تتركز أنظار المراقبين في الداخل الإيراني والخارج نحو الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران في دورتها الثالثة عشرة على تموضع الحرس الثوري الإيراني لتحقيق أهدافه منها، والذي يسعى منذ الآن للسيطرة على السلطة التنفيذية في البلاد، من خلال الأشخاص الذين أعلنوا ترشحهم لهذه الانتخابات.
ولفت ترشح قيادات "الحرس الثوري" الأوساط الإعلامية الإيرانية والمحللين الإيرانيين خلال الفترة الماضية، حيث بعد وصول قائد سلاح الجو السابق في الحرس الثوري محمد باقر قاليباف إلى رئاسة البرلمان وسيطرة التيار الأصولي على البرلمان، وتعيين الأصولي البارز إبراهيم رئيسي رئيسا للسطة القضائية في البلاد، لم يتبق أمام الأصوليين إلا السيطرة على السلطة التنفيذية.
واعتبر أمير موسوي الدبلوماسي الإيراني السابق في تصريح لوكالة "سبوتنيك" اليوم الجمعة، أن جميع المرشحين من جنرالات الحرس الثوري استقالوا من مناصبهم العسكرية وأصبحوا مدنيين ويحق لهم الآن الترشح للانتخابات المقبلة كمواطنين عاديين.
وأضاف موسوي: "يوجد توجه نحو شخصيات عملت في الحرس الثوري، لأن الحرس الثوري باعتباره مؤسسة أثبتت خلوصها وعدم فسادها ونظافتها وجديتها ووطنيتها بامتياز، لذا هناك توجه شعبي كبير باتجاه الحرس الثوري".
في المقابل، أوضح أستاذ العلوم السياسية، الإيراني، صادق زيبا كلام، في تصريح لوكالة "سبوتنيك": "بأنه لايعتقد أن توجه جنرالات الحرس الثوري للترشح إلى الانتخابات الرئاسية القادمة في مصلحة الجمهورية الإسلامية ولا النظام الإسلامي في بلادنا ويضر بالنظام الإيراني برمته".
الجنرالات نحو الرئاسة
في نهاية 2020 رفضت السلطة التشريعية في البلاد (البرلمان) التي يسيطر عليها المحافظون، المقترح الذي يسد الطريق في وجه ترشح كبار الضباط في القوات المسلحة الإيرانية ابتداء من رتبة عميد وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام، مما يبقي الباب مفتوحا لمسؤولي القوات المسلحة لأن يتنافسوا على تولي رئاسة البلاد، وذلك حسبما نقل التلفزيون الرسمي في ذلك الحين.
وإن إزالة العقبات القانونية أمام دخول ممثلين للمؤسسة العسكرية وخاصة الحرس الثوري إلى المؤسسات المدنية والمشاركة بالانتخابات، دفعت جنرالات كثر إلى إعلان دخولهم السباق الانتخابي الرئاسي، مثل مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية، ووزير الدفاع السابق حسين دهقان، والقائد الأسبق لـ "الحرس الثوري" والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام، الجنرال محسن رضائي، والجنرال سعيد محمد، قائد "مركز خاتم الأنبياء" الذراع الاقتصادية لـ"الحرس الثوري"، و الجنرال رستم قاسمي، مسؤول القسم الاقتصادي في "فيلق القدس" الذراع الخارجية لـ"الحرس الثوري"، ورئيس "مؤسسة المستضعفين" الجنرال برويز فتاح.
ولفت أستاذ العلوم السياسية الإيراني، زيبا كلام لوكالة "سبوتنيك" إلى أن:
"القوات المسلحة للدول لديها مكانة أعلى وأكبر من الأحزاب والمحاور السياسية، وما يفعله بعض جنرالات الحرس الثوري في التفكير والإقدام على الترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة قد يؤدي إلى القضاء على المكانة والقدسية للقوات المسلحة".
لكن في المقابل، شدد الدبلوماسي الإيراني السابق موسوي لـ "سبوتنيك" أنه يرى "أن الأسماء التي تطرح لبعض الأشخاص من الحرس الثوري مرغوبة الآن في الشارع الإيراني".
وقال: "من ناحية تقديم الخدمات إلى المجتمع والى المواطن الإيراني لاحظنا في السيول والزلازل في الأزمات، حتى في كورونا، حيث كان للحرس الثوري دور ريادي في هذه الأمور والناس استأنسوا بخدمات الحرس الثوري ولمسوا الخدمات الصادقة التي قدمها الحرس الثوري للمواطنين".
ومن بين الشخصيات العسكرية الأخرى البارزة، التي يتم تداولها للترشح للانتخابات المقبلة بقوة، رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، الذي شغل العديد من المناصب في حياته السياسية والأمنية، أحد هذه المناصب، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، لكنه أخفق في عدة جولات، خاض فيها غمار المنافسة، كان آخرها خلال الانتخابات الرئاسية عام 2017.
ولفت الدبلوماسي السابق أمير موسوي إلى أن "الأسماء الكبيرة إلى الآن لم تأت إلى ميدان الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كرئيس السلطة القضائية السيد إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، وإذا طرحت هذه الأسماء فإن المعادلة سوف تتغير بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة".
وتعقيبا على إعلان الجنرالات الترشح للرئاسة، حث الرئيس الإيراني الإصلاحي الحالي، حسن روحاني، الجنرالات على الابتعاد عن العمل السياسي، مطالبا العسكر في بيان بمناسبة يوم الجيش قبل أيام، ليس فقط بعدم الدخول في الحياة السياسية بل بحماية سيادة الشعب والحكومة المنتخبة من قبل الشعب.
