أعلنت الحكومة أخيرا أن الرئيس جوكو ويدودو، يريد خفض معدل الخصوبة في البلاد إلى 2.1 خلال أربع سنوات، من 2.26 العام الماضي، وهو هدف جدير بالثناء، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
إندونيسيا هي رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها 270 مليون نسمة، والعاصمة جاكرتا مكتظة لآخرها، أما الجزيرة المهيمنة في الأرخبيل النائي، جاوة، فهي موطن لأكثر من نصف سكان الجمهورية وهي من بين أكثر الأماكن ازدحاما على وجه الأرض.
كبح المواليد هو إجراء متكرر على طريق التحول إلى دولة غنية ومتقدمة وقوة مالية وتصنيعية، وقد خفضت كل من كوريا الجنوبية والصين وتايوان وسنغافورة المواليد في العقود الأخيرة من القرن العشرين من خلال الدفع بقوة لتنظيم الأسرة.
لكن هذه الدول تجاوزت الأمر، ويسارعون الآن إلى إعادة ضبط الأمور وتشجيع الأزواج على التناسل، لقد بدأت اليابان التحرك لمواجهة التحديات الديموغرافية وعدد الأيدي العاملة المتناقص، وينبغي على إندونيسيا أن تستفيد من دروس الجوار.
تتطور الاتجاهات الديموغرافية ببطء بمرور الوقت، وقد تمر سنوات قبل أن يدرك المسؤولون أنهم بحاجة إلى تعديل السياسات. عند هذه النقطة، يمكن أن يتغير اقتصاد بلد ما بشكل كبير، حيث تصبح المجتمعات أكثر ازدهارا وحضرية، ويفقد قطاع التصنيع بعض الجاذبية لأنه يعتمد في الغالب على أجور منخفضة ووفرة العمالة.
كما تصبح الخدمات جزءا أكبر من الحياة التجارية، وترتفع تكاليف تربية الأطفال، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وتعني المشاركة المتزايدة للمرأة في القوى العاملة أن الزواج والأطفال ليسوا ضمن الأولويات المهمة للحياة، كما كان الحال في سنغافورة.
بعد الانهيار المالي الكارثي في أواخر التسعينيات، أصبحت إندونيسيا الآن واحدة من أكبر اقتصادات مجموعة العشرين، في حين أن ناتجها المحلي الإجمالي أصغر بشكل ملحوظ من كوريا الجنوبية واليابان، فقد انتقلت البلاد العام الماضي إلى مرتبة الدخل المتوسط-الأعلى، وفقا للبنك الدولي.
بدأت الزيادة في عدد الموظفين الإندونيسيين بالهدوء فعلا، حيث نما عدد السكان بمعدل 1.25% سنويا بين 2010 و2020، أبطأ من 1.49% المسجلة في العقد السابق، وفي حين أن معدل الخصوبة أعلى مما يريده رئيس البلاد، فإنه أقل بكثير من مستويات منتصف الستينيات.
يعتبر معدل الخصوبة البالغ 2.1 بشكل عام هو المطلوب للحفاظ على استقرار عدد السكان، وأظهرت الإحصاءات أن أولئك الذين يبلغون من العمر 60 عاما أو أكثر يمثلون نحو 10% من المواطنين، وهي عتبة التحول إلى مجتمع في مرحلة الشيخوخة.
كان معدل الخصوبة أكبر من 5 عندما تولى سوهارتو السلطة في عام 1965، وانخفض المعدل إلى نحو 2.5 في عام 1998، عندما أطيح به. توقف المعدل بعد ذلك واتسمت السنوات الأولى التي أعقبت خروج سوهارتو بالفوضى الإدارية والسياسية قبل أن تظهر إندونيسيا كدولة ديمقراطية.
هدف جوكو الآن هو القضاء على الفقر بشكل أكبر، ورفع معدل النمو الاقتصادي قرب 7% سنويا من متوسط 5% خلال فترة ولايته الأولى من 2014 إلى 2019.
يجب أن يكون الرئيس حريصا على ما يتمناه. خلال سنوات النمو السريع في كوريا الجنوبية تحت حكم رجال أقوياء مدعومين من الجيش، انخفضت المواليد، وتم القضاء على الفقر تقريبا وتحسنت الرعاية الصحية بشكل كبير.
وبحلول الأزمة الاقتصادية في أواخر التسعينيات والانتقال إلى الديمقراطية الكاملة، أغفلت الحكومة التدقيق في الاتجاهات السكانية، ومؤخرا أدركت أن الأوان قد فات. في العام الماضي، انخفض عدد سكان كوريا الجنوبية للمرة الأولى.
بالسفر عبر مناطق المقاطعات يمكن للمرء أن يفاجئ بالفراغ الديموغرافي والتجاري في كوريا الجنوبية، إلى جانب اللوحات الإعلانية التي تروج لحفلات الزفاف والإنجاب.
لم تصل إندونيسيا إلى هذا الحد بعد، ومخاوفها بشأن الازدحام والفقر، خاصة بالنظر إلى الركود الساحق الناجم عن الجائحة- صحيحة. قبل بضع سنوات، توقعت الحكومة أن يتجاوز عدد السكان 310 ملايين بحلول عام 2045.
البنية التحتية لجافا تئن، والجزيرة (تضم العاصمة وجزءا هائلا من السكان) مسؤولة عن جزء كبير من الاقتصاد. في عام 2019، اقترح مجلس الوزراء نقل العاصمة إلى جزيرة بورنيو.
توقفت الخطة منذ ذلك الحين، لكن توزيع الثروة والسكان كان بمثابة تطلعات لائقة، وإذا تمكن الرئيس من دفع عجلة النمو الاقتصادي، فقد يهتم ارتفاع مستويات المعيشة بالباقي دون القلق بشأن قضية "تحديد النسل". هذا درس كبير من "النمور" الآسيوية التي قفزت ذات مرة من الفقر إلى الثروة.