العالم العربي لم يكن بمعزل عن هذه الإجراءات، وإن كانت الأرقام قد لا تشكل حالة تدعو إلى الخوف في معظم الدول العربية، بل أن حتى بعض منها لم تتجاوز الحالات فيها عدد أصابع اليد، إلا أن القيادات والحكومات في هذه الدول اتخذت إجراءات حازمة، ومنعت التجمعات وأغلقت المراكز التجارية وغيرها من الأماكن التي يمكن أن تكون ساحة خصبة لانتشار كورونا، بل أن المنع وصل حتى أماكن العبادة المختلفة.
وبما أن الحجر فرض بشكل مبدئي لمدة أسبوعين أو أكثر بالبقاء داخل المنازل، وعدم الخروج إلا في حال الضرورة القصوى، وجد الشباب العربي نفسه مضطرا للبقاء داخل بيته وإن كان متعودا على الخروج والتنزه، أو على الأقل للذهاب إلى عمله.
من الملاعب إلى الإنترنت
فرضت السلطات التونسية حظر تجول في البلاد بين السادسة مساء وحتى السادسة صباحا، وتم تكليف الجيش بتسيير دوريات في الشوارع لتطبيق هذا الحظر، على الرغم من أن الأرقام ما زالت بحدود 27 حالة، إلا أن الحكومة هناك اتخذت إجراءات تعتبر حازمة في هذا المجال.
نزيه كرشاوي الصحفي والمعلق الرياضي تحدث لوكالة "سبوتنيك" عن الوضع في تونس، وعن النشاطات التي أصبح يمارسها في المنزل بعد أن اعتاد على ممارسة عمله من أرضية ملاعب كرة القدم، ومن استوديوهات التفلزة والأخبار الرياضية، ويقول كرشاوي: في الحقيقة تغير الوضع كثيرا، فمسار حياتي العادي كان فيه الكثير من المقابلات واللقاءات والتنقلات بين المدن لتغطية المباريات واللقاءات الرياضية المختلفة، ولكن الآن الحال أصبح مختلفا جدا، ويقتصر نشاطي الرياضي على بعض التعليقات للبرامج الرياضية الأسبوعية.
ويتابع الصحفي الرياضي: فيما عدا ذلك أصبح نشاطي حاليا في المنزل، حيث بدأت أشاهد المباريات القديمة، وأحاول التعرف على اللاعبين القدامى، بالإضافة إلى أنشطة أخرى مع العائلة، حيث أصبحت أقضي وقتا أطول معهم، وكنت أمارس كرة القدم مع الأصدقاء، إلا أنها أصبحت ممنوعة منذ البارحة.
ولفت نزيه إلى أنه عاد إلى بعض النشاطات المنزلية التي ابتعد عنها لفترة طويلة، ويتابع: نحاول أن نساير الوضع هذا، حتى على الأقل لنتجاوز الخطورة، كما قلت معظم وقتي الآن مع كرة القدم في البيت، وخاصة على الفيس بوك من خلال ما يكتبه الأصدقاء، حيث أحاول البقاء على تواصل معهم في كل أنحاء العالم سواء رياضيين أو إعلاميين، وهذا هو أغلب ما أفعله حاليا في تونس.
وأكد كرشاوي أن يحاول استغلال هذه الفترة لتعلم أمور جديدة، ويقول: هناك أيضا محاولات لكي أحسن نفسي في مجال جديد علي، وهو تحسين قدراتي في مونتاج الفيديو، فهي بالعادة ليست من نشطاتي، كوني أعمل كمعلق وكصحفي وعملي لم يكن يتطلب مني مونتاج الفيديو، ولكن أحاول استغلال هذه الفرصة وتعلم استخدام البرامج والتطبيقات الموجودة لكي أحصل على فائدة خلال هذه الفترة من الجلوس في البيت خلال فترة الحجر.
