فالتصريحات الأخيرة لرئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، فتحي الجراي، داخل البرلمان التونسي، كشفت عن حجم الانتهاكات المرتكبة داخل الأماكن السالبة للحرية، والتي تراوحت بين سوء المعاملة والتعذيب الجسدي والنفسي والاكتظاظ وانعدام النظافة وغياب الرعاية الصحية أثناء الجائحة وقبلها.
وأكد الجراي لنواب البرلمان أن الهيئة تلقت ما يزيد عن 630 إشعارا بخصوص الانتهاكات المحتملة لحقوق الانسان في الأماكن السالبة للحرية أو المتعلقة بشبهات تعذيب أو سوء معاملة، وأنها نفذت حوالي 600 إحالة إدارية إلى السلطات المختصة، وأكثر من 70 إحالة قضائية إلى المحاكم.
وأقر رئيس الهيئة بأن معظم الأماكن السالبة للحرية في تونس لا تستجيب للمعايير الدولية ذات العلاقة بظروف الاحتجاز، سواء من ناحية الحيز المكاني المخصص لكل محتجز أو النظافة ونوعية الأكلة والرعاية الصحية الأساسية والتعاطي مع الجائحة وكذلك نوعية الحياة الجماعية في الأماكن المغلقة.
وقال إن معاملة المحتجزين ما تزال تنطوي على انتهاكات متواترة لحقوق الإنسان، ولا تحترم معظم الضمانات الأساسية التي كفلها القانون التونسي للسجين، مؤكدا تواتر الاعتداءات الجسدية والنفسية على السجناء خاصة خلال الإيقافات التي عقبت الاحتجاجات الأخيرة والتي انطوت على معاملات مهينة وقاسية، حسب قوله.
وأفاد الجراي أن محدودية مراكز التأهيل والإعداد للإدماج في المجتمع بعد قضاء العقوبة السجنية جعلت نسب العود مرتفعة جدا، حيث تصل إلى 40 بالمائة لدى بعض أصناف السجناء.
اكتظاظ قاتل
وأكد الشارني أن هذا العدد يصل إلى 50 ألف في السنة باحتساب الوافدين الجدد والأشخاص المغادرين، معتبرا أن عددهم ضخم جدا مقارنة بعدد الوحدات السجنية التي لا تتجاوز الـ 25 وحدة.
وقال الشارني إن معظم السجون التونسية تستقبل ضعف ما تسمح به طاقة استيعابها، وهو ما أدى إلى تردي ظروف الإقامة وتدني خدمات الصحة والأكل والنظافة فضلا عن انتشار الأمراض.
ووصف الحقوقي هذا الاكتظاظ بالقاتل خاصة في ظل انتشار جائحة كورونا وصعوبة تطبيق إجراء التباعد في غرف تضم العشرات من السجناء، منبها من خطورة غياب تطبيق الإجراءات الوقائية داخل السجون.
وفي هذا الاطار أكد المتحدث إصابة أكثر من 1700 سجين بفيروس كورونا ووفاة 6 منهم.
وإلى جانب الاكتظاظ، قال الشارني إن المنظمة عاينت العديد من الحالات التي تشكو من العنف الجسدي الذي يمارسه الأعوان على السجناء داخل غرفهم، فضلا عن تواتر الإهانات اللفظية والتعسف في تسليط العقوبات عليهم، مثل الحرمان من الزيارة ومن الأكل الذي تجلبه عائلاتهم وفرض السجن الانفرادي على أبسط الأسباب.
وأفاد الشارني بأن السجون تشكو من نقص فادح في تفعيل منظومة الشكاوى، مشيرا إلى أن العديد من السجناء يمتنعون عن تقديم الشكوى خوفا من التشفي والانتقام.
وفي تصريح لـ "سبوتنيك" قال كاتب عام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إن السبب الرئيسي وراء استمرار ظاهرة التعذيب في السجون التونسية هو إفلات المذنبين من العقاب.
وأضاف "كلما تعلق الأمر بشكوى في سوء المعاملة أو الاعتداء بالعنف ضد عون من أعوان السجون أو عون من أعوان وزارة الداخلية إلّا ويتم قبر الملف أو فتح بحث تحقيقي ضد مجهول وهو ما يمنع عائلة السجين من القيام بالحق الشخصي".
واعتبر الطريفي أن هذه الممارسة تعود بالأساس إلى غياب التعاطي الإيجابي من وزارتيْ الداخلية والعدل مع هذه الشكاوى، مؤكدا أن سلطات الإشراف عادة ما تمتنع عن مد حاكم التحقيق بأسماء الأمنيين المشتبه فيهم بغية منع القضاء من الوصول إلى هوياتهم.
وأشار الطريفي إلى وجود نوع من التراخي لدى القضاء في القيام بالإجراءات اللازمة ضد من نسب إليهم الانتهاك، مؤكدا أن حوالي 90 بالمائة من القضايا التي تقدم عن طريق عائلات السجناء يتم "قبرها" سواء بالحفظ لعدم كفاية الحجة أو لعدم التعرف على هوية المضنون فيه.
ولفت "حتى القضايا التي يباشر القضاء في التحقيق فيها تستمر لفترة طويلة تصل إلى الخمس سنوات، وهو ما يؤدي إلى اتعاب المتقاضي الذي يجد نفسه مجبرا على ترك حقه".
وقال الطريفي إن القضاء بتساهله مع هذه القضايا أسهم باستمرار هذا النوع من الجرائم، مشيرا إلى غياب الإرادة السياسية لتتبع المجرمين ومحاسبتهم في إطار جرائم التعذيب.