العلاقات التي تشهد توترات متصاعدة منذ سقوط جماعة "الإخوان" في مصر في عام 2013، وصلت إلى ذروتها منذ أشهر قريبة اقتربت من الصدام المباشر في ليبيا، إلا أنه سرعان ما تحول المشهد إلى درجة مغايرة يمكن قراءتها من تصريحات الجانب التركي.
صفحة جديدة
التصريحات المتتالية على المستوى الرسمي من تركيا تشير إلى أنها تسعى إلى صفحة جديدة مع مصر، وبحسب الخبراء فإن المصالح المشتركة بين البلدين قد تدفع نحو طي صفحة الخلاف والبدء في صفحة جديدة.
أبرز الملفات التي تكون بمثابة العقدة في طي صفحة الخلاف، تتمثل في ملف قيادات جماعة الإخوان، والشخصيات التي تهاجم مصر عبر قنوات تبث من الأراضي التركية.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن استئناف الاتصالات بين أنقرة والقاهرة على المستوى الدبلوماسي، مؤكدا استمرارها في الأيام المقبلة.
خطوات إيجابية
وأضاف جاويش أوغلو:
مستعدون لاتخاذ خطوة حيال تحسين العلاقات مع السعودية في حال اتخذت خطوة إيجابية والأمر ينطبق على الإمارات.
فيما تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مؤتمر عقب صلاة الجمعة، أمس، عن العلاقات القوية والجيدة بين تركيا ومصر، قائلا:
كما تعلمون هناك علاقات جيدة بيننا وبين مصر وكمجتمعين أيضا، ونحن نعتبر أن الصداقة والعلاقات الموجودة بين الشعب المصري والشعب التركي لن تكون موجودة بين الشعب المصري والشعب اليوناني أبدا.
ونقلت وكالة "أنباء الشرق الأوسط" عن مصدر مصري رسمي، قوله إنه "ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه توصيف "استئناف الاتصالات الدبلوماسية" بين القاهرة وأنقرة، مضيفا أن "البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائم بالأعمال، واللذان يتواصلان مع دولة الاعتماد وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة".
ترحيل قيادات الإخوان
وأكد المصدر الرسمي، قائلا:
الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول، على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي.
آراء الخبراء من الجانب التركي متباينة، حيث أوضح جيواد غوك، المحلل السياسي التركي أن تركيا قد تتخلى عن قيادات الجماعة والمعارضة في سبيل تحسين علاقتها مع مصر والدول الأخرى.
وأضاف غوك أن "هناك تسريبات من مصادر تقول إنه من المحتمل ترحيل قيادات جماعة الإخوان من تركيا إلى بلد ثالث، وإغلاق كافة القنوات الإخوانية وطرد المعارضة المصرية بشكل كامل من تركيا، بحسب التسريبات.
تصحيح المسار
وتابع غوك في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الحكومة التركية يمكن أن تقوم بترحيل أعضاء جماعة الإخوان من تركيا في إطار تصحيح المسار، وأن التصريحات الرسمية التركية ليست مناورات سياسية ولا من أجل الاستهلاك الإعلامي، إلا أنها جاءت بعد أن بقيت تركيا وحيدة في المنطقة، إضافة إلى مكانة مصر المهمة في المنطقة".
ويرى غوك أن "تركيا تأخرت في التواصل مع مصر، ومن الممكن أن تلعب القاهرة دول الوسيط بين تركيا واليونان والدول العربية الأخرى منها السعودية والإمارات".
لا شروط بين البلدين
وتابع المحلل السياسي التركي:
الجانب التركي أكد أنه لا شروط مصرية أو تركية حتى الآن بشأن تحسين العلاقات، وأنقرة قد تقوم بخطوات جادة تجاه الملفات المتعلقة بمصر بشكل مباشر وهي المرتبطة بجماعة الإخوان وقيادات المعارضة المتواجدة على أراضيها.
من الجانب المصري، قال العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن مسار التفاوض بين البلدين يتوقف على ما يتفق عليه إن كان الحوار على أسس مسبقة من عدمه، إلا أن الحوار دون شروط مسبقة هو الأفضل.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك":
القنوات المعادية لمصر خففت من حدة لغتها تجاه مصر، وبعضها توقف الفترة الماضية.
أسس التفاوض
وبحسب راغب، فإن تركيا لن تسلم قيادات مطلوبة إلى مصر إلا أنها قد تطلب منهم الانتقال إلى أي دولة أخرى، وأن ذلك يعود لكون حزب "العدالة والتنمية" هو الحزب الحاكم. وفئة أخرى بحسب الخبير المصري سيستمر وجودها في تركيا دون ممارسة أي نشاط معادي لمصر.
وبشأن تأني القاهرة في الرد على التصريحات التركية، أوضح راغب أن السبب يعود لخلط الأوراق الذي تنتهجه تركيا وحديثها عن ترسيم الحدود والمصالحة في آن واحد، خاصة أن ترسيم الحدود البحرية يتعارض مع قانون أعالي البحار الذي لم توقع عليه تركيا، مشددا على أن مصر لديها علاقات قوية مع قبرص واليونان، وأنها لن تقيم أي علاقات على حساب علاقات أخرى.
وأشار سمير راغب إلى أن الرسائل المختلطة من الجانب التركية خلقت حالة من عدم الثقة لدى القاهرة تجاه تركيا، إلى جانب أن حديث الجانب التركي عن علاقات اقتصادية واستخباراتية هي بالفعل قائمة بين كل الدول حتى في حالات الاختلاف تعد توصيفا للعلاقات وليس تمهيدا لصفحة جديدة.
وشدد راغب على أن مصر لن تذهب لمفاوضات دون رؤية عربية مشتركة فيما يتعلق بالقضايا العربية وعلى رأسها ليبيا وسوريا والعراق، وذلك من خلال التشاور العربي كما حدث في أزمة قطر، والتي حلت من خلال التوافق الرباعي.
تسوية دولية
في الإطار ذاته، قال المحلل السياسي التركي فراس أوغلو:
إن ملف قيادات الإخوان سيكون الملف الأخير في المباحثات بين مصر وتركيا.
وأضاف أوغلو في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المصالح المشتركة بين البلدين أكبر من ملف الإخوان، والملف الليبي والمتوسط هي من أهم الملفات التي تتلاقى فيها المصالح المشتركة، لافتا إلى أن قيادات الجماعة ليست فاعلة في المشهد، وأن الإدارة الأمريكية تحاور بها بعض الدول الأخرى، خاصة أن الكثير من الدول تعتبر الإخوان "حزبا سياسيا"، وهو متواجد في العديد من العواصم.
وبحسب الخبير التركي، قد يكون هناك توجه دولي لتسوية ملف "الإخوان المسلمين"، خاصة أن الإخوان يشكلون الحكومات في العديد من الدول، وأن الإدارة الأمريكية قد تعمل على تسوية الملف في إطار استقرار المنطقة.