وبثّت هذه الطائرة في صفوف الأعداء الرعب، لدرجة أن النازيين كانوا يبحثون بسرعة عن مأوى، بمجرد رؤية صورتها الظلية في السماء، خاصة وأن إيل-2 كانت مزودة بأسلحة جوية قوية، بحيث كانت تدمر العربات المدرعة بسهولة وتميزت بصمود غير مسبوق في ذلك الوقت.
وتتحدث وكالة "سبوتنيك" في هذه المادة عن أقوى طائرة في الحرب العالمية الثانية، تركت أثرها من نواح كثيرة على نتيجة الحرب بأكملها.
مخطط جديد
كان إنتاج إيل-2 بشكل ضخم ضروري جدا بالنسبة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية التي كانت تخوض حربا دموية، سرعان ما أصبحت الطائرة القوة الضاربة الرئيسية لطيران الخطوط الأمامية السوفيتية. وقد صممت أكثر من 36 ألف طائرة من هذا الطراز، على مدار سنوات الحرب الوطنية العظمى. ولعبت إيل-2 دورا رئيسيا في أكبر عمليات الجيش الأحمر أكثر من مرة. وتسببت الهجمات المكثفة لهذه الطائرات الهجومية في إحداث خراب كبير في صفوف الفيرماخت، وطحنت، كما لو كانت في مفرمة اللحم، مجموعات كاملة من المعدات والقوى.
ومن ميزات هذه الطائرة الصمود في المعركة ومقاومة النار من الأرض. قبل إيل-2، لم تكن هناك طائرات مقاتلة متخصصة في الاتحاد السوفيتي يمكنها تدمير الأهداف الأرضية من ارتفاعات منخفضة، إذ لم يكن هناك سوى معدات تم تحويلها لمثل هذه المهام، على سبيل المثال، الطائرات ثنائية السطح الخفيفة من طراز "إر-5شي".
وبدأ تطوير نوع جديد تماما من الطائرات لتلك الأوقات في أواخر الثلاثينيات، لكن تجربة الأعمال القتالية في إسبانيا كشفت عن عدم كفاية الحماية للطائرة - فقد تم إسقاط المقاتلات بمدافع مضادة للطائرات، وأحيانا بأسلحة صغيرة عادية.
لذلك اقترح مصمم الطائرات سيرغي إليوشن بناء طائرة مصفحة - "دبابة طائرة". ومع ذلك، نشأت مشكلة الكتلة الكبيرة - إذ يزن الدرع أكثر من 700 كيلوغرام. لكن المهندسين حلوا المشكلة، فلم يعلقوا الدرع عليها، لكنهم قاموا ببنائه في إطار قوة هيكل الطائرة.
وتم وضع محرك ومشعات تبريد ونظام زيت في الجزء الأمامي من بدن الطائرة، تحت هيكل مدرع مصنوع من صفائح معدنية مختومة بسماكة من أربعة إلى ثمانية مليمترات. وكانت قمرة القيادة ذات المقعدين عبارة عن كبسولة مدرعة محمية جيدا. وكان جزء من الذيل خشبيا.
هذه الطائرة كانت مسلحة بمدفعين رشاشين من طراز شكاس عيار 7.62 ملم وزوج من المدافع الأوتوماتيكية من العيار الصغير شفاك عيار 20 ملم. وحملت على المعلقات الخارجية والداخلية - من 400 إلى 600 كيلوغرام من الصواريخ والقنابل الجوية.
استخدامها قي الحرب
حلقت النماذج الأولى "إيل" في أكتوبر/ تشرين الأول 1939. لكن هذا الطراز من الطائرات لم يناسب الجيش. فطالب بزيادة المدى وتقوية التسلح. وكان على المصممين تثبيت محرك أكثر قوة على ارتفاع منخفض والتخلي عن المقصورة ذات المقعدين من أجل تقليل الوزن.
