ويرى مراقبون أن بايدن سوف يسعى إلى وقف الحرب في اليمن لكسب نقطة إضافية ضد سلفه "ترامب"، لكن لن تكون تلك المساعي سوى تحصيل حاصل، نظرا لأن دول التحالف وعلى رأسها السعودية والإمارات يسعيان لإيجاد طريقة لوقف الحرب بعد أن ظهرت نتائجها العسكرية، وعدم وضوح الأفق أمام تلك الحرب واليأس من تحقيق حسم عسكري على صنعاء.
السياسة الأمريكية
الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني التابع لقوات صنعاء عبد الله الجفري قال: "نحن لا نعقد آمال على بايدن ولا غيره، فقد أكدت كل الشواهد على مدى تاريخ أمريكا أن الجميع أعداء للأمة العربية والإسلامية، لأن من يديرها هو اللوبي الصهيوني العالمي، أما الرؤساء فهم الجانب الشكلي لما يسمى بالديمقراطية الهزلية، فهم ينادون بحقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان وفي نفس الوقت ينتهكون كل تلك المسميات".
وأضاف في اتصال هاتفي مع "سبوتنيك": "ربما يحظى بايدن ببعض الاستلطاف من بعض شعوب الأمة العربية والإسلامية التي تضررت من عنجهية وغطرسة ترامب، لكنهم يعلمون أن بايدن لا يستطيع تغيير أي شيء في السياسة الأمريكية، فما يحدث هو تبادل أدوار لتصحيح بعض الاخفاقات التي تسبب فيها ترامب، على اعتبار أن الهاجس الديمقراطي الذي تنادي به أمريكا هو ضد تلك الهواجس والأفكار الجمهورية".
واستطرد قائلا: "كما حدث في الماضي عندما تم احتلال العراق وأفغانستان، بعدها تغيرت الإدارة وجاءوا برئيس من الحزب الآخر لتصحيح بعض الأخطاء التي هى في الحقيقة لب السياسة الأمريكية المستترة، فبعد اجتياح العراق تحدث وزير الخارجية الأسبق كولن باول بأنه كانت هناك أخطاء وأن المعلومات كانت غير صحيحة بعدما تم تدمير العراق وشعبه وبنيته التحتية، والأمر أيضا بالنسبة لليمن فسوف يأتي بايدن ويقول أنه لم يكن مع سياسة ترامب، لكننا نعلم أن السياسة الأمريكية ثابتة وعلينا أن لا نكون عاطفيين كشعوب عربية وإسلامية".
خداع الديمقراطية
وتابع الخبير الاستراتيجي: "على مدى التاريخ الأمريكي يتبادل الحزب الديمقراطي والجمهوري الأدوار ولكن السياسة ثابتة، وكان الأمر في اليمن على مدى 40 عاما يدعون الديمقراطية ويتم التبادل بين المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح، لذا فوجود بايدن لن يغير من خريطة الأطماع الأمريكية في اليمن والمنطقة بشكل عام".
وأكد الجفري أن :"المعارك سوف تستمر في اليمن لأن هناك أهداف رسمتها ثورة 21 سبتمبر/أيلول والتي انتفضت ضد الوضع المأساوي والمخزي في اليمن، لذلك سوف تستمر تلك الثورة لتحرير كل شبر من اليمن ورفع الوصاية الخارجية في وجود بايدن أو غيره فلا يهمنا هذا الأمر، لكن قد يختلف الأمر إذا أراد الرئيس الأمريكي الجديد سلاما في المنطقة وليس استسلام، فنحن نطمح إلى سلام يرتقي لطموحات وتطلعات الشعب اليمني وإلى مستوى التضحيات التي قدمت خلال السنوات الماضية، فإذا قبل بايدن بتك الشروط فإن يدنا ممدودة بالسلام".
لا تغيير جوهري
من جانبه قال رئيس مركز جهود للدراسات باليمن الدكتور عبد الستار الشميري: "لا أعتقد أن هناك تغييرات جوهرية من قبل الولايات المتحدة بشأن الحرب في اليمن بعد تغير الإدارة في البيت الأبيض، نظرا لتفاصيل وتعقيدات المشهد في اليمن والحضور الأمريكي الصامت طوال تلك الفترة والذي كان يترك مساحة لدول التحالف العربي وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، حيث تركت لها واشنطن التصرف في هامش التفاصيل، بل وفي أساسيات الفعل السياسي والعسكري في اليمن".