رياضة في المنزل
على الرغم من عدم وجود أي حالة مسجلة داخل سوريا حتى الآن، إلا أن الحكومة في سوريا ورغم ما تعانيه البلاد من حرب امتدت لما يقارب 9 سنوات، اتخذت خطوات عديدة وجدية في مواجهة خطر فيروس كورونا قبل أن ينتشر، وأغلقت المقاهي والمطاعم وغيرها من الأماكن العامة، كما وطالبت المواطنين بالتزام منازلهم قدرالإمكان.
المترجم محسن حرفوش قرر إلزام نفسه الجلوس في البيت، على الرغم من عدم صدور أي أمر حكومي بذلك، ويتحدث عن تجربته في الحجر المنزلي: في الفترة الماضية رأينا هناك عدة إجراءات تطبق بشكل تدريجي، لذلك أعتقد أن الشخص يجب أن يفكر بمرحلة قد يضطر فيها إلى عدم الخروج من البيت بتاتا، وفي حال لا سمح الله سجلت أول حالة في سوريا، فمن الممكن أن يشكل ذلك حالة هلع أو خوف لدى الناس.
ويتابع حرفوش: الناس غير مستعدة نفسيا لموضوع الحجر، لذلك رأيت أنه من الأفضل البدء بالموضوع قبل أن أكون مجبرا على ذلك، ومن أجل ذلك أحاول دعوة الناس المحيطين بي والأصدقاء بالبدء بمبادرة حجر طوعي.
ويقول المترجم السوري: أنا شخصيا واحد من الناس التي كان لديها القدرة العمل عن بعد، كون معظم عملي في مجال الترجمة الرسمية والوثائق، فلذلك أحاول أن استقبل الأوراق المطلوب ترجمتها عبر الإنترنت بدلا من القدوم شخصيا، والاتفاق على تاريخ محدد لاستلام هذه الأوراق، طبعا مع اتباع إجراءات التعقيم وغيرها.
وعن أبرز النشاطات التي يقوم بها من داخل المنزل يتحدث محسن ويقول: حاليا عملت قائمة بالكتب التي كنت أنوي قرائتها ولكني لم أجد الوقت، كما أن فترة أسبوعين هي فترة كافية لتعلم أشياء جديدة، لذلك من الممكن أن أتعلم خلال هذه الفترة لغة جديدة أو إحدى لغات البرمجة على سبيل المثال، ولكن أول ما سأقوم به حاليا هو قراءة مجموعة مسرحيات للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، وهي موجودة لدي على المكتب منذ فترة طويلة ولكني لم أستطع قراءتها، والآن قد جاء الوقت المناسب.
ويتابع: وبما أن النادي الرياضي الذي كنت أمارس فيه التمرينات أغلق، فقمت بشراء بضع أدوات لممارسة الرياضة في المنزل، حيث أن البقاء لفترة أسبوعين في المنزل قد تسبب إرهاق نفسي، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن ما يؤدي إلى تقليل المناعة، ولكن في الوقت نفسه زيادة الإرهاق من الرياضة قد يؤدي أيضا إلى تقليل المناعة.
وأردف حرفوش: بما أني من هواة التصوير ولم أمارسها منذ فترة طويلة بسبب العمل، سأحاول توثيق تجربتي خلال فترة الحجر الطوعي، وسجل الحياة في الجوار حتى تمر هذه الفترة الحرجة.
ويتحدث محسن عن أهمية الخطوة التي اتخذها بشكل طوعي: أرى فترة الحجر لأسبوعين ضروروية، لتظهر إن كان أي شخص مصاب من دون علمه، بحيث لا ينقل المرض إلى الأشخاص الآخرين، قبل أن يتحول الحجر إلى إجباري في البلد.
ويتابع: للأسف حتى لو أن نسبة عالية من الناس متقبلة موضوع الحجر، أرى أن على الجميع تقبل ذلك، فلو تم الحجر على الجميع من عدا نسبة ضئيلة جدا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج كارثية، هناك بعض الناس تضررت فعلا بسبب هذا المرض لإغلاق المحلات التي يعملون بها وغيرها، ولكن النسبة العليا من سوريا يعملون كموظفين، والدولة بحسب رأيي عملت ما عليها وأعطتهم الإجازات وخففت أعداد العاملين، فلذلك معظم الناس ليس لديهم حجة حول ذلك، ولكن مع ذلك هناك من يستمر بالخروج والتجول وكأن الموضوع نزهة، حتى أن هناك من أسماه عيد الكورونا.
