تم اتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة انتشار الفيروس وبدايتها كان لعب المباريات بمدرجات خالية، لتتوسع بعد ذلك وتوقف المسابقات الرياضية في جميع الدول، ويأتي بعد ذلك تأجيل أهم المسابقات المدونة على الرزنامة الدولية، وأهمها بطولة أمم أوروبا وكوبا أمريكا والألعاب الأولمبية.
هذه الخطوات ألقت بظلالها على الرياضة بشكل عام وعلى كرة القدم تحديدا، فالمال الذي أصبح يشكل عصب الرياضة في العصر الحالي، تلقى ضربة كبيرة بتوقف النشاط الرياضي، نتيجة مصاعب كبيرة تواجهها الأندية متمثلة بحجم الرواتب والنفقات الكبيرة، مقابل توقف الموارد تماما خلال الفترة الحالية.
خسائر الرياضة
لا يمكن حتى الآن تقدير الخسائر الناتجة عن توقف المسابقات والبطولات الرياضية، لكنه من المؤكد أنها أرقام فلكية، نظرا للاستثمارات والعقود الكبيرة في هذا المجال، وستخلف أضرارا كبيرة على المدى الطويل على الرياضة.
وعن هذا الموضوع اتصلت "سبوتنيك" بالصحافي الرياضي المختص بالكرة الأوروبية عماد الأميري، والذي تحدث عن هذه الخسائر: بطبيعة الحال الخسائر أصبحت كبيرة جدا، حتى أن بعض الأندية أصبحت مهددة بالإفلاس الحقيقي والاختفاء من جغرافية كرة القدم العالمية، في حال لم يتم استكمال البطولات الأوروبية، حيث أن هناك خسارات تتعلق بعائدات البث التلفزيوني وهو الرقم الأكبر لمدخول أي نادي، هناك خسائر تتعلق بالتذاكر والمحال التجارية.
ويتابع الأميري: هذا كله سيترك أثر كبير جدا على الأندية الرياضية، وحتى فيما يتعلق بالتعامل مع اللاعبين والقدرة الشرائية السوقية للاعبين، ورغم انخفاضها ستبقى ضمن الأزمة المالية الكبيرة التي وقعت فيها الأندية، بعض الأندية لن تتمكن من دخول الميركاتو الصيفي بشكل كبير أو بالقدرة الشرائية ذاتها، لأن هناك حسابات تتعلق بأجور اللاعبين.
ويردف الصحفي السوري: نتحدث عن صراع حالي في العالم بين صوت المال وبين الصوت الإنساني، صوت المال يريد استكمال البطولات بأي طريقة، بينما الصوت الإنساني مستعد حتى لإلغاء البطولات في سبيل صحة الجميع.
ويواصل حديثه: شاهدنا في السنوات الأخرى تضخم كبير في أرقام صفقات اللاعبين، وعبر التاريخ كان هناك تسعة لاعبين تخطوا عتبة المئة مليون، وإذا اعتبرنا الويلزي غاريث بيل واحدا منهم حيث أن الأرقام غير المعلنة تقول بأنه بمئة وواحد مليون فسيكونون عشرة فقط.
وينوه: في هذا الصيف كان من المنتظر أن يكون هناك لاعبين أو ثلاثة بأكثر من مئة مليون يورو، ولكن ضمن الأزمة المالية الحالية يمكن أن لا يتم تخطي هذه العتبة، بل على العكس يمكن أن نشهد أرقام أقل بكثير، وربما هذا كان من حظ بعض الأندية التي ستحتفظ بلاعبيها، بسبب عدم قدرة أندية أخرى على شرائهم.
كذلك كان رأي الإعلامي الصحفي الرياضي المصري عبد العظيم راغب في حوار مع وكالة "سبوتنيك" والذي يرى بأن فيروس كورونا خيم على كافة مفاصل الحياة العامة حول العالم، وأثار قرارات استثنائية وشلل تام في كثير من القطاعات، كالاقتصادي والفني وغيره، وأصاب القطاع الرياضي بضرر كبير وخصوصا كرة القدم، فأوقف جميع الدوريات المحلية والمسابقات القارية، وأحدث تأجيل غير مسبوق لأهم المسابقات الدولية.
