ونشرت الخارجية الفرنسية بيانا قالت فيه إن الهدف من هذه البعثة هو ضمان بيئة آمنة للملاحة البحرية، والإسهام في تخفيف التوتر في المنطقة، وأشار البيان إلى أن مقر هذه البعثة سيكون في إمارة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة.
طبيعة البعثة ومهامها
وحول طبيعة هذه البعثة والمهام التي ستقوم بها في مياه الخليج العربي، يقول الباحث في القضايا الجيوسياسية الدكتور سومر صالح في حوار مع وكالة "سبوتنيك": "هذا الموضوع مرتبط بالسياسة الخارجية الفرنسية وبدرجة أقل بسياسة الاتحاد الأوروبي الجديدة وأيضا بالناتو، وقد قررت عدد من الدول الأوروبية إرسال بعثة وليس قوة عسكرية بالمعنى القتالي أو الهجومي، وإنما فقط لمراقبة الملاحة الدولية".
ويتابع صالح: لفهم طبيعة هذه البعثة يجب فهم سلسلة من الأحداث، وهي أولا تطبيق آلية فض النزاع بين الاتحاد الأوروبي وبين إيران على خلفية الاتفاق النووي وانسحاب الولايات المتحدة منه، وتقليص إيران التزاماتها للمرة الخامسة على أساس التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة.
ويكمل: "النقطة الأخرى هي المناورات التي حدثت في بحر العرب وجمعت الصين وروسيا وإيران، وهناك النقاط الخاصة بإرسال هذه البعثة، وأهم هذه النقاط هي السياسة الفرنسية التي ربما تريد مقاربة مع الخليج العربية والولايات المتحدة من بوابة الخليج، لتحقيق غايتين استراتيجيتين في ليبيا والساحل الغربي لإفريقيا".
ويضيف الباحث السوري: "الأمر الآخر هو مسألة الضغط المباشر على إيران في مسألة آلية تطبيق فض النزاع، وإذا لم يكن هناك عودة إلى المفاوضات فقد تتحول هذه البعثة إلى قوة عسكرية في تلك المنطقة، وهو ما يشكل بداية للتوتر هناك".
ويتابع: "هناك شيء مرتبط بصراع خفي غير معلن بين فرنسا وبريطانيا، حيث أن المملكة المتحدة بدأت منذ عام بإرسال قطع بحرية إلى المنطقة، وثم انسحبت من الاتحاد الأوروبي، وهناك منافسة فرنسية بريطانية لقيادة أوروبية على سد الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي الذي بات وشكيا من تلك المنطقة".
فيما يرى الخبير الاستراتيجي الإماراتي العميد خلفان الكعبي في حوار مع "سبوتنيك" أن مهمة هذه البعثة مماثلة للتحالف الدولي، ويتابع: "هناك التحالف الدولي للملاحة في الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر، ومقرها في مملكة البحرين، وقد أعلنت السفارة الفرنسية أن مقر هذه البعثة سيكون في أبو ظبي في الإمارات".
ويتابع الكعبي: مهمة هذه البعثة هي حماية الملاحة في منطقة الخليج العربي للسفن التجارية وسفن الطاقة، مضيق هرمز هو الممر الأهم عالميا والذي تمر فيه معظم واردات الطاقة العالمية.
وتحدث أيضا الصحفي المختص في الشؤون الأوروبية وسيم إبراهيم لوكالة "سبوتنك" عن مهمة هذه البعثة وطبيعتها، ويقول: "البعثة كما أعلنت فرنسا ليس واضحا بالضبط مما ستتكون، وهل هي بعثة أمنية أم بعثة مراقبة أم عسكرية، هناك تحفظ في القول أنها بعثة عسكرية، لأن مضيق هرمز هو مساحة مائية صغيرة، الجميع يريد أن يرسل قطع عسكرية، والمنطقة متوترة جدا، وأي خطأ في الحسابات قد يقود إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا في الفترة الأخيرة".
ويكمل: "الطموح لتشكيل بعثة جرى الإعلان عنه قبل التطورات الأخيرة قبل مقتل الجنرال سليمان، واستياء إيران من أوروبا بالنسبة لتحريك إيران آلية فض النزاع للاتفاق النووي، الرئيس روحاني قال حينما نكون مجبرين على الرد بسبب إعتداء، القوات الأوروبية ليست مستثناة، هذا يضع حدود وقيود ومحاذير بالنسبة لإرسال بعثة عسكرية، والواضح أن البعثة هي للمراقبة وبعثة أمنية، وحتى الآن هناك تردد في القول بأنها ستقوم بمهام عسكرية".
ويضيف ابراهيم: كما أعلن الفرنسيون البعثة ستكون كمرصد ملاحي، يسجل المعلومات الاستخباراتية فيما يتعلق بتحرك القوافل العسكرية والسفن والقوارب المشبوهة، يعني أن هذه البعثة ستكون أمام شاشة واضحة في المضيق الملاحي، بحيث إذا حصل شيء تكون المعطيات متوفرة للتحليل ولبيان بمن يمكن الاشتباه.