وأردف صادق زيبا كلام "أن بعض العسكر ممن يريدون الدخول في المعترك السياسي يشعرون أنهم يستطيعون ملء الفراغ بعيدا عن الأحزاب وإبعاد البلاد عن التفرقة وأنا لا أقبل بهذا التوجه لأنه أعتقد أن بقاء العسكر بعيدين عن الحياة السياسية أمر مهم للغاية وخاصة في العصر الحالي الذي تسعى فيه الشعوب للحكم وإخراج رئيس من الشعب نفسه".
رئيسي بين منصب الرئيس والمرشد
تشير التقارير إلى أنه لم يستطع أي قائد عسكري في الحرس الثوري الإيراني الوصول إلى منصب الرئاسة في إيران منذ عام 1979 وحتى اليوم، مما يعيد إلى الواجهة، رئيس السلطة القضائية الحالية، إبراهيم رئيسي، والذي هزم أمام الرئيس الحالي حسن روحاني في انتخابات 2017.
حيث إن أوساط المحافظين تؤكد مطالبتها رئيسي لخوض غمار الانتخابات المقبلة، مشيرة إلى أنها وجهت دعوة له للمشاركة دون تلقي إجابة منه حتى الآن، وذلك حسبما صرح وزير الخارجية السابق منوچر متكي، المتحدث باسم المجلس الموحد للأصوليين الذي قال: "إن رئيسي يأتي كأولوية في قائمة المرشحين".
وبينما تتحدث الأوساط المحافظة عن احتمال مشاركة رئيسي في الانتخابات المقبلة، يسعى البعض الآخر إلى ربط اسم رئيسي بقائمة المرشحين المحتملين لتولي منصب "المرشد الأعلى"، لخلافة المرشد الحالي علي خامنئي، ويعتبرون أن رئيسي الشخصية الوحيدة التي قد تناسب هذا المنصب.
ويأتي كل ذلك في وقت تقوى فيه التوقعات بأن يكون الرئيس المقبل أصولي، بعد تجربة الانتخابات التشريعية في فبراير 2020. كما وحتى الآن لم تظهر الصورة العامة للمرشحين، ولم يحدد من سيتخطى عتبة مجلس صيانة الدستور. المؤسسة التي تقرر صلاحية المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية.
التيار الإصلاحي وجبر الماضي
في الطرف المقابل، لدى التيار الإصلاحي فإنه حتى الآن لم يُعلن ترشيح شخصا محددا لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها: ضعف التيار الإصلاحي وعزوف قاعدته الشعبية عن المشاركة في الانتخابات، حيث إن سياسية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاه الجمهورية الإسلامية وانسحابه من الاتفاق النووي وعودة العقوبات أشد من السابق وجهت ضربة كبيرة للإصلاحيين في إيران بقيادة روحاني، وذلك حسبما رأت صحيفة "آرمان ملي" المعتدلة في أحد تقاريرها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية الإيراني، صادق زيبا كلام، في هذا السياق: "إن أهمية عودة أميركا إلى الاتفاق النووي وتعليق جزء من العقوبات تتجلى في مسير الانتخابات الرئاسية القادمة بالنسبة للتيار الإصلاحي، حيث يستطيع هذا التيار القول للشعب إنكم إذا انتخبتم مرشحنا فإنه سوف يكمل رفع العقوبات بشكل كامل، تلك العقوبات التي علق جزء منها في هذه الفترة إذا ما حدث ذلك، ولكن هذا الأمر ليس صحيحاً ولن يحصل".
وأشار زيبا كلام، إلى أن حكومة الرئيس الإصلاحي الحالي حسن روحاني، تسعى من خلال إيجاد حلول لرفع العقوبات وإعادة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي في المفاوضات غير المباشرة الجارية حاليا فيينا، إلى جبر ما كسر في الماضي، قائلا: "إن كل البرامج الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ربطتهم حكومة الرئيس روحاني بالمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد فشلت في ذلك".
وأضاف
"أعتقد أن الإدارة الحالية في أميركا حسب الأدلة الظاهرة حاليا، لا يبدو أنهم يريدون رفع هذا البلاء عن إيران، حيث سوف يقولون إننا نستطيع رفع جزء من العقوبات غير المهمة لكي يبدون الثقة للحكومة الإيرانية الحالية حكومة الرئيس روحاني".
واذا ما نجح التيار الإصلاحي في رفع العقوبات قبل نهاية ولاية روحاني الحالية، فإن أبرز ما في قائمة هذا التيار للترشح بقوة، هو علي لاريجاني، الذي شغل منصب رئيس البرلمان الإيراني السابق ويشغل حاليا منصب مستشار المرشد الأعلى للشؤون السياسية الخارجية، يليه وزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف مهندس الاتفاق النووي مع واشنطن، والذي لم يبد اهتماماً بالترشح حتى الآن.
ويظهر المشهد الانتخابي في إيران الذي لم يتضح بشكل جلي حتى الآن، أن المنافسة ستكون في أوساط التيار الأصولي والعسكر فقط، حيث تشير استطلاعات الرأي التي أجريت في البلاد مؤخرا إلى أن المشاركة في الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف تقتصر على الناخبين المؤيدين للتيار الأصولي، وقد تأتي نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية على غرار الانتخابات البرلمانية التي سجلت أدنى نسبة مشاركة.