ويقول راغب: عندما نتكلم عن الخسائر المادية فهي كبيرة جدا، وخصوصا في الدوريات الخمس الكبرى، ونجد المنطقة العربية تأثرت بشكل كبير جدا في المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وغيرها من الدول التي هي بمستوى أقل من الدوريات العالمية.
وأعطي هنا مثالا على ذلك في إنجلترا الخسائر حيث تجاوزت حاجز 150 مليون استرليني ستتكبدها الأندية فقط لمسألة التوقف، وفي حال إلغاء المسابقات ستصل الخسائر إلى ما يقارب 750 مليون جنيه، وفي دولة مثل إيطاليا تخسر 28 مليون يورو عن كل جولة تم تجميدها قبل التوقف.
ويواصل الصحفي المصري قوله: المشكلة الحقيقية هنا ليست لدى الأندية الكبيرة، فهي تملك عائدات ثابتة ومداخيل متعددة من حضور جماهيري وعقود رعاية، لكن الأندية الصغيرة ستضرر بشكل أكبر لعدم توافر دخل ثابت، وهذه كارثة بالنسبة لها، لأنها لن تستطيع في هذا التوقيت دفع رواتب اللاعبين.
ويكمل: عند الحديث عن مداخيل البث للبطولات، التوقف سيقلل من قيمة المسابقة خلال الأعوام القادمة في حال تراجع نسبة المشاهدة، ورابطة الدوري الإيطالي طالبت الحكومة بأن تعوضها عن الخسائر التي وصلت تقريبا إلى 720 مليون يورو، حيث أن إيطاليا من أكثر الدول تضررا من جراء فيروس كورونا.
ولفت النظر إلى أن تأجيل أولمبياد طوكيو إلى عام 2021، سيكلف اليابان خسائرا بقيمة 5.8 – 6.1 مليار دولار، لذلك الأندية ستخسر والاتحادات كذلك والرياضة بشكل عام ستخسر من هذه الأزمة.
أجور وصفقات اللاعبين
من المتوقع أن تنعكس هذه الخسائر في المقام الأول على أجور اللاعبين وعقودهم، وإلى أي مدى ستكون هذه الأضرار يجيب الأميري ويقول: شاهدنا أن المنظمات الرياضية والأندية واللاعبين قرروا اتخاذ تضحيات كبيرة من أجل سير العملية الرياضية، وتم تأجيل بطولات كبيرة لم يكن من المتخيل أن تؤجل في يوم من الأيام، وهذا تطلب تضحية كبيرة من الجميع.
ويكمل: قرأنا أن بعض الأندية تريد أن تخفف من أجور بعض اللاعبين أو تقتطع منها خلال فترة التوقف، للمحافظة على التوازن المالي الموجود لديها، وعلى سبيل المثال أيضا هناك صراع في الدوري الألماني، حيث سمعنا تصريح للرئيس الرياضي لنادي بوروسيا دورتموند وكيف يتهم الأندية بأنها لم تأخذ احتياطها لأي أزمة مالية قد تنشأ، لذلك رفض أن تساعد الأندية الكبيرة مثل بايرن ميونخ ودورتموند الأندية الأخرى التي تعاني، ومنها أندية في الدرجة الأولى مثل فيردر بريمن المهدد بالإفلاس إذا لم يستكمل الدوري.
ويضيف الأميري: ربما نشهد تضحيات فردية من اللاعبين في سبيل الأندية التي يلعبون لها، وربما هناك لاعبون آخرون ربما لا يرتضون بمثل هذه التضحية، وبالتالي من سيضحي هو النادي وليس اللاعب، وسيتحمل أعباء إضافية ربما أكثر، ولكن أي تعاقد جديد أعتقد أن الأجر السنوي سيؤخذ بعين الاعتبار قبل إتمام أي عقد ربما خلال السنتين أو الثلاث القادمة، حتى تستب الأمور المالية للأندية الكروية.
