ما الشروط التي وضعها مؤتمر باريس لرفع الديون عن السودان؟
ويهدف المؤتمر إلى إعفاء الخرطوم من 60 مليارا من الديون وجذب الاستثمار، ودمج البلاد في المجتمع الدولي بعد عزلة قاربت ثلاثة عقود... فهل سيحقق المؤتمر تطلعات حكومة حمدوك؟
يرى مراقبون أن "عمليات رفع الديون وفقا لما هو متعارف عليه في المجتمع الدولي تتطلب إجراءات ولها شروط يجب أن تتحقق على أرض الواقع وهو أمر غير متوفر حاليا في السودان".
علاوة على ذلك، هناك الكثير من الأمور التي قد تؤثر على الهدف الثاني للمؤتمر وهو جذب الاستثمارات، ألا وهي عوامل الجذب وتوفير المستلزمات، وهذا أيضا غير متوفر، فهناك عجز كبير في الكهرباء والإنترنت وغيرها، لذا فالآمال الكبيرة المتعلقة بالمؤتمر قد تصطدم بالواقع.
وأكّد البروفيسور السوداني، علام أحمد، رئيس المنظمة العالمية للتنمية المستدامة ومدير مركز الشرق الأوسط للاقتصاد المبني على المعرفة، أنه "بعد أكثر من عامين على الثورة حدثت تغيرات كبيرة في البلاد نحو التحول الديمقراطي والاتجاه نحو العالم الخارجي، ونجحت الحكومة في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعدما يقارب ثلاثة عقود من العزلة، وفي رأيي هي أهم التحولات التي حدثت".
رفع الديون
وأضاف أحمد في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن "السودان اليوم بحسب ما جاء على لسان وزير الاستثمار ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إن أهم الأشياء التي يتطلعون إليها من مؤتمر باريس، هي إظهار السودان وإعادته إلى مكانه الحقيقي في العالم، وأنه بلد ينبذ الإرهاب وينشد السلام والأمن ومنفتح على العالم ويفتح الباب أمام كل من يساعد في تطورها واندماجها مع المجتمع الدولي".
وقال رئيس المنظمة العالمية حول تطلعات السودان لإسقاط أكبر قدر من ديونه في هذا المؤتمر، إن "الديون الخارجية على البلاد والبالغة 60 مليار هى ديون ضخمة، وتقابلنا في السودان مشاكل كبيرة جدا، لأنه في تاريخ الأمم المتحدة والدول الدائنة، ليس بالسهولة إزالة الديون من على كاهل الدول المدينة، ولا نجد اعتبارات كبيرة للتحولات السياسية في الدول المدينة من النظم الدكتاتورية الشمولية إلى النظم الديمقراطية، فعملية رفع الديون تحتاج إلى مجهودات كبيرة، علاوة على جائحة كورونا التي أثرت على كل العالم، لذا فالدول التي سنطلب منها التنازل عن الديون علاوة على مطالبتها بدعم الاقتصاد السوداني، هي نفسها اليوم مدينة بمليارات الدولارات وتعاني من أزمات، والأمور جميعها متقلبة وغير مستقرة، والجميع يفكر الآن في كيفية وقاية مواطنيه من هذا الوباء، وبالتأكيد كل الأشياء السابقة تؤثر سلبا على الآمال المعقودة على هذا المؤتمر".
شروط الدائنين
وأشار أحمد، إلى أن "هناك بعض الشروط يمكن وضعها من جانب الدول الدائنة لرفع الديون عن البلاد، إن أحد تلك الشروط وأهمها أن تكون لدى الدولة المدينة خطة استراتيجية واضحة لإزالة الفقر من البلاد، ونحن كخبراء سودانيين أو غير سودانيين لا نعرف حتى الآن ما هي خطة الدولة بالضبط لتلبية هذا الشرط الأساسي لإزالة الديون، علاوة على ذلك، نجد البنك الدولي يركز اهتمامه على دور المرأة في التنمية والاقتصاد، فهل نرى اليوم مشاركة حقيقية للمرأة في السودان، في الحقيقة هي مشكلة غير واضحة، كما أن البنك الدولي والجهات الدائنة الأخرى حريصين على أن يكون هناك دور للشباب في إدارة الدولة والتنمية.
وأوضح رئيس المنظمة العالمية بأن "هناك شروط أخرى من الدائنين لرفع الديون من بينها، أن يكون هناك نموذج وتحول ديمقراطي حقيقي، وما جرى قبل أيام قد يؤثر على تقبل العالم لنا بأننا تحولنا، بالطبع ثلاثة عقود مضت ليس من السهل تغيير ما نتج عنها بسهولة، لكن المفروض أن تكون هناك خطوات حثيثة لكي نظهر للعالم أننا جادّين وصادقين في تحولنا من أجل الاندماج مع العالم".
عوائق رئيسية
ولفت أحمد إلى أن "الملفات التي تحملها الحكومة السودانية إلى مؤتمر باريس ربما لا تجد القبول التام قبل تحقيق السودان للشروط السابقة، وللأسف بعد أن حصلنا على نسخ من الملفات المقدمة للمؤتمر، لا أحد يعرف كيف تم بناء تلك الملفات، على الرغم من أن لدينا خبراء سودانيين عندهم جودة عالمية، لم يتم التشاور مع أحد منهم لتخرج الأمور بالصورة التي كنا نتمناها، وهناك مشكلتين أساسيتين في الملف السوداني المقدم للمؤتمر أولهما، هناك خلط بين المتعاطفين لرفع الديون وبين من يريدون الاستثمار في السودان، فإذا كنت أنا مستثمر فأريد من يخاطبني كمستثمر ويقول لي هناك فرصة للاستثمار أنا أوفر لك هذه الأمور".
