هل سيحل قرار مجلس الأمن الأزمة أم يزيد من التوتر في المنطقة؟
بداية يقول الدكتور سمير غطاس، العضو السابق في مجلس النواب المصري، ورئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، عادة ما نبدأ متأخرين، والإعداد لمجلس الأمن كان يتطلب مجهودا كبيرا، فنحن قدمنا مذكرة للمجلس ولم نتقدم بشكوى وهناك فرق كبير بين الحالتين، ففي حالة الرغبة لاستصدار قرار وفق المادة السابعة للمجلس، كان يفترض أن نتقدم بشكوى وليس مذكرة، والكثير يعلم جيدا أن مذكرات مصر والسودان التي قدمتها إلى مجلس الأمن لن ينتج عنها سوى توصية غير ملزمة.
مواقف دولية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، عند التقدم لمجلس الأمن يجب أيضا حساب عدد الأصوات وميولها، وفي تقديري أننا ذهبنا متأخرين جدا، وأعتقد أيضا أنه بدون حسابات، فليس معقولا أن تغير الدول مواقفها في يومين أو أسبوع على الأكثر. وبعد أن نصل إلى نيويورك ونبدأ عمليات التواصل في الوقت الذي أعدت فيه دول المجلس مواقفها بشأن القضية.
وتابع غطاس، ووفقا لتصريحات الدول الأعضاء، لا أعتقد أن المجلس سوف تصدر عنه قرارات تفيد الجانب المصري والسوداني، وقد استبقت إثيوبيا ذلك وقالت إن الدول العربية، التي ليس لها حق، تتدخل في القضية، وقلنا ذلك عندما اجتمعت جامعة الدول العربية والمجلس الوزاري في قطر، وحذرنا من أن إثيوبيا سوف تستغل تلك الاجتماعات وما صدر عنها بالتحريض ضد العرب، وسوف تضع العرب مقابل الأفارقة، كان يجب تجنب تلك المسألة.
ومضى قائلا كان يفترض أن يعزل بيان الجامعة العربية إثيوبيا عن الأفارقة، ويقدم التحية للأفارقة والاتحاد الإفريقي ودوره لأن الأفارقة مستعدين للاصطفاف خلف إثيوبيا، علاوه على ذلك هناك نظرية تقول، إن مصر ذهبت إلى مجلس الأمن من أجل رفع العتاب الدولي عن كاهلها، وأنها استنفذت كل المسارات، وبالتالي عندما تتخذ أي إجراء ما، فإنها تكون قد أخبرت الجميع، لأن مصر والسودان يعلمان مسبقا أنه لا جدوى من وراء تلك الاجتماعات لكنها (مصر) ذهبت لرفع العتب عنها إذا ما قامت بعمل ما، وهذا منطق لا يتطابق مع القانون الدولي والعلاقات الدولية، وقد قلنا مرات عديدة يجب عدم الخلط بين العلاقات العامة والسياسات التفاوضية.
القرار المرتقب
وأشار رئيس منتدى الشرق الأوسط، إلى أنه في حال قيام مصر على سبيل المثال بعمل خشن ضد إثيوبيا، فإن مجلس الأمن سوف يجتمع ويتخذ قرارا ضدها، لأنه دعاك للتفاوض وإن لم تقبل التفاوض، فلا يزال هناك خلط بين العلاقات العامة والسياسات التفاوضية المبنية على توازن القوى والمصالح، فإذا صدر قرار من المجلس بعودة المفاوضات واستمرار عملية الملء، هذا الأمر يمثل إدانة لنا، لأن هذا يعد إقرارا من المجلس بحق إثيوبيا في الملء، وستكون إثيوبيا مستعدة للعودة للتفاوض فورا، وهذا هو المتوقع، فأي قرار لا ينص صراحة على وقف الملء أثناء التفاوض هو ضد مصر ونحذر منه بشدة.
وأكد غطاس، أن الملء الثاني لسد النهضة بدأ في كل الأحوال ولا أحد سوف يوقفه، وكما قال رئيس مجلس الأمن "الفرنسي"، وفرنسا من الدول القريبة لنا والذي استبق الجلسة "بأن المجلس لا يستطيع فعل شيء"، لذا علينا البحث عن وسائل أخرى توقف الملء أو تعطي إشارة قوية لإثيوبيا.
وتابع موضحا لا أقصد هنا العمل العسكري أو تدمير السد، فمن الناحية العملياتية، هناك إمكانية أن يتم تدمير وقصف السد، ولكن مصر بدأت تتبرأ من تهديداتها السابقة باستخدام القوة العسكرية، لذا فإن الجميع يبحث عن إجابة للسؤال "ماذا سنفعل إذا تم الاستمرار في ملء السد، في الوقت الذي طرح على السودان اتفاق مرحلي وقبلته الخرطوم ووضعت شروطا لذلك، وأعتقد وأتمنى أن أكون مخطئا، بأن الجولة القادمة سوف تفضي إلى اتفاق بين السودان وإثيوبيا، والإثيوبيون معنيون بفصل الموقف المصري عن الموقف السوداني، فإذا بعد السودان تحطم الموقف التفاوضي المشترك.
