وضمن الدول التي تأثرت بدرجة كبيرة تلك التي تعتمد بشكل كبير على النفط، خاصة أن تراجع الأسعار الفترة الماضية أثر بشكل كبير على ميزانيات الدول، ومن بينها الجزائر.
من ناحيته، قال الدكتور، مداني لخضر، أستاذ جامعي وعضو المكتب الوطني لحركة البناء الوطني بالجزائر، "إن الاقتصاد الجزائري يعاني من آثار انهيار أسعار البترول، وتغيراتها منذ 2014، والتي تعمقت بعد الهزة المزدوجة التي تعرض لها الاقتصاد الدولي "المقدر بانكماش بنسبة 5 بالمئة نهاية 2020 "، بسبب الأزمة الصحية العالمية وتدابير الحجر الصحي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "الأزمة تركت أثرها على التوازنات المالية الكبرى للاقتصاد الجزائري، حيث أن عائدات البترول خلال سبعة أشهر الأولى من 2020 تراجعت بحدود 8 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019، كما تراجع متوسط سعر بيع البرميل من البترول الجزائري إلى حدود 40 دولار للبرميل، خلال هذه الفترة، مقارنة بمتوسط بلغ 66 دولارا للبرميل، خلال نفس الفترة من 2019".
وأشار لخضر إلى أن "هذا التأثير مس كل من مستوى ميزان المدفوعات، وبالتالي على رصيد احتياطي الصرف المقدر أن يصل إلى 50 مليار دولار نهاية 2020، وعلى مستوى عجز الخزينة العامة للدولة بنسبة 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وعلى انكماش النمو الكلي المقدر بنسبة 4,6%".
ويرى أن "الأولويات تتمثل في تخفيض قيمة فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار، وتقليص نفقات ميزانية التسيير بـ30% دون المساس بأعباء الرواتب".
وأشار إلى أن "توجهات الحكومة في العام 2020-2021 يمكن قراءتها من خلال الأهداف الأربعة التي وضعتها على المدى المتوسط "ضمان استدامة الخزينة العمومية، ودعم الأسر المعوزة، تحفيز النشاط الاقتصادي، وإعادة التوازنات لحسابات الدولة"، وجملة التدابير التي وضعت لتحقيقها في مجال تشجيع الاستثمار، كذلك ترقية الإنتاج الوطني والإنعاش الاقتصادي، وتوسيع الوعاء الضريبي وتعبئة الموارد، وتنسيق وتبسيط الإجراءات الضريبية ورقمنة الوثائق الجبائية، ومكافحة الغش والتهرب الضريبي".
وبحسبه أن "للجزائر القدرة على إنهاء الأزمة، في بعديها "الهيكلي والظرفي"، ولكن يبقى ذلك مشروطا بمباشرة إصلاحات هيكلية مبنية على نموذج نمو اقتصادي واضح، محدد المعالم، يندمج في إعداده وتبنيه جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، والانخراط الفاعل في تجسيده".
وشدد مداني لخضر على
"ضرورة التماسك الصارم بين استراتيجية التنمية وترجمتها من حيث السياسة الاقتصادية وأدواتها في مجال تحفيز وضبط النشاط الاقتصادي، على مستوى السياسة النقدية والمالية، الضرائب، التمويل، التضخم، سعر الصرف، وسياسة التجارة الخارجية، وعلى مستوى السياسات القطاعية، وعلى مستوى التنمية المحلية".
وأكد "ضرورة الابتعاد عن معالجة الاختلالات الاقتصادية بسياسات وأدوات غير اقتصادية، "أدوات إدارية، ومقاربات اجتماعية".
ويرى أن "آفاق التوازنات الاقتصادية الجزائرية على المدى القصير، والحسابات المتفائلة المتضمنة في قانون المالية الجزائري لسنة 2021 تبقى مشروطة بتحقق سيناريو التعافي الاقتصادي وانعكاساته على مستوى انتعاش تبقى النمو الاقتصادي العالمي".
من ناحيته، قال أحمد سواهلية، أستاذ جامعي ومحلل اقتصادي جزائري، إن "السلطة الحالية للبلاد تسعى جاهدة لبناء اقتصاد وطني قوي متنوع يرتكز على قطاعات متعددة وليس على قطاع واحد كما هو الحال، بلغ فيه نسبة الصادرات أكثر من 96 % من المحروقات حسب التقرير الأخير للثلاثي الأول لعام 2020 للديوان الوطني للإحصائيات".
وفي حديثه لـ"سبوتنيك" يرى سواهلية أن "الجزائر تستحضر واقع وحال الاقتصاد الجزائري، المتمثل في مجموع التهديدات المحتملة مقابل الفرص المتاحة والتهديدات المحتملة، وهذه التهديدات تتمثل أساسا في العجز الدائم لميزان المدفوعات وخاصة عجز الميزان التجاري حسب تقرير الديوان المذكور واعتماد الاقتصاد على قطاع المحروقات، إضافة إلى عجز موازنة الدولة ومواصلة التوسع في النفقات العمومية والاكتفاء بالموارد التقليدية، التي تتقلص سنة بعد سنة بسبب الوباء والاعتماد على سعر مرجعي تم تخفيضه إلى 30 دولار للبرميل، وهو قرار شجاع إضافة إلى الاستيراد المفرط لكثير من السلع الذي حطم المؤسسات الموجودة".
وبحسب سواهلي، فإنه "يقابل التهديدات الموجودة أو المتوقعة مجموعة الفرص والمزايا الخاصة بالجزائر، كالموقع الاستراتيجي والمساحة الواسعة للبلاد ومقدرات فلاحية متنوعة مناخية وموسمية كالسهول والهضاب والصحراء وساحل يمتد لأكثر من 1.200 كيلو متر، إضافة إلى طاقات متجددة للشمس والرياح ومناجم متعددة ومتنوعة متمثلة في الذهب والفوسفات والحديد ومختلف المعادن الثمينة".
ويشدد سواهلية على "ضرورة إسهام القطاع الصناعي الخاص في الإنتاج الاقتصادي الوطني، وتطوير أدائه مما يجعل من الحكومة ملزمة بتحضير مخطط قلاع اقتصادي ذو جدوى اقتصادية وبدراسة استشرافية وليس ظرفية تهدف لتعزيز النمو الاقتصادي والإسهام في تنمية الناتج الداخلي الخام، وتوفير المناخ اللازم سواء للاستثمار المحلي أو الأجنبي، وإنشاء صناديق لتمويل الصناعة مع تسهيل إجراءات إسهام رجال الأعمال برؤوس أموالهم لتدعيم الاستثمارات، إضافة إلى تقييم الموارد المحلية والصناعات الموجودة وإحياء الصناعات البتروكيميائية والحديد والمعادن ومواد البناء والنسيج والكهربائية والالكترونية والصناعات الصيدلانية والغذائية".
أهداف واقعية ممكنة التحقيق، يشير سواهلية إلى أنها تتمثل في خلق استثمارات فلاحية وصناعية وتوسع في قطاعات المحروقات واهتمام أكثر بالطاقات المتجددة والمناجم من خلال الاعتماد على وسائل مادية وبشرية ومادية وهيكلية تكون ضرورية لتحقيق الأهداف المرحلية متوسطة الأجل.
وأضاف أنن "كل الوسائل والآليات تندرج ضمن التشريعات والقوانين اللازمة والمستقرة، خاصة فيما تعلق بقانون الاستثمار، الذي يحفز ويوفر المناخ الملائم لجلب الاستثمارات المحلية والاجنبية، والذي يعالج العوائق المختلفة كالعقار وتحويل الأرباح والضرائب والجمارك".