هل تنجح تلك المفوضية في القضاء على الفساد.. أم تتصادم مع لجنة إزالة التمكين؟
يرى الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور محمد الناير، إن "المشكلة في القانون الذي أقرته الدولة بإنشاء مفوضية مكافحة الفساد، أن تلك المفوضية ستكون مع لجنة إزالة التمكين، أي سيكون هذين الكيانين موجودين مع بعضهم البعض، وكان يفترض أن تكون تلك المفوضية مكان لجنة إزالة التمكين، باعتبار أن هذه المفوضية أيضا تكافح الفساد ولديها مهام تتوافق مع المعايير الدولية.
وجودها مهم
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المفوضية يفترض أن لوائحها وقوانينها تتوافق مع قوانين ولوائح مجموعة العمل المالي الدولية، بالتالي وجود تلك المفوضية مهم جدا لمكافحة الفساد واسترداد الأموال، وأيضا متابعة قضايا غسيل الأموال ودعم الإرهاب بصورة أساسية.
وتابع الخبير الاقتصادي، نأمل أن يتم تكوين المفوضية من أجهزة قانونية وعدلية، من النيابات والقضاء، بالإضافة إلى الجانب الإداري الذي يكون ملم بالتفاصيل، وتكون إجرائاتها عدلية بحتة من نيابة وقضاء، ويجب على الدولة أن توضح من خلال هذا القانون كيفية استمرار مفوضية مكافحة الفساد ولجنة إزالة التمكين، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران، وكيف تتعامل تلك المؤسسات دون أن يتعارض عملها مع بعضها البعض، وهذا هو التحدي الكبير الذي يمكن أن يواجهها في المرحلة القادمة.
إشكالية الحصانة
وأكد الناير، أن هذا القانون مهم جدا ودار حوله جدل في النظام السابق، فيما يتعلق بقضية الحصانة، وتمت إجازته من البرلمان السابق، لكن كانت هناك إشكالية، كأن النظام السابق كان يريد أن تكون الحصانة قوية وهو ما يعرقل عمل المفوضية، ونأمل أن يكون القانون المجاز ليس به حصانات حتى يحقق العدالة المرجوة.
سلطات واسعة
من جانبه، قال المحلل السياسي السوداني الدكتور ربيع عبد العاطي، إن
القانون الجديد المتعلق بإنشاء مفوضية مكافحة الفساد، بكل تأكيد هو قانون لا فائدة منه، حيث سبق إجازة قانون بإنشاء لجنة إزالة التمكين والتي تقوم اليوم بالمصادرة للممتلكات وتقوم بالتحقيق والقبض وتسجن ولا تهتم حتى بأحكام القضاء، وذلك لعدم وجود المحكمة الدستورية.
وأكد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أي قوانين جديدة بعد قانون لجنة إزالة التمكين، سيكون تحت رحمة لجنة التمكين والتي تستطيع إلغائها، لذا كان من الأولى أن تقوم المحكمة الدستورية التي تحفظ الحقوق والواجبات وتحدد العلاقات وتقنن القوانين، لأن الدستور هو أبو القوانين الذي يضمن تنفيذ العدالة وسيادة حكم القانون.
وأشار عبد العاطي إلى، أن أي قانون يتم إجازته في ظل وجود قانون إزالة التمكين، سيكون له مفعول، خاصة أن قانون إزالة التمكين، يقوم بفصل القضاة والنيابة والمستشارين بوزارة العدل، وهى تعمل فوق القانون تماما، وتسير بالبلاد نحو شريعة الغاب، لذلك لا أري أن أي قانون يتم إجازته سيكون له دور في ظل وجود لجنة إزالة التمكين، حتى وإن تعلق هذا بمفوضية مكافحة الفساد.
البرلمان المؤقت
أجاز البرلمان المؤقت في السودان، أمس السبت مشاريع قوانين مفوضيات مكافحة الفساد والعدالة الانتقالية والسلام، وجدد الثقة في لجنة إزالة تمكين وتفكيك النظام السابق، التي تثير جدلا واسعا.
وبحسب صحيفة "التغيير السودانية"، منحت الوثيقة الدستورية - التي تحكم فترة الانتقال، صلاحيات المجلس التشريعي إلى اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، إلى حين تشكيل المجلس.
وقال وزير العدل نصر الدين عبد الباري، في تغريدة على حسابه بتويتر، أمس السبت، "الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء، أجاز مشاريع قوانين مفوضيات، مكافحة الفساد والعدالة الانتقالية والسلام".
وأشار إلى أن المجلس صادق أيضا على مشروع قانون تطوير الصناعة ومشروع قانون الموارد المائية.