وأضاف في اتصال هاتفي مع "سبوتنيك" إن: "الولايات المتحدة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، ما يهمها هو ثبات مصالحها في المنطقة وأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما دامت تلك الأمور قيد التحقيق والأمان فلن تذهب واشنطن بعيدا في التعاطي مع الحرب في اليمن، هى تعلم بأجهزتها المختلفة حجم الكارثة في اليمن ومخاطر سيطرة أنصار الله على منابع النفط، لذلك سيتغاضى بايدن عن مسار هذا الملف ولن تكون هناك سوى بعض التصريحات المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان وسلامة المدنيين في زمن الحرب، والملفات ذات الطابع الإنساني عموما والتي يهتم بها الديمقراطيون في العادة".
بايدن وإيران
وأشار الشميري إلى أن: "السياسة الأمريكية الخارجية قد تختلف بعض الشىء عما كان عليه الوضع إبان ولاية الجمهوريين، فيمكن أن يكون هناك تحسين شروط على مستوى الملف الإيراني، والذي يرى الديمقراطيون أن أوباما ربما كان متهاونا ومتسرعا فيه، فربما يكونوا قد كسبوا فهما جيدا في التعاطي مع طهران، وربما تشهد الأوضاع تعقيدات مع إيران بشكل أو بآخر، لكن نتوقع أن يكون هناك حلحلة للملفات الخارجية والتي ربما شهدت تعقيدات في ولاية ترامب، أما على مستوى الملف اليمني، فلا أعتقد أن هناك جديدا يمكن أن يضاف خاصة في السنوات الأربع الأولى على الأقل".
إصلاح ما أفسده ترامب
بدوره، يرى رئيس تحضيرية مؤتمر عدن الجامع ورئيس حزب العمل الديمقراطي النهضوي وعضو الهيئة الدولية لفض النزاعات الدبلوماسية والسياسية إيهاب عبد القادر أن: "ترامب رحل عن البيت الأبيض لأنه مارس العديد من السياسات الخاطئة والتي تسببت في إحراج البيت الأبيض واللوبي الأمريكي، وما كان أمام الأمريكيين إلا أن يغادر وإعطاء الفرصة للديمقراطيين لإصلاح ما أفسده ترامب".
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، إن: "قرارات ترامب الطائشة والمتهورة أفسدت الكثير من العلاقات الثنائية الاستراتيجية للولايات المتحدة والتي كانت تتمتع بتاريخ طويل عبر عقود من الزمن، ومن بينها اليمن وروسيا وتركيا، وبلا شك سيكون للتغيرات في البيت الأبيض تأثير على العديد من مسارات السياسة الخارجية الأمريكية ومنها مسار الحرب والسلام في اليمن والتي طال أمدها، وبلا شك أن ترامب كان له يد في تلك المأساة، لكن في كل الأحوال يجب علينا الانتظار قبل الحكم على القادم الجديد لنرى ما ستحمله توجهات القادم الجديد للبيت الأبيض، ونتمنى أن تكون توقعاتنا صحيحة".
الوصاية الدولية
ويعتقد القيادي بالحراك الجنوبي اليمني، عضو منظمة العفو الدولية، رائد الجحافي، أن: "اليمن يقع تحت البند الخامس من ميثاق الأمم المتحدة (الوصاية الدولية)، الأمر الذي حول كل شىء إلى عبث والبلاد تتنازع فيها حكومتين إحداهما في صنعاء والأخرى في عدن إن صح التعبير، فلا وجود صلاحيات لدى صنعاء التي أضحت معزولة عن العالم الخارجي، ولا وجود لحكومة عدن التي لا تراوح مكانها في الرياض بالسعودية، لم يعد أي وجود فعلي للحكومتين على الأرض ومع اتساع رقعة الحرب وطول أمدها".
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك": "رغم المحاولات الأممية والمبادرات العربية والأجنبية لإيقاف الحرب، وإعادة أطرافها إلى طاولة المفاوضات إلا أنها فشلت جميعها، ولا توجد أي مؤشرات نجاح أي خطوات مماثلة في المستقبل طالما تكررت الصورة النمطية والأسلوب المتبع في أي مبادرات قادمة تأتي على ذات الشكل والمضمون السابقين".
المعطيات القديمة
وأكد الجحافي أن: "أي حوار قادم سوف يفشل إذا ما بقي التعاطي مع الواقع اليمني بنفس المعطيات القديمة، في حين تبقى الأجندة الخارجية عامل رئيسي يؤثر على مجريات الأحداث ويتحكم بتوجيهها وإدارتها وفق ما يتماشى مع تلك الأجندات، ولن يتحقق السلام ما لم تقم الجهود والمبادرات الأممية والخارجية على معالجة المشاكل بشكل واقعي، والشروع بخطوات نحو إرساء سلام حقيقي يضمن تحقيق الاستقرار للجميع، دونما الاعتماد على ضغوط بعض القوى التي تستمد وجودها من الخارج وتتعاطى مع الأحداث وفق مصلحة الأجندات الخارجية وليس وفق ما يضمن لليمنيين من استعادة أمنهم واستقرارهم".