كذلك يرى الصحفي عبد العظيم راغب حيث يعتقد أن أول المتضررين هم اللاعبين، ويوضح: مع تدهور الحالة الاقتصادية سيترتب على ذلك تدهور بورصة اللاعبين والأجور التي يتقاضاها هؤلاء اللاعبين، والأندية بدأت بإعداد خطة لمجابهة تداعيات فيروس كورونا، وعلى سبيل المثال برشلونة يتجه الآن لتخفيض التكاليف الإجمالية للنادي، وسيخفض أجور اللاعبين والموظفين الذي يستهلكون 61% من ميزانية النادي.
ويضرب مثالا على ذلك: نرى الآن أن 42 نادي في إسباني في الدرجتين الأولى والثانية سيتم تخفيضها بنسبة 10%، وذلك في حال استئناف المسابقة وليس إلغاءها، فما بالك بالإلغاء، ورئيس الاتحاد الإيطالي أكد بأن رواتب اللاعبين يجب أن تخفض بين 20-30 بالمئة عن الأرقام الحالية.
ويتابع: عندما نتكلم عن 4 أندية بالتحديد هي ريال مدريد وبرشلونة وباريس سان جيرمان واليوفي، وهي أكبر أندية في العالم، وتضم لاعبين من أعلى مستوى، فريال مدريد مثلا يريد ضم سانيو ماني ولكن الحالة الاقتصادية لديه متوقفة، والتالي هو خسر صفقة كبيرة مثل ساديو ماني، وباريس سان جيرمان يريد ضم رياض محرز، وغيرهم من النجوم الذين تريد الأندية الكبيرة ضمهم، وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي يمكن أن ننسى عن مثل هذه الصفقات.
ويضيف الإعلامي عبد العظيم راغب: الأزمة على الكل من أندية صغيرة وكبيرة ولاعبين، فالمشكلة واحدة وما يصيب برشلونة يصيب ريال مدريد وباريس سان جيرمان وغيرها من الأندية، وفي حال تم تقليص رواتب اللاعبين، فمحمد صلاح مثلا لو أراد الانتقال في الوضع الحالي سينتقل إلى نادي كبير، وهذه الأندية الكبيرة تتعرض لأزمة اقتصادية ولديها قلة في الموارد، فكيف لها أن تشتري لاعب مثل محمد صلاح؟.
ويستطرد: ما يسري على محمد صلاح سيسري على ميسي وعلى غيرهم من اللاعبين، وسيوافقون على تخفيض قيمة راتبهم، وأستطيع أن أؤكد لك أن الاتحادات الكبرى إسبانية وإيطالية وألمانية وغيرها يعملون على اتفاقيات لتحديد قيمة اللاعبين، لكي تحافظ على اللاعبين داخل المسابقات، ومنع اللاعبين من الانتقال بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية.
تراجع الرياضة
وعما إذا ما كانت هذه الأزمة ستؤثر على مختلف المستويات فيما يخص كرة القدم والبطولات العالمية والمحلية من، يقول الصحفي المختص في كرة القدم الأوروبية عماد الأميري: أعتقد أن ما شهدناه في إيطاليا على سبيل المثال بعد فضيحة الكالتشيو بولي عام 2006، هو نفسه ما سنشهده الآن في أي دوري رياضي، ربما يكون الدوري الإنجليزي هو الأقل تأثرا نظرا للقيمة التجارية الكبيرة له، ولكن سيكون هناك تأثير بالتأكيد.
ويكمل: ستتراجع كرة القدم في العالم وفي أوروبا تحديدا من الناحية المالية والاقتصادية، فكما شهدنا الإندية الإيطالية لم يكن لديها القدرة الشرائية للمنافسة على مستوى أوروبا، على مدى 10 أعوام حتى استعادت عافيتها تقريبا منذ عامين أو ثلاثة، وتحديدا نادي يوفنتوس وليس كل الأندية الإيطالية.
