القاهرة– سبوتنيك. وعقب ثورة يناير انفتح المجال أمام المئات من الكتاب الشباب والكبار للحكي والتدوين عن الثورة، وتغيرت نوعية الأسئلة التي تتناولها الأعمال الأدبية، من الأسئلة التي تناقش القضايا الكبرى إلى انعكاسات هذه القضايا على الفرد الواحد، واندمجت أسئلة الفرد بأسئلة المجموع، كما شهدت كتابات ما بعد الثورة تصاعدا فيما يعرف بأدب "الديستوبيا" وهو مصطلح قديم يعني "المدينة الفاسدة أو الخبيثة".
في حوار مع وكالة "سبوتنيك" يرى الكاتب المصري هشام أصلان أن كتابات ما بعد الثورة لا يمكن أن تصنف على أنها "مستوحاة من أحداث الثورة"، بل هي نتاج لتأثر الكاتب "بأسئلة الثورة وتبعاتها".
ويضيف: "في تصوري، جيل الكتاب الحالي تخلص مما يسمى أسئلة القضايا الكبرى في الكتابة في مقابل التركيز على سؤال الفرد في مواجهة العالم، فأصبح الكاتب مشغولا أكثر بأسئلة الفرد وتفاصيل حياته اليومية في مواجهة الدنيا، لا أن يتناول الحروب والقضايا الكبرى وقضايا الإنسان".
ويوضح أصلان أن "هذا ما حدث بعد يناير وثورات العالم العربي عموما، سنجد أن سؤال القضية الكبيرة هو سؤال الفرد، بعد الثورات سنجد أن الفرد العادي أصبح مشغولا بالقضايا الكبرى، وأصبحت هذه الأسئلة في كل مكان المواصلات، الحوارات في الشارع، الناس كانت تتحدث في هذه القضايا الكبرى، حتى أصبحت هذه القضايا الكبرى في كل تفاصيل حياتهم".
كما يلفت أصلان إلى أن كتابات ما بعد الثورة شهدت تصاعدا فيما يسمى "أدب الديستوبيا"، إذ يقول "الثورة فتحت وعي مختلف، فبدأت تظهر أعمالا أدبية لا تتناول الثورة ولا أحداثها بشكل مباشر، ولكن تتحدث عن انعكاس هذه الأحداث على أصحابها، وبدأ يظهر أدب الديستوبيا في أعمال مثل رواية "عطارد" للكاتب محمد ربيع، و"الطابور" للكاتبة بسمة عبد العزيز وغيرهم، مثل هذه الروايات لا تتناول أحداث الثورة ولكنها تتناول تأثر الكاتب بما حدث".
رواية ديستوبيا بامتياز، رسم فيها "محمد ربيع" أسوأ السيناريوهات الممكنة، أسوأ كوابيس البشر، أسوأ إحتماليات الحياة، ثم جسّد هذا في رواية مخيفة وقاسية لا تحنو على القارئ أبدًا.
— دار التنوير (@Daraltanweer) March 14, 2020
وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.#دار_التنوير#عطارد pic.twitter.com/OJT9tZ2WhM
ورواية عطارد التي أشار لها أصلان هي رواية للكاتب المصري محمد ربيع، صادرة عام 2014 عن دار التنوير، وتروى بسوداوية شديدة قصة ضابط ممن شهدوا اندحار قوات الشرطة المصرية في 28 يناير 2011 وهو يتولى المقاومة في مصر ضد احتلال غامض، على أنقاض قاهرة محطمة، ويعود بطل الرواية خلال أحداث الرواية بذاكرته إلى أيام من القتل العشوائي عاشتها العاصمة في أحداث الثورة وما بعدها.
يعود أصلان في السياق ليؤكد "الثورات ليست حدثا يبدأ وينتهي بل هي مثل الشباك الذي ينفتح على التاريخ لا ينغلق، والفيصل في الكتابة عنها هو الصدق هل كان الكاتب منشغلا بالأحداث فعلا أم أنه يكتب فقط ليجاري الأحداث، هل الكتابة جيدة فعلا أم لا؟"
الثورة مستمرة... والكتابة أيضا
في سياق مختلف، يرى الشاعر والكاتب المصري يحيى وجدي أن الأدب المصري لم يشهد بعد عملا بارزا وقويا يجسد ثورة 25 يناير، إذ يقول في حديث مع وكالة "سبوتنيك": "بدون إكليشهات، الثورة ما زالت مستمرة بتداعياتها وصعودها وهبوطها والكتابة عنها أيضا".
ويشير وجدي إلى أن "بعض الأعمال كان بها حضورا خياليا للثورة، وهذه الأعمال أعتبرها أكثر تعبيرا عن الكثير من الأمور التي تناولت الثورة بشكل مباشر. أيضا كان هناك بعض اليوميات الجميلة، دونها كتاب مثل مكاوي سعيد وأحمد زغلول الشيطي ونجاة علي وإبراهيم أصلان، لكن أفضل حضور للثورة برأيي هو حضورها في رواية "إفلات الأصابع" للكاتب محمد خير، إذ لم يشر بشكل مباشر لحدوث ثورة، لكنه تحدث عن حدث جلل يشبه يوم القيامة".
