درة محفوظي المولودة بمحافظة باجة شمال غربي تونس، حفظت تفاصيل القفز بالزانة كما تحفظ اسمها، وبرعت أيضا في دراسة ومهنة الطب لتحمل في مسيرتها لقبيْن أحدهما هواية والآخر مهنة وكلاهما يمثلان بالنسبة لها هوية.
بطلة بالصدفة
تقول درة محفوظي في حديثها لـ"سبوتنيك" إن تخصصها في رياضة القفز بالزانة كان محض صدفة، فمسيرة هذه البطلة بدأت مع رياضة الجيمناز عندما كانت في المدرسة الابتدائية بمحافظتها باجة شمال غربي تونس، قبل أن تنتقل إلى المعهد النموذجي بتونس العاصمة سنة 2009 أين تميزت في المسابقات التلمذية في القفز لمسافات بعيدة، ليكتشف أحد أعضاء اللجنة مهاراتها الرياضية وقدراتها الجسدية في القفز بالزانة وأصبحت ضمن الفريق الوطني التونسي في رياضة القفز بالزانة.
وتقول: "منذ ذلك الحين بدأت مسيرتي مع رياضة لم أكن أعرف عنها شيئا، بل إني لم أكن أعرف أنها موجودة في تونس، إلى أن مارستها وبرعت فيها"
وتضيف: "سنة 2010 كانت السنة التي حققت فيها أول نجاح لي بعد أن فزت بالميدالية الذهبية في القفز بالزانة ضمن الألعاب الأولمبية الصيفية للشباب".
نجاح أوقد طموح درة المحفوظي التي راكمت تجربتها في القفز بالزانة، وعددت محطات فوزها في المسابقات المحلية والإقليمية والقارية، فبعد عام واحد نجحت درة في كسب التحدي من جديد، وفازت بذهبيتيْن أخرييْن في بطولة أفريقيا لألعاب القوى للناشئين عام 2011، كما وشّحت المحفوظي بالذهب في البطولة العربية لألعاب القوى للشباب عام 2012 بإحرازها 3.55 مترا، إلى جانب سبع ميداليات بين برونزية وفضية وذهبية حققتها خلال مشاركتها في الألعاب الأفريقية في السنوات الثمانية المنقضية، آخرها كانت العام الماضي لدى تحطيمها الرقم القياسي في مسابقة القفز بالزانة في منافسة الألعاب الأفريقية التي احتضنتها مدينة الرباط بالمغرب، بعد أن حققت قفزة بعلو 4.30 مترا.
ضريبة النجاح
تقول درة إن "ضريبة النجاح لم تكن سهلة خاصة بالنسبة لطالبة في كلية الطب وطبيبة فيما بعد"، مشيرة إلى أن هذه الرياضة تستوجب تفرغا وتركيزا، لكن عزيمة البطلة التونسية كانت أكبر بكثير من أن تستسلم لعامل الوقت.
وتتابع المحفوظي: "دراسة الطب مرهقة، ومع ذلك لم أفكر في أن أستغني عن حلم الطفولة وأن أصبح طبيبة لكن الرياضة أيضا حياتي وهي بمثابة روتين يومي بالنسبة لي وهذا ما ساعدني حقا على التوفيق بينهما".
وتضيف درة: "رياضة القفز بالزانة تتطلب الكثير من الصبر والشغف والتضحية، كأن تقتص من وقت نومك وأن تستغني عن الخروج رفقة أصدقائك أو عائلتك في سبيل أن توفر وقتا أكثر للتدريب اليومي، وهذا ما كنت أفعله".
رياضة مهملة
وتروي المحفوظي بأسف لـ"سبوتنيك" أن الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة لا تولي اهتماما كبيرا بالرياضات الفردية وخاصة القفز بالزانة رغم النجاح الذي حققته درة وزميلاتها في الميدان على الصعيد الوطني والقاري.
تقول محدثتنا "لم أتحصل على زانة خاصة بي (عصا يستند عليها اللاعب للقفز) إلا بعد مضي خمس سنوات من بدء التدريب، وإلى ذلك الحين كنت أستخدم زانة قديمة لا تتناسب مع حجمي"، وتابعت "يملك لاعب الزانة عادة عشرين زانة على الأقل بينما لم أحصل سوى على خمس زانات خلال العشر سنوات المنقضية، وهو ما أثر سلبا على مردودي".
هذه العوائق تأكد درة أنها لم تثنها عن المثابرة وبذل جهد أكبر لتكون ضمن الرياضيين الأوائل الذين سيتم اختيارهم هذا العام من بين 32 رياضيا للمشاركة في الألعاب الأولمبية اختصاص قفز بالزانة.
حلم يقول مدرب درة عياد بن رحيم، إنه ليس بعيد المنال خاصة مع ما تملكه درة من مؤهلات رياضية ومستوى عال من الذكاء والتركيز والمثابرة.
بطلة في مواجهة الكورونا
وفي كل هذا، لم تنس درة المحفوظي دورها كطبيبة، إذ كانت ضمن العشرات من الأطباء التونسيين الذي تطوعوا مجانا لمساندة جهود وزارة الصحة التونسية في مجابهة فيروس كورونا الذي أصاب الى حد اليوم السبت 1156 شخصا وتسبب في وفاة 50 مواطنا تونسيا.
مهمة درة لم تكن سهلة، إذ تجندت مع ثمانية أطباء ضمن خلية المتابعة اليومية للمصابين الجدد بفيروس "كورونا" المستجد المسبب لمرض (كوفيد-19) التي تتولى أخذ العينات من المواطنين الذين تظهر عليهم علامات الوباء.
تقول درة "كانت المهمة خطرة، فأي مريض مرجح لأن يكون مصابا بالوباء، ومع ذلك أعتبرها تجربة ثرية ومهمة في مسيرتي كطبيبة وهي أيضا مصدر فخر لي في أن أدعم جهود الجيش الأبيض في بلدي في مجابهة وباء كورونا".
وتأكد درة أن رياضة القفز بالزانة ساعدتها كثيرا في عملها كطبيبة، موضحة "تخصصي الرياضي علمني الصبر ومكنني أيضا من التحكم في انفعالاتي وفي التركيز أيضا والتعامل مع الأمور بدقة، لذلك أجد أن الرياضة والطب متكاملان".