ويضيف الأميري: نعم سيكون هناك هزات كبيرة لأندية عديدة، وسيكون هناك أندية مضطرة لبيع لاعبيها ربما بالجملة، من أجل الحفاظ على توازنها المالي، وكما نعلم أن هناك ربما أندية وأياكس وأيندهوفن وبورتو اعتادت على أن تكون مثل السوبر ماركت، والآن ربما هناك أندية أخرى تلعب هذا الدور.
وعن المستوى الفني لكرة القدم، يقول الصحفي السوري: أما على المستوى الفني بالتأكيد ستتأثر، فكرة القدم أساسا في تراجع مخيف، وهناك افتقار للمواهب في كرة القدم، فأصبح اللاعب يصنع وليس هناك مواهب، وشاهدنا كيف أن أوروبا تسيطر على كأس العالم في النسخ الأربع الأخيرة، في غياب تام للبرازيل والأرجنتين.
ويتابع: على هذا الأساس نشاهد أن المستقبل لصناعة اللاعبين وليس لموهبتهم، ومع هذا التوقف أيضا سنشهد تراجعا أكبر، هناك بعض اللاعبين ربما سيكونون أكبر مع السنة القادمة، فمن يتحدث عن سوبر ستارز في عالم كرة القدم يتحدث عن ميسي ورونالدو وربما نيمار، ولكن بعيدا هؤلاء هناك فجوة كبيرة مع بقية اللاعبين، لذلك هي متأثرة أساسا وستتأثر أكثر خلال السنوات المقبلة.
فيما يتوقع الصحفي عبد العظيم راغب أن الآثار التي ستكون على كرة القدم كبيرة وسلبية جدا، ويوضح قصده: هناك عواقب مستقبلية كبيرة جدا بسبب فيروس كورونا، فهناك عقود تربط الأندية والاتحادات بالجهات المالكة لحقوق البث، وهذه الأزمة من شأنها أن تخفض حقوق البث، وفي العام القادم جميع البطولات ستقل قيمتها التسويقية، وبالتالي سيكون هناك أزمة ستؤثر على الرواتب والعوائد.
ويكمل: أيضا هناك موضوع عقود اللاعبين التي ستنتهي في 31 من شهر حزيران/يونيو، وفي حال تم استكمال الموسم ما بعد شهر حزيران فماذا ستفعل الأندية مع اللاعبين التي تنتهي عقودها، هل ستمدد العقود إلى لفترة قصيرة لنهاية الموسم، أم أنها ستضطر للتخلي عن لاعبيها فيما تبقى من الموسم.
ويضيف راغب: نحن في موسم مجهول الهوية، فكيف سنعرف من هم أبطال المسابقات، ومن هم المتأهلين للأدوار القادمة، ومن هم الهابطين للدرجات الأدنى، وهذا يجعل اتحادات اللعبة أمام معضلة حقيقية، لذلك أعتقد أن عصر الترف للأندية انتهى، والأندية الكبرى تخطط الآن لتغيير معايير سوق الانتقالات.
ويستطرد: أما من الناحية الفنية كل الأندية منعت التدريبات دون استثناء، ومستحيل أي لاعب أن يلتزم بالتدريب في المنزل كما في النادي، بالإضافة إلى عدم وجود أدوات التدريب ووجوده إلى جانب زوجته وأولاده، والذي يجعل من ذلك فترة راحة سلبية وليست إيجابية، وهذا ما يؤثر على اللاعبين بشكل كبير، ولكي يعود اللاعبين إلى مستواهم فهم يحتاجون إلى فترة 3 أسابيع من التدريبات.
ويختم الصحفي المصري حديثه قائلا: هناك نقطة مهمة أيضا هي أن أندية الدرجة الثانية والثالثة بدأت بتسريح المدربين، من أجل تقليل النفقات، وهذا سيؤدي إلى بطولات من دون مدربين ولاعبين من دون تدريبات، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى تراجع المستوى الفني للبطولات كلها.
أيهم مصا