وقال المتحدث باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، إن البرلمان المؤقت "أمن على استمرار لجنة تفكيك النظام السابق.
وأضاف، "الاجتماع أمن على دعم لجنة التفكيك لتستمر في مهامها المنصوص عليها الدستورية، فيما يتم تشكيل مفوضية لمكافحة الفساد يناط بها مهام محاربة الفساد".
وطلب الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الأسبوع الماضي، إزالة التعارض بين قانون لجنة التفكيك ومشروع قانون مفوضية مكافحة.
وأشار الفكي، إلى أن الاجتماع المنعقد الأخير خلص إلى "وجود اختلاف في طبيعة عمل مفوضية الفساد ولجنة التفكيك، الأمر الذي يستلزم مباشرة المفوضية واللجنة لأعمالهما بشكل منفرد وقائم بذاته، نظرا لاختلاف طبيعة ومهام كل منهما".
وبحسب صحيفة "سودان تربيون" في النصف الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، فقد منح مشروع القانون "مفوضية مكافحة الفساد"، صلاحيات واسعة شملت إسقاط حصانة أي شخص في إجراءات التحقيق المتخذة ضده.
يشار إلى أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كان قد قال في الـثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، إن حكومته تعمل على تشكيل مفوضيات مستقلة في القريب العاجل، وهي مفوضيات طالبت الوثيقة الدستورية ـ التي تحكم فترة الانتقال ـ بتكوينها، بينها مفوضية مكافحة الفساد.
وعلى مستوى تفاصيل مشروع قانون مفوضية مكافحة الفساد، والذي أعده مشرعو وزارة العدل، فقد أكد على أن المفوضية مستقلة تماما عن الجهاز التنفيذي، يعلنها رئيس الوزراء بموافقة المجلس التشريعي، الذي يحق له مساءلة المفوضية عن أعمالها.
وشدد مشروع القانون على أنه
"بالرغم من أي نص في أي قانون آخر، لا يتمتع أي شخص بأي حصانة في أي إجراءات تحقيق تتخذ ضده بواسطة المفوضية".
ومنح مشروع القانون المفوضية سلطات التحقيق في أوجه الفساد المالي والإداري في أي معاملات تبرمها أجهزة الدولة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بشأن العقود والمعاملات التي تنطوي على فساد.
بموجب مشروع القانون، يحق للمفوضية أن تطلب من النيابة إجراء تحقيقات حول أي موضوع يدخل ضمن اختصاصتها، إضافة إلى طلب الإطلاع على مجريات أي إجراءات متعلقة بالفساد من مؤسسات الدولة.
وأعطى مشروع القانون المفوضية سلطة استدعاء أيّ شخص أو موظف عمومي أو موظف عمومي أجنبي ليُمثل أمامها للتحقيق معه أو تقديم وثائق أو الإدلاء بمعلومات، إضافة إلى سلطة إصدار أوامر الحجز على الأموال قيد التحقيق أو تجميدها.
ولمفوضية مكافحة الفساد الحق في التحقيق حول الشكاوى وادعاءات الفساد واتخاذ الإجراءات التحفظية التي تشمل حظر الأشخاص من السفر خارج البلاد، علاوة على ذلك، يحق لها الإطلاع على الأرصدة البنكية وطلب أي مستندات من أجهزة الدولة.
ومنح مشروع القانون المفوضية حق دخول أي مؤسسة حكومية أو شركة حكومية أو شركة تساهم فيها الحكومة دون إخطار مسبق.
وأقر مشروع القانون أن للمفوضية نيابة مختصة، تُسمى نيابة مكافحة الفساد، تقوم بالإشراف على الدعاوى الجنائية في الشكاوى المقدمة إليها من المفوضية، كما يحق لها إنشاء وحدة تحقيق بها قانونيين وأشخاص ذوي خبرة في التحقيق الجنائي، ويمكن لهذه الوحدة أن تطلب انتداب أي موظف ليعمل فيها.
جدير بالذكر، أن السودان ظل ومنذ سنوات مصنفا في مؤشر مدركات الفساد، ضمن قائمة الدول الـ20 الأكثر فسادا في العالم، من جملة حوالي 180 دولة.
وقد رصد بيان صادر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن منظمة الشفافية السودانية عدة أسباب قال إنها "أدت إلى تدني موقع السودان في مؤشر الشفافية الدولية المعروف بـ"مدركات الفساد".
وأكدت المنظمة، أن المطلوب من السودان حتى يرتقي في مؤشر مكافحة الفساد الالتزام باستمرار مكافحته، والامتثال الصارم لسيادة حكم القانون والترويج المفتوح للشفافية المؤسسية.