وأثارت هذه الزيارات أسئلة عدة حول ما تريده الولايات المتحدة من الجزائر، خصوصا بعد مرور أكثر من 15 عاما على زيارة دونالد رامسفليد، آخر مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور الجزائر، ومع تصريح إسبر وتمنيه بأن تكون زيارته سببا في تدعيم الشراكة والصداقة الجزائرية الأمريكية.
توسيع نفوذ
شملت زيارة إسبر ثلاث دول مغاربية، فحل ضيفا على كل من عواصم تونس والجزائر والمغرب، والتقى كبار المسؤولين فيها، ليعكس طموح بلاده في توسيع النفوذ هناك، بعد غياب عن الساحة الأفريقية لفترة طويلة، حيث كان التركيز الأمريكي منصبا على منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا الخليج العربي ومحيط إسرائيل، وبدت هذه الرغبة واضحة في تصريح الوزير الأمريكي بمواجهة النفوذ الصيني والروسي، فخرج بتصريح بعد لقاء المسؤولين في تونس، بأن عدم الاستقرار في المنطقة يفاقمه الأنشطة الخبيثة الصينية والروسية في القارة الأفريقية.
من الممكن إدراج التحركات الأمريكية ضمن الحرب الباردة الجديدة، التي اشتعلت تجاريا بين الولايات المتحدة مع الصين، بعد أن وضع العملاق الآسيوي أقدامه في القارة السمراء بكل ثقة، عبر مشاريع استثمارية واقتصادية ضخمة وتبادل تجاري كبير مع دول أفريقية، يقابل كل ذلك علاقات روسية متميزة جدا مع إفريقية، وتحديدا مع دول شمال أفريقيا العربية، واعتماد العديد من الدول الأفريقية على المعدات الروسية لتسليح جيوشها، وعلى رأسها الجزائر التي تعتبر أكبر شريك لروسيا في القارة الأفريقية، وتوج كل ذلك القمة الأفريقية الروسية العام الماضي في منتجع سوتشي، بحضور الكثير من القادة والمسؤولين الأفارقة.
وتثبت هذه الإدعاءات صحيفة "واشنطن بوست" والتي تقول بأن المسؤولين الأمريكيين قلقون من توسع نشاط روسيا والصين في أفريقيا، بعد أن حولوا تركيزهم على مواجهة خطرهم المتزايد، وخصوصا بعد نية قادة البنتاغون بتخفيض قواتهم في افريقيا، كجزء من تعديل القوات المرتبط بهذا التحول.
ويضاف إلى ذلك دخول لاعبين جدد إلى الساحة، مثل تركيا التي تنشط بقوة على الساحة الليبية، واللاعب القديم الجديد فرنسا التي تحاول تنشيط دورها على ضفاف المتوسط وفي مستعمراتها القديمة، من لبنان شرقا إلى مالي وعمق أفريقيا.
كل هذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى لعب دور أكثر قوة على الساحة الأفريقية، محاولة أن ترسخ دورها كقائدة للعالم، وإن كانت نهاية نظام القطب الواحد قد لاحت في الأفق وبزوغ نجم قوى جديدة على الساحة الدولية.
سوق للسلاح
وبحسب مجلة "آرمسكي ستاندرات" فقد اشترت الجزائر من موسكو أسلحة بقيمة 13.5 مليار دولار، ما بين عامي 2006 و 2018، لتكون أكبر الموردين للسلاح الروسي في القارة السمراء، بالإضافة إلى العديد من الصفقات مع دول الجوار وفي مختلف أنحاء القارة، وهو ما يجعل لعاب القادة الأمريكيين يسيل للاستحواذ على السوق الأفريقية في مجال التسليح.
ويبدي المتحدث باسم القيادة الأمريكية في أفريقيا العقيد كريس كارنز امتعاضه من صفقات السلاح الروسية هناك، وكونها أكبر مورد للأسلحة في المنطقة، ويعترف أن المسؤولين الأمريكيين يحاولون إثبات أن أسلحتهم والتدريبات الأمريكية المتفوقة ستكون أكثر فائدة لهم، ولو أنها ستورد مع مزيد من الشروط مثل مراقبة الاستخدام النهائي أو قواعد حقوق الإنسان.
وهو ما ترجمه وزير الدفاع الأمريكي في مباحثاته مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ودعمه لتوسيع العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين، والعمل يدا بيد على تطوير وتعزيز ما وصفها بأنها علاقات متينة وطويلة، وأبدى ثقته بإمكانية العمل المشترك بين الطرفين.
بؤر ساخنة
تعتبر الجزائر إحدى أبرز القوى العسكرية في الشمال الإفريقي، بجيش يبلغ تعداده 130 ألف عسكري، ويحتل المرتبة الثانية في ترتيب جيوش القارة بعد الجيش المصري، كما تربط الجزائر حدود طويلة مع اثنتين من أسخن البؤر في إفريقيا حاليا، حيث تربطها حدود طويلة وصحراوية مع ليبيا التي تشهد نزاعا داميا في السنوات الأخيرة، وكذلك هي الحدود مع مالي، الدولة الإفريقية بانقلابها العسكري الأخير والجماعات الإرهابية الناشطة فيها.
ويجعل الموقع الجغرافي للجزائر لاعبا أساسيا في هذه الملفات، يزيد على قوة الجزائر علاقاتها الجيدة مع مختلف الأطراف في إفريقيا، كما أن التعديل الدستوري الذي يسمح بمشاركة الجيش في مهام خارج الحدود قد يفعل الدور الإقليمي للجزائر، وهو ما يجعل العلاقات مع الجزائر مكسبا مهما لأي طرف يريد لعب دور محوري في الصراعات التي تحدث في القارة الإفريقية، وإن كانت هذه المشاركة مرتبطة بالعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن تحصل على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان كما وضح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
اكتسبت الجزائر خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب الذي عانت منه طويلا، ومع التهديدات الإرهابية من القارة الأفريقية، يرى المسؤولون الأمريكيون ضرورة التعاون في هذا المجال، خصوصا وأنهم يرفعون شعار مكافحة الإرهاب منذ ما يقارب عشرين عاما.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها فقط