واختتم رئيس المنظمة العالمية بأن "السودان لديه العديد من المشاكل منها، الكهرباء والإنترنت والأمن والسلام، كما أن السودان لديه مشكلة حقيقية في تحقيق اتفاقية السلام، وأيضا مشكلة التصالح مع النفس، وهذه أشياء يعرفها العالم أجمع، ومهما قدمت من ملفات العالم يحتاج أن يرى أن من قاموا بالثورة من شباب ونساء واقفين خلف الملف".
تأخر كثيرا
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي مدير إدارة السلع الاستراتيجية الأسبق بوزارة المالية السودانية، علي خليفة عسكوري، إن "مؤتمر باريس لمساعدة السودان تأخر كثيرا، وربما كان وباء كورونا سببا وراء هذا التأخر".
وأضاف عسكوري لـ"سبوتنيك"، أن "السودان يتوقع أن يتم إعفاءه خلال هذا المؤتمر من جزء كبير من الديون المستحقة عليه وقد تصل النسبة لأكثر من 80 بالمئة، كما نتوقع تمويل بعض المشروعات الخاصة بالبنية التحتية، حيث سيكون أغلب التمويل للمشروعات وليس لدعم ميزان المدفوعات".
وتابع عسكوري: "نتوقع أن يطلب من الحكومة السودانية مقابل رفع الديون زيادة في الإجراءات الأمنية، والعمل على تثبيت الاستقرار والسلام والمحادثات والمحاكمات وتسليم المتهمين إلى الجنائية الدولية، ورغم ما سبق إلا أن هناك مناطق مستقرة وآمنة بالبلاد".
الشراكة مع العالم
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الاقتصاد يتأثر كثيرا بعملية الاستقرار الأمني، لكنني أعتقد أن الوضع الأمني بصفة عامة مستقر، وهناك عمل مشترك بين الحكومة والمجتمع الدولي، والإعفاء من الديون قد لا يؤثر بصورة مباشرة على وضع الدولار أو سعر الصرف، وقد تستغرق الاستثمارات بعض الوقت لكي تدخل البلاد، لكن قد تصل الاستثمارات في المعادن إلى البلاد بصورة أسرع".
وأعلنت الحكومة السودانية، اليوم الاثنين، أن "فرنسا ستقدم قرضا تجسيريا للخرطوم، بقيمة مليار ونصف المليار دولار، لتسديد متأخرات ديونه لصندوق النقد الدولي، وتعزيز الشراكة بين البلدين".
وقال إعلام مجلس الوزراء السوداني، في بيان له، اليوم الاثنين، إن "دولة فرنسا أعلنت عن تقديم قرض تجسيري للسودان بمبلغ مليار ونصف المليار لتسديد متأخرات ديونه لصندوق النقد الدولي، وكذلك لتعزيز الشراكة بين البلدين".
وطالب وزير المالية الفرنسي برونو لومير، خلال حديثه في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر باريس "المستثمرين والشركات المشاركة في المؤتمر بالعودة إلى السودان والاستثمار فيه والمساهمة في جهود لتسوية الديون".
هذا كشف نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق وجنوب أفريقيا، حافظ غانم، اليوم الإثنين، في مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي فى السودان، عن منح البنك قرضا بمبلغ ملياري دولار خلال العشرة أشهر القادمة لدعم الخرطوم.
ووفقا لما نقلته وكالة أنباء السودان "سونا"، أكد غانم "العمل على تقوية رأس المال البشري في السودان عبرالبنك والشركاء الدوليين، إلى جانب دعم برنامج الأسر ومكافحة جائحة "كورونا" وقطاع الطاقة خاصة الطاقة الشمسية وتعزيز استخدام التقنية".
كما أشار إلى "الآثار الايجابية للإصلاحات الاقتصادية على صعيد التنمية فى فترة وجيزة، مؤكداً أن "السودان سيحقق فرصا كبيرة وأنه يزخر بثروة حيوانية كبيرة".
وأوضح أن "الموقع الجغرافي للسودان يؤهله للوصول إلى الأسواق الإقليمية خاصة في الشمال، بجانب إمكانياته الضخمة التي ستؤدي إلى تهيئة مناخ الإستثمار، ودعا حافظ المجتمع الدولي لمواصلة دعم السودان، مؤكداً أن البنك الدولي يعمل على تعزيز بيئة الاستثمار في السودان".
وقال: "إننا نتطلع للمزيد من العمل مع الحكومة وإن الشراكة مع البنك الدولي أمر بالغ الأهمية".
وأوضح أن "السودان قد استعاد عضويته الكاملة مع البنك الدولي، مطالباً المستثمرين باستغلال الفرص الماثلة والمتاحة فى السودان".
ومن أهداف مؤتمر باريس استقطاب بنوك دولية وإصلاحات مالية والتعامل مع المتأخرات المستحقة للمقرضين الدوليين قبل الانتقال إلى الدائنين الثنائيين. وحوالي نصف ديون السودان الثنائية مستحقة لأعضاء نادي باريس.
ولا يزال السودان في طور الخروج من عقوبات اقتصادية وعزلة استمرت لعقود في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل/ نيسان 2019 بعد انتفاضة شعبية.
وتحاول الحكومة الانتقالية التي عُينت بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين العسكريييّن والمدنييّن إخراج البلاد من أزمة اقتصادية عميقة، إذ تجاوز التضخم 300% وحصل عجز في السلع الأساسية.