ويستطرد: حسب ما أرى في المحيط المباشر الحركة خفت نوعا ما، لكن قد يكون الأمر أقل في مناطق مختلفة ويمكن رؤية ذلك على صفحات التواصل الاجتماعي.
وقت أطول مع الأطفال
رغم وصول الإصابات في قطر إلى 442 إصابة، لم تفرض الحكومة القطرية أي حظر أو منع للخروج من المنزل، بل اقتصرت على الطلب بالبقاء في المنازل، مع إغلاق معظم الأماكن العامة حتى إشعار آخر.
طبيب الأسنان علي الحسيني من قطر والذي يرى بأن الإجراءات المتخذة في بلاده على مستوى جيد جدا، وبأن الحالة لا زالت تحت السيطرة، يتحدث عن الحجر الصحي: الحجر في قطر ليس إجباري حتى الآن بل تم الطلب بعدم الخروج إلا عند الضرورة، على الرغم هي الدولة التي سجلت أكبر عدد إصابات في الخليج، وهي الثانية في المنطقة بعد إيران، وهي تحاول برهنة المستوى الصحي العالي لديها نظرا لتنظيمها بطولة كأس العالم القادمة.
ويتابع الحسيني: طبعا جميع القادمين إلى الدولة يخضع إلى حجر صحي إجباري، بالإضافة إلى إغلاق جميع الأماكن العامة من المراكز التجارية والحدائق وغيرها، ولم يبقى إلا محلات المواد الغذائية.
ويكمل طبيب الأسنان: طبعا المواطن لا يخرج إلا عند الضروروة القصوى، ولكن في المقابل الحكومة عوضت جميع المتضررين من هذا الأمر، فدفعت الإيجار لكل من أغلق محله، وكل ملتزم بقروض بنكية لا يستطيع دفعه بسبب توقفه عن العمل أجلت له القرض لمدة ستة أشهر.
ويضيف: بشكل عام في الخليج من دون فيروس كورونا لا نستطيع التجول بشكل كبير بسبب الحرارة العالية، وليس لنا متنفس سوا المراكز التجارية والحدائق وجميعها أغلقت حاليا، لذلك نجلس الآن في المنزل بشكل إجباري.
ويتحدث الطبيب القطري عن نشاطاته الحالية في المنزل ويقول: حاليا في البيت أقضي وقتا أطول مع أولادي في البيت، بالإضافة إلى مشاهدتي التلفاز أو الأفلام مع زوجتي، حيث قبل ذلك كنا قد قسمنا الأسبوع بأن أتابع كرة القدم أيام السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء، وباقي أيام الأسبوع هي من تختار ما نشاهده، أما الآن بعد إيقاف جميع النشاطات الكروية حول العالم أصبحت كل إيام الأسبوع ملكا لها، وأحيانا ألعب ألعاب الفيديو.
ويتابع: وبسبب طبيعة عملي كطبيب أسنان لا زلت أذهب إلى عملي، ولكننا لا نستقبل إلا الحالات الإسعافية، أما الحالات التجميلية وغيرها فنحاول تأجيلها إن لم يكن المريض مضطرا على ذلك، وطبعا مع اهتمام عالي بموضوع التعقيم وغيره.
ويكمل علي: هناك مشكلة أننا لم نعد نستطيع إخراج الأولاد في نزهات أو رحلات، حيث كنا نقضي بعض الوقت في الحدائق أو على الشاطئ، أما الآن فأخرجهم بالسيارة فقط وممنوع عليهم الخروج منها، من أجل تعريضهم لأشعة الشمس، حيث أن الأطفال يحتاجون إلى فيتامين د، وأقوم برشوتهم عبر شراء بعض الأمور التي يحبونها كالمثلجات وغيرها.
