شملت القائمة المعلن عنها كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والصين والكونغو وتركيا ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، كما وجهت الدعوة إلى رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر.
نكسة في تاريخ الدبلوماسية التونسية
تغيب تونس عن حضور هذه القمة الدولية، يعتبره الخبير في الشأن الليبي غازي معلا، نكسة وسابقة في تاريخ الدبلوماسية التونسية، خاصة وأن تونس تربطها علاقات تاريخية واستراتيجية كبيرة مع ليبيا، مبينا أن قرار الإقصاء مقلق ويحوي رسالة مفادها أن تونس أصبحت على هامش التاريخ والجغرافيا.
كما ذكر أن تونس أملت في أن تعود إلى الحدث مجددا بعد تنصيب رئيس جديد للدولة التونسية وانتخاب برلمان جديد، مضيفا أن "تونس لم تقم بتحركات دبلوماسية أو عسكرية على الأرض تجعل من المجتمع الدولي والفاعلين في ليبيا يلتفتون إلى تحركاتها، على عكس الجزائر التي كشرت عن أنيابها وتحركت دبلوماسيا باستدعائها للسراج ثم لوزير الخارجية التركي، وأعلنت موقفا بأنها لن تسمح بدخول حفتر إلى طرابلس. وهو ما أعطى انطباعا على أن الجزائر تريد أن يكون لها موقف ودور في الأزمة الليبية".
وتابع "تونس دولة مسالمة لا تدعم طرفا على حساب آخر ولا تبيع السلاح ولا تمنح حدودها للمرتزقة".
وأكد معلا أن وزير الخارجية التونسية السابق، خميس الجهيناوي، التقى عديد المرات بالمبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة وحاول أن يكون لتونس كرسي داخل هذا المؤتمر، لكن إجابة هذا الأخير اقتصرت حرفيا على القول "تونس دولة عاقلة لا تخبش لا تنبش"، بمعنى أن تونس لا قدرة لها على أن تكون فاعلا في الملف الليبي.
الدبلوماسية التونسية معطلة
من جهته يرى الخبير في الشأن الليبي، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن إقصاء تونس كان متوقعا لثلاثة أسباب، أولها التذبذب الكبير في موقفها تجاه الوضع الليبي، وعدم وضوح الرؤية الخارجية في الأشهر الأخيرة مع تولي قيس سعيد لرئاسة الجمهورية؛ وثانيها أن الدبلوماسية التونسية معطلة ومغيبة، معتبرا أن تونس عجزت في ظل غياب وزارة الخارجية عن التأثير على الأطراف الفاعلة رغم نقاط القوة العديدة التي تملكها، من عمق العلاقات مع ليبيا ومن حدود مترامية الأطراف ومن موقع استراتيجي ومبادلات اقتصادية، فضلا عن وجود أكثر من مليوني ليبي على أراضيها بين فار ومغادر وعائد إلى تونس، زيادة على كونها البلد الوحيد الذي يسمح بالدخول من ليبيا إليها دون تأشيرة، والبلد الوحيد الذي سيتحمل عبء موجة الهجرة المتوقعة في حال حدث تصعيد عسكري في ليبيا.
ويرى عبد الكبير أن "توقيت عزل وزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي، رغم الاختلافات معه، لم يكن مناسبا على اعتبار أن الرجل كان يملك العديد من نقاط التواصل مع الأطراف الدولية وهو معروف أيضا في عديد الأوساط الأوروبية والأمريكية وكان قادرا على فرض هذه النقاط".
وتساءل "كيف يمكن لتونس أن تلعب دورا محوريا في ظل غياب وزير خارجتها لأكثر من شهرين؟".
ويعتقد الخبير في الشأن الليبي أن من بين النقاط الأخرى التي ساهمت في تغييب تونس عن هذا المؤتمر هو أن "هناك بعض الأطراف الدولية وخاصة الأطراف الإقليمية المتنافسة مع تونس حول هذا الملف كانت تزاحمها في لعب دور فاعل فيه"، مستدلا على ذلك باتفاق الصخيرات الذي "استطاعت المغرب بدبلوماسيتها الكبيرة وبعلاقاتها الدولية أن تحوله إلى الرباط بعد أن كان توقيعه مبرمجا في تونس وتحديدا في مدينة قمرت".
وتابع "تونس لم تستطع أمام كل الفرقاء الليبيين أن تلعب الدور الكبير جدا في إقناعهم بضرورة وجودها في المؤتمر، على عكس الجزائر التي استطاعت أن تحصل على مقعد في هذه القمة نتيجة وضوح موقفها من الملف الليبي وبفضل العلاقات الدبلوماسية التي تتمتع بها وتنسيقها المتواصل مع الاتحاد الأوروبي ومع الدول العربية التي تريد أن تتكتل من أجل الخروج بموقف موحد في هذه القمة".
تونس دفعت ضريبة الحياد
ويعتقد الرفاعي أن موقف تونس في توخي الحياد الإيجابي مع ما يحدث في الجوار الليبي كان دافعا وراء تغييبها عن هذه القمة، قائلا إن "هناك قوى دولية ضغطت من أجل إقصاء تونس عن حضور مؤتمر برلين، وهي الأطراف التي لا تريد حلا سلميا للأزمة الليبية والتي تعتقد أنه يمكن لها أن تحسم الصراع بالوسائل العسكرية بعيدا عن المقاربة السلمية التي قدمتها تونس لحل الأزمة الليبية ووقف إطلاق النار".
ويوضح أستاذ العلاقات الدولية أن هذه الأطراف لا تريد لتونس أن تلعب دور الحياد الايجابي في الملف الليبي وأن تكون على ذات المسافة من جميع الأطراف، بل تريدها أن تكون حليفا مع جهة دون أخرى، وهذه الجهة هي من حاولت أن تحسم الصراع في سرت وفي مصراطة وفي طرابلس بالقوة العسكرية، ولولا التدخل التركي الروسي في اللحظة الأخيرة لكانت المعادلة داخل وحول ليبيا تتجه باتجاه تصعيد عسكري غير مسبوق في طرابلس".
وأضاف "لكن هذه المبادرة لم تأخذ حظها وسط عنف الصراع على ليبيا، ووسط رغبة بعض القوى في أن تكون تونس جزء من محاور الصراع داخل الملف الليبي".
ويعتبر الرفاعي أن تغييب تونس عن مؤتمر برلين لا يعكس حكمة ولا نية في حسم الملف الليبي بالوسائل السلمية وهو مؤشر ضعف لمؤتمر برلين وفقا لقوله، مضيفا أن على تونس والأطراف الفاعلة العمل على تدارك الأمر وإشراك تونس في هذه القمة اعتبارا لكونها قوة سلام واقتراح غير منحازة.
وإلى حدود اليوم لم يصدر أي تعليق رسمي على إقصاء تونس من مؤتمر برلين لا من رئاسة الجمهورية ولا من وزارة الخارجية، باستثناء التصريح الذي أدلى به سفير تونس في ألمانيا أحمد شفرة لـ DW الألمانية، والذي أعرب فيه عن استغرابه وتفاجئه من تغييب تونس عن هذا المؤتمر الدولي باعتبارها "أكبر بلد مهتم بالوضع في ليبيا وأكثر بلد متضرر مما يجري في هذا البلد الجار".