فيما يرى الدكتور عمرو الديب المحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة نيجني نوفغورد الروسية في اتصال مع "سبوتنيك" بأن هذه البعثة مهمتها تهدئة الأوضاع في منطقة الخليج، ويبين: الحديث عن إرسال هذه البعثة يبدو أنه تحرك أوروبي باتجاه تهدئة الأمور في هذه المنطقة البحرية، ومحاولة من الدول الأوروبية وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا إبعاد خطر الحرب بين إيران والولايات المتحدة.
ويكمل: لأن أي تطورات أو تصعيد في هذه المنطقة سيجعل الأمور صعبة جدا، وخصوصا أن هناك أزمة كبيرة بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، وكما قالوا بقرار من ترامب شخصيا، لذلك الأمور ساخنة جدا هناك.
ويضيف الديب: "تم مناقشة هذا الأمر من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما زارت موسكو، وكذلك ناقش الرئيس بوتين هذا الأمر مع الرئيس الفرنسي في مؤتمر برلين حول ليبيا، لأنه يهم روسيا والاتحاد الأوروبي محاولة التوصل إلى اتفاق أمني نووي جديد مع إيران بشروط ترضي الولايات المتحدة وأيضا إيران، لأن روسيا والاتحاد الأوروبي كانوا ضامنين للاتفاق، مسألة إرسال البعثة أمر مرتبط بكل هذه الأمور لأن المحافظة على هدوء الوضع في المنطقة البحري أمر مهم جدا في أي مفاوضات مستقبلية".
خلاف أمريكي أوروبي؟
وعلى الرغم من وجود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتنضوي تحت لوائه 6 دول، فضلت الدول الأوروبية إرسال بعثة خاصة بها بعيدا حتى عن حسابات أبرز حلفائها في الناتو الولايات المتحدة والناتو.
وعما إذا كان هناك خلاف بين هذه الولايات المتحدة والدول الأوربية المشتركة في هذه البعثة، أو اختلاف في وجهات النظر على الأقل، يرى الدكتور الباحث سومر صالح العكس تماما، ويوضح: ليس هناك خلاف أمريكي أوروبي بل هي مقاربة جديدة، فقوة أمن البحار كانت موجهة بشكل مباشر ضد إيران، ولم يكن وقتها الاتحاد الأوروبي قد أعلن عن آلية فض النزاع أو بداية المواجهة معها، ولم يرغب الاتحاد الأوروبي بدخول مباشر في خط الصراع الأمريكي على خلفية الاتفاق النووي، وحتى هذه اللحظة هناك التزام أوروبي رغم التخفيضات المتبادلة بين إيران والاتحاد الأوروبي فيما يخص الاتفاق النووي.
ويتابع صالح: لم تشأ أوروبا بأن تدخل في صراع مع إيران لإرضاء الولايات المتحدة، وهي تريد الحفاظ على هذا الاتفاق ضمن مقاربة أمريكية أوروبية جديدة، وكان هذا العامل الحاسم ضد دخول أوروبا مع الولايات المتحدة، هناك شيء آخر هو أن قوة أمن البحار هو تحالف عسكري لمواجهة إيران، أما هذه القوة فهي ما زالت ضمن إطار مراقبة الملاحة الدولية.
ويرى الخبير الاستراتيجي الإماراتي خلفان الكعبي أن هذا الأمر يأتي لمحاولة أوروبا تجنب الدخول في الخلاف الأمريكي الأيراني القائم، ويقول: هذا تساؤل منطقي بالإضافة إلى وجود دول مثل اليابان والصين التي تقوم بحماية ناقلات النفط بنفسها دون تحالفات دولية، وحسب قرائتي الشخصية أن الدول الأوروبية ترغب فقط بمهمة محددة وهي حماية الناقلات، وهي ربما تخوف من أن يتحول هذا التحالف لشيء آخر من قبل الولايات المتحدة.
ويتابع: من المعروف أن الولايات المتحدة ألغت الاتفاق النووي مع طهران، وفرنسا وألمانيا من الدول الداعية لبقاء هذا الاتفاق وتغيير بعض بنوده، فالبتالي الدول الأوروبية لا ترغب في الدخول في مثل هذه المواجهات، وتركز فقط على جزئية محددة.
أما الصحفي وسيم ابراهيم من بروكسل فيقول: استمعت لوزير الدفاع الأمريكي إسبر وهو من أطلق فكرة إنشاء البعثة، في اجتماع لوزراء دفاع الناتو، وقال أن الولايات المتحدة ستطلب من دول الناتو المساهمة في بعثة كبيرة لجعل من الواضح أن أي حادث سنعرف من يكون خلفه.