واجتازت الطائرة الهجومية ذات المقعد الواحد الاختبارات الحكومية في عام 1940، وبحلول يونيو /حزيران 1941، كان لدى سلاح الجو نحو 250 طائرة من هذه الطائرات. تمكن عدد قليل فقط من الطيارين السوفييت من قيادة التقنية الجديدة، ولم يتم وضع التكتيكات بعد، لكن "إيل" أصبحت مفاجأة غير سارة للنازيين.
وأظهرت إيل-2 خلال الأيام الأولى للحرب فعاليتها وقوتها على الجبهة. في الواقع، كانت الآلة الوحيدة القادرة على التدمير الفعال للمعدات والقوى البشرية للعدو على الأرض. في 27 يونيو/حزيران 1941 في منطقة مدينة بوبرويسك البيلاروسية - ضرب سرب من طائرات إيل قافلة معدات عسكرية ألمانية.
وتم تحديد نقطة الضعف في إيل-2 بسرعة – غير محمية أمام طائرات "مسرشميت" الألمانية بسبب نقص الأسلحة الدفاعية ومطلق النار الثاني، لذلك عانت أفواج الطيران الهجومية من خسائر فادحة: في السنوات الأولى من الحرب، قامت طائرة واحدة بمعدل 12 طلعة جوية - وتم إسقاطها.
لم يكن من السهل إصلاح العيب في التصميم في بيئة عسكرية بدأت الإنتاج الضخم. بالإضافة إلى ذلك، أدى التسلح الإضافي والمساحة الإضافية لعضو الطاقم الثاني إلى زيادة كبيرة في كتلة الطائرة، وبالتالي أثرت على خصائص الرحلة.
حاول إليوشن إيجاد حل وسط. فتم تركيب مدفع رشاش من العيار الكبير مع مكان لمطلق النار خلف قمرة القيادة خارج الكبسولة المدرعة في فبراير/ شباط 1942. ومع ذلك، فإن حجم المقصورة الثانية سمح فقط بوضع 180 طلقة من الذخيرة على متنها، والتي، بالطبع، لم تكن كافية في المعارك مع طياري Luftwaffe ذوي الخبرة.
"الطائرة الخرسانية"
على الرغم من أوجه القصور العديدة، تبين أن الطائرة المنتجة كانت متينة بشكل مدهش. حيث احتفظت "إيل" بقدراتها القتالية حتى لو كانت مخترقة تماما - فقد كانت تعود إلى القاعدة مع عشرات الثقوب من المدافع المضادة للطائرات. وكانت الطائرة محمية من الأسلحة الصغيرة.
يتذكر فنيو الطائرات: عند النظر إلى بعض العينات التي هبطت، كان من المستحيل أحيانا التصديق أنه بعد إصلاح بسيط، قد تقلع إلى الجو. لكنها أقلعت وشاركت في العمليات القتالية، لهذا السبب أطلق العسكريون الألمان على إيل-2 اسم "الطائرة الخرسانية".
وتم تحديث إيل-2 عدة مرات خلال سنوات الحرب. ففي عام 1943، زودت الطائرة الهجومية بمحرك معزز.
وعمل المهندسون على الديناميكا الهوائية وأدخلوا العديد من التحسينات الهامة على التصميم: زيادة اكتساح الجناح، مما كان له تأثير إيجابي على سرعة الطائرة التي تزن النسخة المعدلة منها أكثر من ستة أطنان وتصل سرعتها إلى 414 كيلومترا في الساعة.
في وقت لاحق، ظهر تعديل مع تسليح محسّن - فتم تعليق مدافع قوية من عيار 37 ملم تحت الأجنحة، مما أدى إلى اختراق دروع المعدات الألمانية الثقيلة. كما أحرقت القنابل العنقودية المتراكمة قوافل معدات ألمانية.
وفي المرحلة الأخيرة من الحرب، تم إنشاء طائرة هجومية حديثة من طراز إيل-10 على أساس إيل-2. فتمت زيادة الدروع، وأعيدت قمرة القيادة الخاصة بالمدفعي إلى الهيكل المدرع، وتم تعزيز المحرك، وتحسين الديناميكا الهوائية، وزيادة السرعة والقدرة على المناورة. وبهذا الشكل، خدمت الطائرة الهجومية لأكثر من عشر سنوات - حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.