية التي اخترقت نظام الدولة وقوانينها الطائفية التي صاغها الزعماء وأمراء الحرب وفق مصالحهم وحسابتهم المناطقية الضيقة، حيث ساد السكوت العام للمسؤولين على غير عادتهم باستثناء بعض الوجوه السياسية التي حاولت تهدئة الشارع اللبناني عبر جرعات من الوعود التي لطالما أطلقوها منذ سنوات عدة.
لا شك أن سقف مطالب اللبنانيين المحقة أصبحت هي الجامعة في الساحات التي تطالب بإسقاط نظام بأكمله بالرغم من صعوبة تحقيقها نظرا لتركبية النظام اللبناني المعقدة مذهبيا، حيث أن المطالبة بإسقاط الحكومة سيقود إلى مشهد ضبابي خصوصا مع غياب القيادة والشخصيات في الحراك الوطني الأخير الذي لابد منه أن يفرز شخصيات جديدة قادرة على إيصال مطالب الناس المحقة بطريقة مشروعة ومباشرة وواضحة.
اللبنانيون في الشارع ولكن...
تمر الانتفاضة اللبنانية في يومها الرابع مع إصرار الناس على مطالبهم المحقة وتوافد المواطنين إلى الساحات في مختلف المدن اللبنانية، وتدخل الدولة في استحقاق جدي مع بداية الأسبوع الجديد في ظل الإضراب الشامل مع اجتماعات مكثفة للقوى السياسية لايجاد مسار لانقاذ وإخماد غضب اللبنانيين.
لكن مع رفض الورقة الإصلاحية من الشارع كيف ستتبلور الأمور في حال تعنت الحكومة والمتظاهرين ؟ غياب قيادة موحدة للحراك التي من وظيفتها توحيد المطالب وإيصالها سيخفض مع الوقت زخم الحراك الشعبي بعد استنذاف قواه في الشارع ما يعني تماما انتصار قوى السلطة مرحليا والتي قد تدفع بجمهورها إلى الشارع كعملية رد ودفاع عن مصالحها ما يضع الحراك المطلبي في خطر انهائه نهائيا.
كما تتميز بعض القوى اللبنانية بفبركة الأخبار ونشر التخوين من خلال استهداف الحراك الشعبي بأسئلة محقة وبحاجة لتوضيحات مباشرة وهنا نعود لبيت القصيد "الحراك بلا رأس" لن يجدي ولن يكون مثمرا للإجابة عن الأسئلة واتهامات الكثيرين وخصوصا قوى السلطة التي ستبتكر وتتفنن بإيجاد الصيغ والقصص وممارسة لتدمير ما استطاع اللبنانيون تحقيقه بظرف أيام ما عجزت عنه السلطة خلال 30 سنة من الحكم.
اليوم مع المواجهة القائمة بين الحراك الشعبي وقوى السلطة الحاكمة، الأولى فقدت الثقة بالطبقة السياسية والحزبية الحاكمة وتتمسك بمطالبها المحقة والثانية الراغبة بمحاولة إقرار وتنفيذ إصلاحات اقتصادية وعدم إفراغ السلطة بعد تهديد الضغط الشعبي لها. تدخل البلاد في مرحلة ضبابية مرهونة بنفس الشارع والحكام والتي ستنعكس أولا وأخيرا على لبنان بأكمله.
أخيرا، لا بد من التنويه وإبراز الإيجابيات التي استطاع من خلالها الحراك أن يجعل من السلطة السياسية تهتز قليلا وتشعر بما يذوق ويشعر الأخرون، بالإضافة إلى الروح الوطنية التي وحدت اللبنانيين من الشمال إلى الجنوب وأيقظت الكثيرين من سباتهم المذهبي والطائفي في سبيل قوت عيشهم اليومي، لذلك.. الحراك الشعبي الأخير اخترق النظام الطائفي إلى غير رجعة ونأمل ذلك.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)