فيرى مراقبون أن الأوضاع قد تأخذ خيارات متعددة بالنسبة للقوات الأجنبية وأيضا بالنسبة للوضع الداخلي وإصرار المنتفضين على مطالبهم، وأن استمرار العناد الحكومي مع الداخل قد يصل بالبلاد إلى حافة الهاوية.
القرار الصحيح
وأضاف النائب العراقي "وجود القوات الأجنبية هو ذريعة لاستفزاز بعض الأطراف من أجل الصراع على أرض العراق، الأمر الذي دفع البرلمان لاتخاذ قرار إخراج القوات الأجنبية، مع الاحتفاظ بعلاقات سياسية جيدة مع الجميع سواء كانت الولايات المتحدة أم غيرها".
وحول التطورات الداخلية والانتفاضة الشعبية وضرورة حل الأزمة قال فدعم: "معالجة الأزمة الخارجية سوف ينعكس بكل تأكيد على معالجة الأزمة الداخلية، وخطوة خروج القوات هي خطوة صحيحة في إطار السعي لوجود علاقات دبلوماسية متوازنة مع الدول وليست عسكرية وأمنية، وجود قوات أجنبية عسكرية مقاتلة على أرض العراق في ظل الصراع الأمريكي-الإيراني القائم بكل تأكيد سيضرب بظلاله على الداخل وأزماته، ما أردناه هو خروج القوات الأجنبية مع بقاء التبادل السياسي والاقتصادي عبر السفارات والقنصليات مع الجميع".
وحول مصير الاتفاقات الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية، قال فدعم: "نحن ملتزمون بتنفيذ كل الاتفاقيات مع الولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخرى، إلا ما يتعلق بالجانب العسكري، نريد الحفاظ على كل العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستثمارية والثقافية وكل شيء عدا ما يتعلق بالتواجد العسكري على الأرض، حيث شهدت الفترة الأخيرة استفزازات عسكرية كثيرة من جانب الولايات المتحدة وانتهاك لسيادة العراق وتجاوز للاتفاقات الموقعة، ولا أعتقد أن أي جهة بالعالم تقبل بذلك".
ودعا النائب العراقي الولايات المتحدة إلى احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية وكذا الدعوة موجهة للآخرين، فلن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا وفرض أجندته علينا، فمن يريد علاقة مع العراق يجب أن تكون علاقته متوازنة.
البند السابع
وحول الخيارات الداخلية بالنسبة للانتفاضة الشعبية قال عبد القادر النايل المحلل السياسي العراقي لـ"سبوتنيك"، إن الشعب العراقي اليوم بعد انسحاب الصدر وفشل مليونية إخراج القوات الأمريكية والانسداد السياسي الذي وصلت إليه العملية السياسية في العراق، أصبح الخيار الوحيد للشعب العراقي هو اسقاط العملية السياسية بكل تفاصيلها "البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية وتجميد الدستور".
وتابع المحلل السياسي "أما الوسائل التي سيعتمد عليها من زيادة التصعيد السلمي للتظاهرات باطار جديد، ليس أولها قطع الطرق، إنما العصيان المدني خيار مهم سينفذه المتظاهرين، فضلا على أن العراق يسير نحو البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي سيجعل مجلس الأمن الدولي يتدخل في تشكيل حكومة، ويمسك بزمام السياسة والاقتصاد والأمن في العراق".
وأشار النايل، إلى أن العشائر العراقية بدأت بتشكيل قوات لحماية التظاهرات والناشطين بعد إحراق خيم البصرة، واستهداف الناصرية وبغداد وتهديدات تطال المتظاهرين والناشطين من قبل مسؤولي المليشيات المرتبطة بإيران، لذلك المشهد العراقي سيزداد تعقيدا مع تشابك الأجندات المحلية والإقليمية والدولية وستصبح جميع الخيارات مفتوحة أمام الشعب لإنقاذ البلاد وتحديد مسارها الذي يطالب الشعب العراقي به، وبالتالي سيرحل الجميع وسيبقى الشعب العراقي منتصرا مع الأخذ بعين الاعتبار.
