وبحسب وكالة "رويترز"، بدأ الصبر ينفد لدى فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المانحة، التي سبق أن قدمت مساعدات للبنان أكثر من مرة منذ الحرب الأهلية التي درات رحاها بين عامي 1975 و1990.
وقال مصدران شاركا في محادثات جرت في بيروت الأسبوع الماضي إن باتريك داريل مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أوضح في المحادثات أنه رغم حفاظ باريس على تعهداتها "فنحن لن ننقذهم ما لم تكن هناك إصلاحات".
وقال دبلوماسي غربي إن فرنسا ما زالت تحاول استضافة مؤتمر لبحث إعادة البناء في بيروت بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني لكن الشكوك قائمة.
وأضاف الدبلوماسي: "لا توجد أي تطورات. الساسة اللبنانيون عادوا إلى أسلوبهم في العمل، والمقلق هو التجاهل التام للشعب".
وفي العام الماضي تفجرت احتجاجات ضخمة على النخبة الحاكمة، وحملها الناس مسؤولية رعاية مصالحها المكتسبة في الوقت الذي كان الدين العام يتزايد فيه.
وأدت جائحة فيروس كورونا إلى زيادة الضغوط على موارد البلاد، ودمر انفجار هائل في مرفأ بيروت خلال أغسطس/ آب مساحات كبيرة من المدينة.
ومع نفاد الدولارات ظهر نقص في السلع الأساسية ومن بينها الأدوية كما يتزايد عدد من يسقطون بين براثن الفقر في لبنان.
وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى زيارة المدينة عقب الانفجار وحاول إقناع الساسة بتطبيق إصلاحات جزئية على الأقل للتصدي للوضع الطارئ.
غير أن فئات متنافسة لا تزال تتصارع على النفوذ ولم يشكل لبنان حكومة منذ الحكومة التي كان انفجار أغسطس/ آب وتداعياته سببا في انهيارها. ومثلما حدث في الأزمات السابقة اتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه يتحمل مسؤولية هذا الوضع.
وقالت دوروثي شيا السفيرة الأمريكية لدى لبنان في مؤتمر عبر الهاتف لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يوم الجمعة إن الولايات المتحدة "تدرك أن لبنان مهم" وأن "تحاشي فشل الدولة... يجب أن تكون له الأولوية القصوى".
لكنها أضافت "لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلا أكثر من رغبتهم هم فيه". وأكدت أنه لا خطط إنقاذ من دون إصلاحات.
وتابعت "اكتسبنا حنكة". مضيفة أنه سيكون هناك "نهج تدريجي خطوة بخطوة ولا شيء مجانيا".
ويكافح سعد الحريري رئيس الوزراء المكلف لتشكيل الحكومة، وتقول بعض المصادر إن الجهود تعقدت بفعل العقوبات الأمريكية الأخيرة التي فُرضت على جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون والذي يرأس التيار الوطني الحر، أكبر الأحزاب المسيحية في البلاد.
وفُرضت العقوبات على باسيل بناء على اتهامات بالفساد ولصلاته بـ"حزب الله" الذي تعتبره واشنطن جماعة إرهابية. وينفي باسيل اتهامات الفساد.
وتقول مصادر رسمية إن النقطة الرئيسية العالقة هي إصرار عون وباسيل على تعيين وزراء في الحكومة المكونة من 18 وزيرا. ويريد الحريري أن يكون كل الوزراء من المتخصصين ولا صلة لهم بالأحزاب السياسية.
وقال مصدر على صلة وثيقة بالمحادثات إن بعض المعنيين ذكروا أن باسيل هو العقبة الرئيسية أمام تشكيل الحكومة. وينفي باسيل هذا الاتهام قائلا إن من "حق حزبه أن يسمي وزراء بما أن آخرين استطاعوا تسمية وزراء".
قالت عدة مصادر إن الجمود الحالي هو وضع انتحاري للبلاد التي تستنفد ما لديها من احتياطيات أجنبية بسرعة. وتقدر هذه الاحتياطيات بمبلغ 17.9 مليار دولار فقط.
وبسبب العقوبات، التي سلمت السفيرة شيا بأنها جزء من حملة "الضغوط القصوى" التي تفرضها إدارة دونالد ترامب على إيران، تتجه إيران وحلفاؤها للانتظار حتى يترك ترامب منصبه. غير أن بعض المسؤولين في لبنان حذروا من لعبة الانتظار.
وقال مصدر سياسي رفيع مطلع على المحادثات "الرسالة الواردة من الفرنسيين الآن واضحة: لا حكومة ولا إصلاح إذا فمع السلامة وشكرا".
وأضاف "وإذا غسل الفرنسيون أيديهم من هذا الأمر، فمن سينظر إلينا؟ الخليج؟ الولايات المتحدة؟ لا أحد".
وتابع "في نهاية اليوم، لا يعرفون كيف يتعاملون مع الظروف الاستثنائية والتحديات... نحن ما زلنا نتعامل مع تشكيل الحكومة وكأننا نعيش أياما عادية".
وقالت السفيرة شيا إن على المانحين التشبث بموقفهم وإلا فإن النخبة السياسة لن تأخذهم على محمل الجد.