ويذكر أن عمليات ضخ النفط والغاز في الجنوب التونسي قد توقفت كليا بعد إقدام المحتجين في منطقة الكامور العازلة على غلق محطة الضخ الرئيسية التي تنقل 40 في المئة من إنتاج تونس من النفط و20 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي، في خطوة تصعيدية لدفع الحكومة إلى التفعيل الفوري لاتفاق الكامور القاضي بتشغيل العاطلين عن العمل وتمويل صندوق التنمية بالجهة.
وضعٌ قاد وزير الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي منجي مرزوق إلى إطلاق صيحة فزع، والتنبيه إلى أن تونس أصبحت في مواجهة خطر محدق بنفاذ امدادات الغاز عن محطات الإنتاج الكهربائي التي تعتمد بشكل شبه كلّي على الغاز الطبيعي لتزويد البلاد بالكهرباء، في وقت تقترب فيه نسب الاستهلاك من مستوياتها القصوى.
وأكد مرزوق أن البلاد دخلت مرحلة على غاية من الحساسية بعد توقف آلة الإنتاج في الفسفاط والمجمع الكيميائي وإيقاف الإنتاج من النفط والغاز بحقول الجنوب التونسي ما تسبب في "ضرب مرافق حيوية للدولة وتعطيل انتاج قطاعات أكثر من حساسة".
وقال الوزير إن "مزودي تونس من الغاز في الداخل والخارج بدؤوا يلوّحون بقطع الإمداد عن بلادنا، أو بملاحقتنا في المحاكم الدّوليّة لمطالبتنا بسداد ما علينا من التزامات".
وتواجه تونس صعوبات مالية كبرى حالت دون تمكنها من دفع ديونها للشركات التي تزودها بالطاقة وخاصة منها شركة سونطراك الجزائرية التي تمدها بـ 60 بالمائة من الغاز الطبيعي، نتيجة انخرام الميزان المالي للدولة وخسارة الإنتاج المحلي بسبب الإضرابات المتكررة منذ 10 سنوات وهو ما عمق عجز ميزان الطاقة وفاقم الطلب على الواردات.
عجز عن الاستيراد وحلول مفقودة
ونوه بن جميع إلى أن تونس فقدت 50 بالمائة من انتاجها للغاز وليس من احتياجاتها، مؤكدا أن إنتاجها المحلي لا يكفي لسد احتياجاتها، على اعتبار أنها تضطر سنويا إلى استيراد أكثر من نصف الكمية من الجزائر.
واعتبر بن جميع أن الحلول التي اعتمدها الحكومة عبر توقيع اتفاقيات تشغيل مع المحتجين في الشركات البيترولية لم تكن سوى حلولا ترقيعية وغير جدية، على اعتبار علمها بأن المؤسسات النفطية عاجزة عن استيعاب طاقة تشغيلية كبرى، قائلا إنه "من غير المعقول أن تطالب الحكومة أي شركة بدفع أجور لموظفين لا عمل لهم ينجزونه".
وبيّن الخبير في مجال الطاقة أن الحل الحقيقي والوحيد يكمن في "وضع إطار تنموي جديد للجهات البيترولية المهمشة خاصة وأن العديد من الشركات مثل شركة فسفاط قفصة أو الشركات النفطية أبدت استعدادها لمساعدة المواطنين الراغبين في انجاز مشاريع تنموية في مناطقهم، وهو ما سيوفر مواطن شغل جديدة".
مراجعة الاتفاقيات السابقة
وإلى جانب تعطيل الإنتاج، قال بن جميع إن تونس تعاني من معظلة أخرى أشد خطورة تتمثل في تمسك جميع الحكومات المتعاقبة بالإبقاء على الاتفاقيات السابقة سواء في مجال الطاقة أو المناجم دون مراجعتها.
وأكد بن جميع أن الحكومات السابقة مددت في هذه الاتفاقية بجميع امتيازاتها دون النظر إلى مصلحة تونس، مشددا على أن القانون لا يفرض التمديد في الامتياز عند انتهاء عمر الاتفاقية.
وأشار المتحدث إلى أن الحكومة القادمة تملك فرصة حقيقية لتغيير الوضع إلى الأحسن عبر مراجعة الاتفاقيات المبرمة في مجال الطاقة والمناجم وتغيير منوال التنمية في المناطق المهمشة بتفعيل مبدأ التمييز الإيجابي الذي نص عليه دستور 2014.
أزمة في الفوسفات وفقدان لحرفاء دوليين
وبالتزامن مع تراجع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي وتوقف إنتاج النفط والغاز، تسببت بدورها الاضرابات المطالبة بالتشغيل في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (الجنوب الغربي التونسي) في تسجيل خسائر هامة في إنتاج الفوسفات الذي تراجع بنسبة 36 في المئة، حيث لم تتجاوز الكميات المنتجة حدود 2.1 مليون طن منذ بداية السنة الحالية إلى تاريخ 02 آب/أغسطس الجاري، في وقت توقعت فيه الشركة بلوغ ما لا يقل عن 3.3 مليون طن.
وكان المدير المركزي للإنتاج بشركة فسفاط قفصة خالد الورغي قد أعلن مؤخرا أن حصيلة شهر تموز/ يوليو 2020 كانت الأسوأ منذ مستهل العام الجاري، إذ لم تتجاوز كميات الفسفاط التجاري المنتجة 120 ألف طن مقابل توقعات بتحقيق 480 ألف طن.
وبحسب نفس المصدر، فإن موجة الاحتجاجات التي يقودها طالبو الشغل منذ أواخر شهر أيار 2020 قد تسببت في تعطيل نشاط الشركة في استخراج الفوسفات وإنتاجه. وهو تعطيل طال إلى حد اليوم 5 وحدات لإنتاج الفوسفات التجاري في الرديف وأم العرايس والمضيلة وفي معامل المجمع الكيميائي بقابس.
وانتقد درويش الانتدابات التي عمدت الحكومات السابقة على تفعيلها لإسكات المحتجين والتي "تكلف الدولة سنويا 140 مليون دينار مقابل طاقة إنتاجية تساوي صفر".
ويتفق درويش مع الخبير غازي بن جميع، في أن الحل يكمن أساسا في تغيير منوال التنمية في منطقة الحوض المنجمي وخلق فرص تشغيل أخرى للشباب خارج حدود الفوسفات، قائلا: "في غياب رؤية جديدة لتنويع الاقتصاد في الحوض المنجمي سيضل الإشكال قائم الذات".
وكانت وزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي قد وقعت اتفاقا، يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 4 أغسطس/ آب الجاري، مع المحتجين، يقضي بالرفع الفوري للاعتصامات في محافظة قفصة لمدة ثلاثة أشهر بداية من تاريخ الاتفاق، مقابل الشروع في التفاوض حول آجال تفعيل الاتفاقيات المبرمة سابقا حالما يتم تشكيل الحكومة الجديدة لكن الاحتجاجات لم تهدأ وفقا للاتحاد العام الجهوي للشغل بالمحافظة.