الوضع معقد
قال عبد الستار الجميلي، الأمين العام للحزب الطليعي الناصري العراقي لـ"سبوتنيك"، إن هناك أكثر من لاعب على الساحة مما جعل الوضع في البلاد أكثر تعقيدا، والصراع يدور بين إرادات ومصالح، تتعارض أحيانا وتلتقي أحيانا أخرى، ودائرتها السلطة والثروة والقوة، وميدانها الجغرافية السياسية العراقية بهويتها العربية وموقعها الاستراتيجي وثرواتها الخصبة الواقعة والمحتملة.
وأشار الجميلي إلى أن "هدف الثوار منذ البداية هو التغيير السلمي السلس من أجل تفادي أية أثمان غالية لن يحتملها الشعب الذي عانى المآسي التي يعجز عنها الوصف، في الوقت الذي اختارت فيه الحكومة مواجهة الثورة ومطالبها المشروعة بالعنف المميت واللعب على الوقت والوعود الزائفة، فكانت المحصلة آلاف الشهداء والمصابين وشلل الحياة والإدارة والخدمات في أكثر من محافظة ومدينة بما فيه العاصمة بغداد".
وأشار أمين الحزب الطليعي إلى أن العراق أمام ثلاث خيارات "إما أن تحتكم السلطات إلى العقلانية والمسئولية وتفتح أبواب التغيير السلمي السلس، أو أن يتقدم الجيش ويتولى إدارة المرحلة الانتقالية عبر تشكيل مجلس انتقالي من عسكريين محترفين ومدنيين مستقلين، إلى جانب حكومة مصغرة، لتولي مهمة تنفيذ مطالب المتظاهرين بطرح مشروع دستور جديد يلغي الفيدرالية ويتبنى نظاما مختلطا ولا مركزية إدارية، ومبدأ المواطنة والعدالة في تولي وظائف الدولة، ومحاسبة القتلة والفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة".
وتابع الجميلي "بعد ذلك يتم إجراء انتخابات نزيهة بقانون جديد ومفوضية مستقلة حقا، أو أن تتولى الأمم المتحدة إدارة المرحلة الانتقالية بدستورها وحكومتها وانتخاباتها، وإلا فإن استمرار الآفاق المسدودة وخيار الدم والإصرار على عدم تنفيذ المطالَب المشروعة للثوار، ستكون آثاره وخيمة واستحقاقاته أخطر مما يتصور مترفو المنطقة الخضراء وجدرانها الهشة".
وفي 3 يناير/ كانون الثاني الجاري، قتلت الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، والقيادي في "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس، في غارة جوية قرب مطار بغداد.
وأثارت المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية، غضبا شعبيا وحكوميا واسعا في العراق، وسط مخاوف من تحول البلاد إلى ساحة نزاع مفتوحة بين واشنطن وطهران، وعلى خلفية الصراع، قررت بغداد إخراج القوات الأجنبية من البلاد، لكن واشنطن ترفض ذلك، وهدد الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات على بغداد.
واندلعت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العاصمة بغداد، ومحافظات الوسط، والجنوب، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في أكبر ثورة شعبية يشهدها العراق منذ الاجتياح الأمريكي وإسقاط النظام السابق الذي كان يترأسه صدام حسين، عام 2003.
ويرفض المتظاهرون العراقيون، التخلي عن ساحات الاحتجاج التي نصبوا فيها سرادقات عديدة للمبيت على مدار 24 ساعة، يوميا، لحين تلبية المطالب كاملة، بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وسراق المال العام، وتعيين رئيس حكومة جديد من خارج الأحزاب، والعملية السياسية برمتها.
وعلى الرغم من استطاعة المتظاهرين في العراق، إقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، إلا أنهم يصرون على حل البرلمان، وتعديل الدستور، بإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات مبكرة لاختيار مرشح يقدم من الشعب.