وتثير ظروف إقامة هؤلاء الكثير من الجدل بسبب مستوى الخدمات التي يصفها المقيمون في مراكز الحجر بالمتدنية وغير اللائقة، وهو ما دفع عددا منهم إلى المطالبة بنقلهم إلى فضاءات أخرى أكثر ملائمة لتمضية فترة الحجر الوجوبي المقدرة بـ14 يوما.
غربة في زمن الكورونا
زينب الجميعي واحدة من عشرات التونسيين الذين تم إجلاؤهم من قطر بعد رحلة قالت إنها كانت أسوأ ما عايشته في حياتها بسبب الظروف القاسية التي رافقت اغترابها وتأخر السلطات التونسية في إجلائها إلى تونس.
فرحلة العمل التي قادتها إلى الخليج تحولت إلى رحلة بحث مضنية عن مكان تأوي فيه بعد فقدانها لعملها الموسمي هناك واستنفاد نقودها وعدم تجاوب السفارة التونسية لاستغاثتها وتسريع عودتها إلى وطنها.
تروي زينب لـ"سبوتنيك" تفاصيل فترة الانتظار الطويلة التي قضاها التونسيون في قطر قبل إجلائهم قائلة "كنا عرضة للجوع حتى أن أحدنا باع سرواله لشراء ما يأكل، وبعضنا شرّد في الشوارع لولا تدخل بعض الجمعيات وفاعلي الخير، ناهيك عن الخوف الذي كان يرافقنا من اللإصابة بالفيروس خاصة في ظل ارتفاع عدد المصابين في قطر".
وتضيف "عدنا إلى تونس بعد محاولات مضنية في مراسلة وزارة الخارجية التونسية وضغوطاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام من أجل إجلائنا، لكن بعضنا بقي عالقا في قطر وعددهم 300، إما بسبب عدم قدرتهم على اقتطاع ثمن التذكرة أو بسبب الغرامات المفروضة عليهم، ومعظم هؤلاء هم أصحاب التأشيرات السياحية ممن لا يملكون شهادة إقامة، وهم اليوم رهن تنازل الكفلاء عن سداد الغرامات".
14 يوما من العزلة
العودة إلى تونس لم تكن نهاية المعاناة بالنسبة لزينب وغيرها من الوافدين ممن تمكنوا من الرجوع إلى بلدهم في 21 من أبريل/ نيسان 2020، إذ يتعين على الوافدين من بؤر انتشار الوباء الخضوع إلى الحجر الصحي الإجباري طيلة 14 يوما للتأكد من عدم حملهم للفيروس.
وتروي زينب لـ"سبوتنيك" اللحظات التي تقضيها حاليا داخل نزل بمحافظة سوسة قائلة "فوجئنا في البداية بالأوساخ التي كانت تغطي أرجاء المكان وبالأغطية القديمة التي لم يقع تغييرها منذ مدة فضلا عن خوفنا من الإصابة بالفيروس بعد انتشار الإشاعات بوجود مصابين سابقين داخل النزل ومعاينتنا لامرأة أسقطت حملها منذ اليوم الأول الذي وصلنا فيه إلى هنا".
وتضيف "وجبات الإفطار المقدمة لنا نظيفة ولكنها غير لذيذة فضلا عن كونها قليلة جدا ولا تسد حاجة الصائمين، وكذلك الأمر بالنسبة لوجبة السحور، فهم يكتفون بتقديم قطعة من "الكعك" لنا".
وتقول زينب إنها المرة الأولى التي تقضي فيها شهر رمضان بعيدا عن العائلة والأحبة وهو ما ضاعف شعورها بالعزلة وأنها تنتظر بفارغ الصبر حلول موعد خروجها وعودتها إلى حياتها الطبيعية.
غياب المخططات اللوجيستية
وتدعو منظمات حقوقية إلى تحسين ظروف إقامة التونسيين الخاضعين للحجر الصحي الإجباري خاصة في المبيتات الجامعية والمراكز الشبابية التي يفتقر بعضها إلى ضوابط حفظ الصحة، خاصة خلال هذه الفترة التي تتزامن مع حلول شهر رمضان.
وفي هذا الخصوص أفاد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير لـ"سبوتنيك"، أن المرصد عاين بعض النواقص سواء فيما يتعلق بإجلاء التونسيين من الخارج أو وضعهم في الحجر الصحي الإجباري.
وأكد عبد الكبير أن المرصد لاحظ نقصا في تطبيق الرقابة الصحية داخل مراكز الحجر وهو ما أدى إلى حدوث إخلالات، من قبيل اختلاط المقيمين ببعضهم والتجمع داخل فضاءات مشتركة وهو ما يهدد صحتهم نتيجة عدم احترام قاعدة التباعد الجسدي، وهو ما يعني امكانية حدوث العدوى.
كما نبه عبد الكبير من التأخر الحاصل في تقديم وجبات الإفطار عن موعدها المحدد.