وأوضح القيادي الجنوبي أن : "الحرب لم ولن تتوقف ما لم توجد هناك نوايا حقيقية وخطوات أممية واقعية تتمثل في اتخاذ مجلس الأمن لقرار واضح يقضي بإلزام أطراف النزاع إيقاف الحرب وإعلان هدنة لمدة عامين، على أن تتولى الأمم المتحدة مباشرة تنفيذ الهدنة ومراقبة ساحة المواجهات والتعامل بجدية وحزم مع أي خروقات، ثم تشرع بالاشراف ورعاية المفاوضات بين أطراف النزاع وفق آليات جديدة".
تفاؤل حذر
أما رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية في اليمن، عبد الكريم سالم السعدي فيقول: "لا نراهن كثيرا على تغييرات الوجوه في البيت الأبيض، لأن السياسة الأمريكية تصنعها مؤسسات دولة وليست كالسياسات العربية التي تستند على اجتهادات الرئيس بغض النظر عن مزاجه وحالته النفسية، ومع ذلك نترك الباب مواربا للتفاؤل اعتمادا على اختلافات توجهات حزبي الصراع على الرئاسة في الولايات المتحدة (الديمقراطي والجمهوري) من حيث العقلية التي تضع خطوط سياسات تلك الأحزاب، والسلوك المرافق لتنفيذ تلك السياسات واعتمادا على برامج مرشحي تلك الأحزاب ومرشحيها للانتخابات".
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"إن: "برنامج بايدن حمل فيما يخص حرب اليمن تعهدا بإعادة تقييم الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، حيث قال إنه: سيستجيب لدعوات الكونجرس لإنهاء المساعدات الأمريكية للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، ومع فإننا لانراهن كثيرا على هذه التعهدات والوعود الانتخابية، إلا أننا نشعر أن هناك تغير سيسود العالم والذي يشكل اليمن جزء منه في نواحي كثيرة".
وأشار إلى أن: "الحدث الانتخابي الأمريكي بنتائجه الحالية المتمثلة بتقدم الديمقراطيين وازاحة الجمهوريين وفوز المرشح جو بايدن سيضعنا أمام انتقال للفعل من يد تاجر ومغامر حشر أمريكا في عالم وصفه توني أريند البروفيسور في جامعة تاون بعالم ترامب، إلى عالم جو بايدن الذي يرى فيه صورة أكثر تقليدية لدور أمريكا ومصالحها، وهو ما تأصل في المؤسسات الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يقوم على أساس القيم الغربية المشتركة".
نتائج متوقعة
وأوضح السعدي أن:"هذه النتيجة للانتخابات ستنعكس على السياسات في الشرق الأوسط وسنرى واقعا جديدا، لايغتصب العرب ويذهب بهم إلى تطبيع مجاني غير عادل وغير منصف مع الصهاينة ولايبتز القادة العرب داخل أوطانهم، وسيمتد التأثير على الأطراف الإقليمية التي تعبث اليوم وعلى مدى أكثر من ست سنوات في اليمن، والتي كانت إدارة ترامب ترعاها وتقدم لها الدعم والحماية القائمة على الاستثمار السياسي والاقتصادي غير الأخلاقي والمخالف لكل الاتفاقات والقوانين الدولية".
وختم حديثه قائلا: "كما أن هناك خطوات ستطال بعض الدول التي تسيدت بفضل إدارة ترامب المائلة إلى البلطجة السياسية، وذلك في جوانب حقوق الإنسان وغيرها من الجوانب، ومن المؤكد أنها ستخدم الشرعية اليمنية إذا ما أجادت فن استخدام الأوراق السياسية، وإذا ما أفاقت من سباتها وأدركت أن هناك تحولا دوليا نتج أعاد لها بعض الأدوات التي سلبها منها توجه الإدارة الأمريكية السابقة، وأن عليها أن توظف تلك الأوراق، وأن تصحح قبل كل ذلك أوضاعها الداخلية بالتخلص من الفساد والفاسدين".
وتقود السعودية تحالفا عسكريا لدعم قوات الرئيس هادي لاستعادة حكم البلاد منذ 26 آذار/مارس 2015، ضد الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء.
وأدى النزاع الدامي في اليمن، حتى اليوم، إلى نزوح مئات الآلاف من السكان من منازلهم ومدنهم وقراهم، وانتشار الأمراض المعدية والمجاعة في بعض المناطق، وإلى تدمير كبير في البنية التحتية للبلاد.
كما أسفر، بحسب إحصائيات هيئات ومنظمات أممية، عن مقتل وإصابة مئات الآلاف من المدنيين، فضلا عن تردي الأوضاع الإنسانية وتفشي الأمراض والأوبئة خاصة الكوليرا، وتراجع حجم الاحتياطيات النقدية.