الوضع حرج
وعلى الجانب السوداني، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، الفريق دكتور جلال تاور، أن الوضع الآن أصبح حرجا مع بدء عملية الملء الثاني دون اتفاق، وهذه هي رأس المشكلة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب، والتي ترفض بإصرار الوصول إلى اتفاق قانوني وملزم فيما يتعلق بعملية الملء والتشغيل فقط.
وأشار في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الأزمة الآن انتقلت إلى دهاليز مجلس الأمن، وقد تبنت الجامعة العربية موقفا به عدة مقترحات، أهم ما فيها أن توقف إثيوبيا هذا الملء الأحادي وتتوافق مع دولتي المصب"مصر والسودان"،بحيث تخرج كل الأطراف بدون خسائر، وقد أعلنت فرنسا بأنه ليست لديها حلول جاهزة، لكن الحلول المتوقعة هى حمل الأطراف على التفاوض، ولن يكون هذا الأمر مجديا ما لم تتوقف عملية الملء الثاني، وهذا الأمر ممكن ووارد وليس عسيرا، وإذا ما وافق مجلس الأمن على القرار الذي أجمعت عليه الدول العربية بقيادة تونس، والذي تنص أول بنوده على وقف الملء الثاني قبل الوصول إلى اتفاق.
حق الدفاع عن النفس
وأضاف تاور، إما أن تتبع إثيوبيا قرارات مجلس الأمن والتي يوافق عليها العالم أجمع أو تقف ضد العالم، وقد قالت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تسمح بتعطيش 100 مليون مصري أو تعرضهم للخطر، وإذا لم يصل مجلس الأمن إلى تلك النتيجة فإن الأمر مزعج ومظلم ويهدد المنطقة والأمن والسلم الدوليين، وهنا يكون المجلس قد أخفق في القيام بالتزاماته وواجباته الدولية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وتصبح مصر بشكل خاص أمام مواجهة مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح لها حق الدفاع الشرعي، باعتبار أن سد النهضة هو مسألة حياة أو موت لأكثر من 100 مليون مصري، وهذا السيناريو غير مرغوب ولا نريده، لأن السودان هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، فلو تم ضرب السد فسوف يغرقه.
وأكد الخبير العسكري السوداني، للأسباب السابق ذكرها، نرى أن السودان يقف مع الحل السياسي والعقلاني، وإذا صدر قرار من مجلس الأمن خلال جلسته المرتقبة دون الإشارة إلى عملية الملء الأحادية، بهذا سيكون المجلس قد وضع مصر والسودان في موقف سيئ، وسيكون من حق دول المصب الدفاع الشرعي عن نفسها وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
ودعت إثيوبيا، اليوم الأربعاء، دول أعالي حوض النيل لتشكيل ما وصفته بجبهة ضد التحركات المصرية والسودانية بقضية مشروع سد النهضة الإثيوبي، قبل ساعات من جلسة بمجلس الأمن دعا إليها البلدان اعتراضا على تنفيذ أديس أبابا للملء الثاني للسد.
وجاء في بيان الخارجية الإثيوبية أن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي موكنن حسن، التقى في مكتبه سفراء ودبلوماسيين دول حوض نهر النيل لدى إثيوبيا لإطلاعهم على آخر تطورات مفاوضات سد النهضة.
وأشار نائب رئيس الوزراء إلى أن إثيوبيا تؤمن أن سد النهضة هو مشروع تنموي لا يندرج تحت تفويض مجلس الأمن الدولي، داعيا المجلس إلى احترام المفاوضات والعملية الثلاثية الجارية بقيادة الاتحاد الأفريقي، على قول البيان.
كما دعا الدول الواقعة على أعالي حوض النيل إلى "تشكيل جبهة مشتركة لمعارضة النهج الذي تتبعه دول المصب، والذي يقوض الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي ويؤكد المطالبات الاستعمارية والاحتكارية للبلدين بشأن هذا المورد المشترك".
وأعلنت وزارة الري المصرية، الاثنين الماضي، تلقيها خطابا رسميا من نظيرتها الإثيوبية، يفيد ببدء الملء الثاني لخزان سد النهضة، لافتة إلى أن القاهرة وجهت خطابا رسميا لإثيوبيا إخطارها برفضها القاطع لهذا الإجراء الأحادي.
ووجهت الأمم المتحدة، دعوة إلى إثيوبيا والسودان ومصر، أمس الثلاثاء، لتجديد الالتزام بمسار التفاوض في أزمة سد النهضة، داعية الدول الثلاث إلى تجنب أي عمل أحادي.
ونقلت "رويترز" عن ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الأخير يؤيد دور الاتحاد الأفريقي في الوساطة بين الدول الثلاث.
ومن المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي في جلسة مرتقبة غدا الخميس، بطلب مصري سوداني، بحث أزمة المشروع الإثيوبي، فيما ترى أديس أبابا أن مجلس الأمن غير مختص بنظر الملف، متهمة دولتي المصب بمحاولة حرمانها من حقها في الاستفادة من مياه النيل.
وبدأت إثيوبيا في إنشاء سد النهضة في 2011 بهدف توليد الكهرباء، ورغم توقيع إعلان للمبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 ينص على التزام الدول الثلاث بالتوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل السد عبر الحوار، إلا أن المفاوضات لم تنجح في التوصل لهذا الاتفاق.
وفيما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، تخشى السودان على أثر السد على تشغيل السدود السودانية.