فقد أعلنت إيران عن ظهور "تفاهم جديد" بين أطراف محادثات فيينا الرامية إلى إنقاذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.
وقال مراقبون إن "المؤشرات إيجابية إلى الآن، بشأن إمكانية الخروج باتفاق في محادثات فيينا، مؤكدين أن الأيام القادمة ستثبت مدى نجاح الوساطة الأوروبية، وهل بالإمكان البناء عليها أم ستعود الأمور إلى نقطة البداية من جديد".
وثيقة مشتركة
قال نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في ختام الجولة الثانية من محادثات اللجنة المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، إن "الاجتماع شهد "مناقشات جيدة" حول نتائج أنشطة فريقي العمل بشأن رفع العقوبات الأمريكية والالتزامات النووية".
وأضاف عراقجي الذي يقود وفد بلاده في فيينا: "يبدو أن تفاهما جديدا آخذ في الظهور، وثمة هدف مشترك لدى الجميع، إن السبيل الذي يجب سلكه معروف الآن بصورة أفضل... لكن الطريق ليس سهلا وهناك بعض الخلافات الشديدة".
وأعلن عراقجي أن "المحادثات وصلت إلى مرحلة يمكن فيها العمل على وثيقة مشتركة حول العودة إلى الاتفاق النووي".
نجاح أوروبي
اعتبر محمد بركات، خبير الشؤون الأوروبية والمقيم في بروكسيل، أن "الوساطة الأوروبية بين أمريكا وإيران في طريقها للنجاح، وأن الاتحاد الأوروبي يبذل كافة الجهود الممكنة والمتوفرة لديه من أجل إنجاحها"، لأنه يرى أن "هذا الاتفاق يمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية خلال السنوات القادمة، وعاملا لإحلال السلام والاستقرار في منطقة الخليج".
وكشف محمد بركات عن "وجود بعض المحاولات من قبل دول خليجية لتحسين وتخفيف حدة التوتر بينها وبين إيران، وهذا عامل إيجابي، خاصة أن اندلاع حرب في منطقة الخليج سيؤدي إلى مشاكل ودمار كبير، يضر بكافة دول المنطقة لا سيما الخليجية والعربية منها، ومن مصلحة هذه الدول أن تعود العلاقات مع إيران كما كانت عليه قبل التوترات والنزاعات الأخيرة في المنطقة".
ويرى بركات أن "خلال الـ 8 سنوات الأخيرة كانت هناك محاولات لاستبدال العدو الإسرائيلي للدول العربية بإيران، ولا يوجد أسباب كافية لهذا العداء، وكانت هناك محاولات من بعض الدول الخليجية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران إلى مجراها الطبيعي، لكنها باءت بالفشل بسبب ما تراه بعض الدول من تدخلات إيران في المنطقة، خاصة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق".
وفي هذا الإطار، قال محمد بركات: "إن بعض الدول تسعى لعقد اتفاقية جديدة مع إيران تضم موضوع الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيرانية في المنطقة، لكن على ما يبدو لن تقبل طهران أي تغيير في الاتفاق الأساسي الذي تم توقيعه عام 2015، ولكن ربما يمكن التفاوض على هذه الموضوعات في المستقبل".
ويعتقد بركات أن هناك تنازلات من قبل الطرفين، خاصة أمريكا التي اقتنعت الآن بضرورة البدء بإزالة ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بشكل تدريجي، مقابل أن تحصل على ضمانات بعودة إيران لتخفيف نسب تخصيب اليورانيوم، والتي وصلت إلى 60% بدلا، من 3.7% كما نصت عليها الاتفاقية النووية الأساسية.
وأوضح أن "الأيام القادمة ستكشف مدى نجاح الاتحاد الأوروبي في هذه الوساطة، معتقدًا أن الأجواء إيجابية لا سيما وأن العديد من المسؤولين السياسيين في أمريكا شاركوا في صياغة الاتفاق خلال السنوات الماضية، وعلى علم جيد به".
مؤشرات إيجابية
بدوره اعتبر الدكتور عماد أبشناس، المحلل السياسي الإيراني، أن "التصريحات التي أطلقتها إيران ودول الاتحاد الأوروبي إلى الآن إيجابية، ولكن من غير المعلوم إذا كان هناك أي اتفاق يمكن التعويل عليه في هذا الإطار أم لا؟".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإنه "إذا كانت النوايا صادقة، وتم رفع العقوبات الأمريكية بشكل عملي عن إيران، فيمكن أن نقول إن الأمور قد تم حلها بالفعل، لكن إذا كانت مجرد تصريحات فهذا يعني أن الأمور لا تزال معقدة ويصعب حلحلتها".
ويرى المحلل السياسي الإيراني، أن الأيام القادمة ستؤكد أي الروايتين أصدق، وستؤكد النوايا سواء كانت صادقة أو لا، وسنرى النتيجة التي ستخرج بالكلية من هذه الاجتماعات والمفاوضات.
وبشأن التصريحات الإيرانية التي تؤكد قرب الوصول إلى وثيقة مشتركة، أكد أبشناس، أنها "تعني الوصول إلى طريق عمل مشترك، يمكن أن يرسم الخطوات التي يجب على الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذها، وبالمقابل الخطوات التي يجب على إيران المضي قدمًا فيها".
وتستضيف فيينا محادثات برعاية الاتحاد الأوروبي حول سبل إنقاذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في ظل انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018 خلال ولاية رئيسها السابق، دونالد ترامب، الذي فرض عقوبات موجعة على الطرف الإيراني، ليرد بخفض التزاماته ضمن الصفقة منذ 2019.
وتجري المحادثات رسميا بين إيران من جهة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، لكن الاتحاد الأوروبي سبق أن أكد مشاركة الولايات المتحدة، التي يقيم وفدها بفندق قريب، في الحوار دون أن تخوض في أي اتصالات مباشرة مع الطرف الإيراني الذي يرفض التفاوض مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل رفع العقوبات.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضية، إن "المحادثات الرامية لإنقاذ الاتفاق المبرم عام 2015، ستستمر بضعة أيام تعقبها فترة توقف حتى يتسنى للمسؤولين الإيرانيين والأمريكيين العودة إلى بلادهم للتشاور".