ويكمل: لكن الدول الأوروبية متحفظة جدا على المشاركة في أي مهمة عسكرية أمريكية في مياه الخليج، لأن الصدام واضح بأنه أمريكي إيراني، والأوروبيون لا يريدون الدخول في هذه المماحكة قلقا على اي عنصر بشري قد يرسلونه، وثانيا الأوروبيون حريصون على القول لإيران بأننا لسنا من ضمن حملة الضغوط الأمريكية.
ويواصل: حتى حينما قال الأوروبيون مؤخرا بأن إيران انتهكت الاتفاق النووي وعلينا تحريك آلية فض النزاع، قالوا يجب أن تعرف إيران أن ما قمنا به ليس ضمن حملة الضغوط الأمريكية، ونحن لا زالنا نريد الحفاظ على الاتفاق.
ويرى الدكتور عمرو الديب أن أوروبا تريد أن تكون على الحياد، ويشرح: الاتحاد الأوروبي أو بشكل مباشر فرنسا وألمانيا تريدان أن يكون لهما دور محايد في هذه الأزمة، فلو انضموا إلى الولايات المتحدة أو عن طريق حلف الناتو لكانوا إلى جانبها في هذه الأزمة.
ويتابع: هم يريدون أن يكونوا بشكل محايد لمراقبة الملاحة البحرية في هذه المنطقة، والتي تمر معظم واردات العالم من النفط والغاز عبرها، وهدفهم هو الابتعاد عن أي جانب وأن يكونوا محايدين ومراقبين ككل للوضع في هذه المنطقة.
تصعيد أم تطمين
يأتي إرسال هذه البعثة إلى المياه الخليجية في الوقت الذي تشهد فيه تلك المنطقة توترات متصاعدة، تهدد باندلاع صراع قد تمتد انعكاساته على المنطقة بأسرها وربما العالم، لكن بيان الدول الأوروبية يؤكد أن العملية كلها ستمم في احترام كامل لقانون البحار، فيما يقول المراقبون أن ذلك قد يزعج إيران وقد يرفع من مستوى التوتر.
وعن ذلك يقول الباحث الجيوسياسي سومر صالح: لن يكون هناك أي طمأنة لإيران لسبب بسيط وهو أن هناك إنزعاج إيراني واضح من تطبيق آلية فض النزاع الأوروبي الخاصة بالاتفاق النووي، والمطلوب إيرانيا من أوروبا هي أن تضغط على أمريكا للعودة إلى الاتفاق النووي، حيث أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت منه.
ويتابع: إيران كانت دائما تطالب بتطبيق الاتفاق النووي بشكل كامل، ولم تلتزم اوروبا به من ناحية العقوبات الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي على إيران، ويفهم من هذه الخطوة على أنها بداية ضغط عسكري على إيران مباشر.
فيما يرى العميد خلفان الكعبي أن زيادة مستوى التصعيد من عدمه عائد على إيران، لكون هدف هذه البعثة هو فقط التهدئة، ويشرح: لا يخفى على أحد أن سبب التوتر في المنطقة هو إيران، والولايات المتحدة وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران، وهذا له دلالات عديدة، وإيران هي من تصعد في المنطقة، وأتوقع أن إيران إذا اعتبرت هذه القوات عامل اطمئنان فسيكون عامل اطمئنان.
ويضيف الكعبي: أيضا إذا رغبت إيران في التصعيد فسيكون التحالف الدولي رادع لهذا التصعيد، فالدول المتحالفة كلها قوية كأمريكا وبريطانيا وغيرها، وإيران لن ترغب بالتصعيد ضدهم، وهذه الدول فقط تريد حماية قواتها، والتوتر في المنطقة يعتمد على نظرة إيران ورغبتها.
أما الصحفي وسيم ابراهيم فيرى أن تأثير هذه البعثة على الوضع في الخليج معدوم، ويوضح: باعتقادي لا البعثة الأمريكية ولا الأوروبية ستؤدي إلى نتيجة، والحوادث التي جرت لا يزال من غير المعروف أبعادها بالضبط، وحروب الوكالة موجودة واستخدام العناصر نيابا عن الدول نظرا لأن الصدام المباشر غير ممكن، ورأينا سرب الطائرات الذي قصف المنشآت النفطية في السعودية
ويكمل: بعثة المراقبة لن تفعل شيء بل هي ستزيد التوتر فقط، لأن المضيق المائي صغير وحشد البعثات والقوافل وآليات المراقبة وغيرها الجالبة للتوتر لن يؤثر أبدا، وإذا ما كان شيء سيحدث من قبل إيران أو غيرها فلن تقف البعثة أمام ذلك.
فيما لخص الدكتور عمرو الديب الوضع بأن هذه البعثة ذاهبة إلى هناك لطمأنة إيران، ويقول: بالعكس الاتحاد الأوروبي يمتلك علاقات واتصالات دائمة مع القيادة في إيران، وأعتقد أن وجود مثل هذه القوة ضامن لعدم انجرار الأوضاع إلى اتجاه سيئ، فيما يخص الاستيلاء على ناقلة نفط أو تهديد الملاحة البحرية في المنطقة.