وأضاف "لاحظنا غيابا شبه تام للإحاطة النفسية خاصة بالأطفال، في حين أن وجود المختص الاجتماعي والنفسي مهم جدا في مثل هذه الحالات وخاصة بالنسبة للعائدين من البلدان الموبوءة على غرار تركيا وفرنسا والذين عادة ما ترافقهم اضطرابات نفسية وخوف من امكانية الإصابة، فضلا عن الظرفية الخاصة في شهر رمضان المعروف بالاجتماع الأسري والتقارب العائلي".
ونبه عبد الكبير إلى ضرورة توفير امكانيات التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن جل المراكز التي قام المرصد بمعاينتها تفتقر إلى التلفاز والأنترنت، وهو ما من شأنه أن يضاعف عزلة المقيمين وإحساسهم بالخوف.
ويرى محدثنا أن هذه النقائص تعزى إلى غياب المخططات اللوجيستية وافتقار تونس إلى الخبرة في التعامل مع الأزمات الكبرى، معتبرا أنها لا تخفي المجهودات والنجاحات التي حققتها الدولة في الإحاطة بالمقيمين بالحجر الصحي خاصة بالنظر إلى عامل الوقت واضطرارها إلى تنفيذ اجراءات الحجر بشكل مفاجئ.
15 في المئة يقيمون في المبيتات والمراكز الشبابية
ومنذ انطلاق تنفيذ عمليات الحجر الصحي الإجباري في 21 من مارس/ آذار 2020 وإلى حدود اليوم، وضعت وزارة الصحة التونسية ما يقارب 8500 تونسيا داخل مراكز الحجر، غادر منهم نحو 2500 شخص بعد انقضاء مدة العزل والتأكد من عدم حملهم لفيروس كورونا، فيما بقي أكثر من 6000 آلاف وافد يخضعون حاليا للمراقبة الصحية وفقا لتأكيد رئيس اللجنة الوطنية للحجر الصحي في وزارة الصحة محمد الرابحي لـ"سبوتنيك".
وعن ظروف إقامتهم قال الرابحي إن اللجنة لا تنفي وجود بعض النقائص من قبيل غياب النظافة والتطهير أحيانا وتأخر إيصال الوجبات، مؤكدا أن اللجنة تعمل على تدارك هذه الإشكاليات وتحسين مستوى إقامة الوافدين على هذه المراكز.
وأضاف أن 85 في المئة من الخاضعين للحجر الصحي الإجباري تم إيوائهم داخل نزل سياحية، و12 في المئة في المبيتات الجامعية التي وضعتها وزارة التعليم العالي على ذمة وزارة الصحة، فيما تم توزيع الـ3 في المئة المتبقية على المؤسسات والمراكز الشبابية نتيجة استيفاء طاقة استيعاب النزل.
وأكد الرابحي أن اللجنة الوطنية تسعى إلى تأمين تطبيق الضوابط الصحية خاصة داخل المبيتات والمراكز الشبابية عبر تخصيص غرف وبيوت راحة فردية لكل مقيم لمنع الاختلاط وانتشار العدوى في حال وجود مصابين بينهم.
وعن الرقابة قال الرابحي إن هذه المراكز مؤمنة من الخارج لمنع دخول أطراف خارجية إليها أو خروج المقيمين منها دون إذن كما حدث في الأيام الأولى من تطبيق الحجر، مضيفا أن أعوان التطهير والنظافة والفرق الصحية ترشد الوافدين على هذه المراكز لضمان تطبيق قواعد الحجر وتقييم التزام المقيمين بها.
اجراءات استثنائية في رمضان
وفيما يتعلق بشهر رمضان وتأمين إفطار الوافدين على مراكز الحجر الصحي الإجباري، أكد رئيس اللجنة الوطنية للحجر الصحي لـ"سبوتنيك" أن اللجنة الوطنية أعطت الإذن للولاة للتعاقد مع طهاة من مختلف محافظات الجمهورية وعدم الاكتفاء بما كانت تقدمه الشركة المخصصة لذلك، مضيفا أن هذا الإجراء سيضمن تأمين وجبات إفطار بالكمية والجودة المطلوبة خلال شهر رمضان.
وأكد الرابحي أن اللجنة الوطنية للحجر الصحي تجتمع بشكل دوري لتدارس الإشكاليات الحاصلة وإيجاد الحلول للوضعيات الطارئة، فضلا عن التخطيط لاستقبال بقية التونسيين العالقين في الخارج والمقدر عددهم بالآلاف، وهو ما يستوجب ضمان مراكز ملائمة لإيوائهم لتجنب السيناريوهات السابقة.
واتخذت وزارة الصحة قرار إطلاق الإيواء الوجوبي لحاملي الفيروس في مراكز خاصة منذ 21 مارس/ آذار 2020 للحد من انتقال العدوى بين أسرهم ومعارفهم بعد ارتفاع نسق الإصابات الذي بلغ الى حد اليوم الخميس 980 حالة مؤكدة مقابل 294 حالة شفاء و40 وفاة.