نشر الوعي بين الناس
الحكومة الأردنية اتخذت ما يمكن اعتباره أكثر التدابير حزما في البلاد العربية، حيث أقر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قانونا يمنح الحكومة صلاحيات واسعة لفرض حالة الطوارئ بموجب قانون الدفاع.
هذا أتاح للحكومة الأردنية الطلب من مواطنيها البقاء في المنازل وعدم الخروج إلا في حالات الطوارئ، ومنعهم من السفر بين المحافظات، ونشر الجيش على مداخل المدن ومخارجها للمساعدة في تنفيذ هذه الإجراءات.
وتحدث دكتور الأسنان الأردني عبد الله القضاة عن هذه الإجراءات ويقول: معظم الشباب في الأردن وقبل فرض قانون الدفاع كانوا يطالبون بحظر التجول، بسبب تخوفهم من انتشار هذا المرض، صحيح أن الجلوس ممل في المنزل لكننا نحاول من خلال وسائل التواصل الإجتماعي أن يكون هناك تواصل بين الشباب.
ويتابع: نحن كأطباء أسنان نتناقل فيما بيننا الاحتياطات الواجب اتخاذها، ونحاول نشر الوعي بين الناس، وأن نهدأ الناس، ويوم أمس عملت فيديو عن جلالة الملك وقانون الدفاع الذي تم فرضه، حتى يحس الناس بقيمة الجيش ورفع معنوياتهم.
وعن الجلوس في البيت يقول القضاة: الجلوس في البيت ممل في الحقيقة، وأنا أب لطفلين نبدأ الفترة الصباحية كأننا في المدرسة، نفطر وندرس ونحل الواجبات الدراسية، بعد ذلك نلعب قليلا بألعاب الفيديو، ونعود إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ونحاول ملئ الوقت.
ويكمل حديثه: ليس لدينا وسائل الترفيه في الواقع، لكننا نحاول ابتكار أشياء نخفف من خلالها وطئة الجلوس في المنزل، لا شك أن الموضوع صعب، لكن يجب علينا تحملها، اختلفت الحياة علي تماما، أنا من الناس الذين قليلا ما يتابعون التلفاز، لكن الآن الأمر مختلف كليا، أحسست بقيمة التلفاز وكيف يمكن أن يملأ وقت الفراغ.
وعن حالته في الوضع الراهن يكمل الطبيب الأردني: كان معظم وقتي خارج البيت إن كان في العمل أو غيره، فتخيل حالتي الآن وأنا محبوس في البيت، صحيح أني تعرفت أكثر على زوجتي وأولادي خلال هذه الفترة، لكن وقتي أصبح معظمه على التلفاز بين الأخبار والمسلسلات والأفلام، كمحاولة لتمضية هذا الوقت، لو ما فعلنا ذلك وحبسنا أنفسنا 14 يوما، لا سمح الله من الممكن أن نبقى محبوسين لفترة أطول بكثير.
حول تقبل الناس لموضوع الحجر في الأردن يقول الطبيب عبد الله: إن ما حدث في الصين جعل حالة التأهب عالية جدا في الأردن، ونحن شعب يخاف على صحته كثيرا، بسبب شح الإمكانيات المادية عند الأشخاص، ونحن من الشعوب التي تحاول أن لا تمرض، لأننا نكسب قوتنا كل يوم بيومه، صحيح أن هناك استهتار من قبل بعض الناس، لكن الذي طغى على الجميع هو الالتزام.
ويختم حديثه: الشعب طلب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فرض قانون الدفاع، وفرض حظر التجول، وحتى الآن نحن مسجل فقط 48 في الأردن، وهي أرقام تعتبر ممتازة، وهناك سيطرة واضحة الحمد لله، والشعب وعي لهذا الأمر والكل ملتزم ببيته، وهناك فرق تطوعية كثيرة سواء على مواقع التواصل أو في الشوارع، تحد من تجول الناس واجتماعها في الأماكن العامة، أغلب الأماكن أغلقت وبقيت فقط المحلات الغذائية والمخابز، ومفروض عليها رقابة.