إفلات الأصابع
— محمد خير (@mohamedkheir) January 22, 2018
روايتي الجديدة
الكتب خان- معرض القاهرة للكتاب 2018 pic.twitter.com/awR8If08z1
ويرجع وجدي السبب في عدم وجود كتاب يتحدث عن الثورة بشكل بارز بعد إلى كونها تعتبر "حدث قريب نسبيا في التاريخ، تفاعلاته ما زالت مستمرة، ولها الكثير من المحطات والانحرافات الحادة".
ويتابع: "لكن هذا لا ينفي وجود كتابات جميلة عن مشاهد جميلة في الأيام الأولى للثورة تحكي عن شجاعة الشباب والشابات الذين شاركوا في معارك مثل موقعة الجمل، لكن يظل كل هذا غير كاف".
ويواصل وجدي "اليوميات تظل يوميات، لكن هناك بعض الكتب كانت عبارة عن ملاحظات تدمج ما قبل الثورة بقليل بالثورة، أبرزها كتاب "خبرني العندليب" للكاتب والصحفي المصري عمر قناوي.
ويضيف وجدي "خبرني العندليب"، كتاب يحكي عن شخص أخبره العاملون بالأجهزة السيادية أن حدثا جللا سيقع، ويفاجأ هذا الشخص بالثورة، ويرى أشياء كثيرة مما خبره عنها الشخص العامل بالجهاز السيادي. مثل هذه الكتب تتناول موضوعا حقيقيا، أراه مثل صوت يسمى بالحنجرة العميقة وهي الصوت الموجود داخل الأجهزة ويبلغ الصحفيين بما يحدث".
على الأدب أن ينقد ما حدث
على جانب آخر، يرى الكاتب ورئيس التحرير السابق لجريدة "القاهرة" سيد محمود أن على الأدب والكتابة مهمة في نقد ما حدث ونقد خطاب الثورة، إذ يقول في حديث مع وكالة سبوتنيك، "يجب أن تكون هناك كتابات تنتقد الثورة، وأن يراها الشباب الذين قاموا بها كفعل ثوري وليس كحدث مقدس، ويتبنوا خطا للمراجعة".
ويشير محمود، في هذا السياق إلى رواية "جوائز للأبطال" للكاتب أحمد عوني، إذ يقول "هذه الرواية تناولت الثورة بشكل سردي، بعيدا عن التمجيد والإدانة، فهمت انعكاس الثورة على نفسيات أشخاصها، وأعتقد أنها واحدة من أهم وأجمل النصوص المتعلقة بالثورة".
بعد خطوات وجدته أمامي من جديد، كأني أقف أمام مرآة تُركت في منتصف الشارع، فشعرت بجسدي وهو يخرج مني ويتبعثر أمامي في كل مكان، ويُقذف في كل اتجاه. بقيت معي قدماي، فوقعت بها عى الأرض، ثم نهضت لأقترب من هذا الغريب. أرى نفسي معلقًا عى جدار أصفر، مكتوبًا من تحتي "رامي فن؟#sibf #SIBF20 pic.twitter.com/gIlN9mOqJV
— مركز المحروسة للنشر (@almahrosacenter) November 9, 2020
ويضيف محمود: "على الرغم من أن الرواية في ظاهرها تناقض خطاب الثورة إلا أن خطابها الخفي يتفهم الدوافع التي قادت إلى الثورة".
وحول الوقت الذي قد يحتاجه الكاتب للتفاعل مع "الثورة" كحدث قابل للكتابة عنه، يقول محمود "الثورة حدث كبير، والاستجابة للأحداث الكبيرة عادة لا تكون استجابة عاجلة، فمثلا في عامي 2011 و2012 وجدنا عدد عناوين مهول يناقش الثورة، لكن في النهاية قيمة العمل لا تقاس بالزمن وحده، بل الأدوات الفنية هي التي تحدد قيمة العمل".
ويتفق محمود مع أصلان في أن الثورة أحدثت نموا فيما يعرف بـ"أدب الديستوبيا" إذ يقول:
"مع تطورات الأوضاع حدث نمو في ظاهرة روايات الديستوبيا، وهذه الديستوبيا في مصر رأت الثورة كحدث تم الغدر به، وتطورات الأوضاع أيضا جعلت الكتاب ترى أن أدب الديستوبيا هو الحل، الحل الفني والثقافي".
ويسرد محمود من الأعمال التي تناولت الثورة من منطلق "ديستوبي" مثل روايات عطارد لمحمد ربيع ونساء الكرنتينا لنائل الطوخي وممر الفئران لأحمد خالد توفيق وباب الخروج لعز الدين شكري فشير ورواية الطابور لبسمة عبد العزيز... وغيرها.
ويرى أن هذا "النوع من الأدب كان استجابة مباشرة لثورة 25 يناير، وأهميته تكمن في أنه ينقد التاريخ وينظر للأشياء بدون قداسة، ويقارب الأحداث بشكل مجازي أو ساخر أو به قدر كبير من التشاؤم أو يكتب تاريخ هذا الحدث من الأسفل (الكتابة عن حدث كبير جدا من منظور شخصي)".