القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد تنعكس بشكل رئيسي على الجانب الاقتصادي، خاصة أن تونس تتفاوض مع صندوق النقد الدولي في الوقت الراهن للحصول على حزمة مساعدات، بعد أن حصلت في 2016 على قرض بقيمة 2.88 مليار دولار.
تتباين الآراء بشأن انعكاسات الإجراءات الأخيرة على الوضع الاقتصادي، خاصة أن الديون الخارجية لتونس وصلت لأكثر من 35.7 مليار دولار، في ظل الحاجة لسداد نحو 5.4 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري.
كذلك وصلت نسبة التضخم لنحو 5.7% خلال 2020، وسط توقعات بتضخم 5.7% خلال العام الجاري، فيما ارتفعت البطالة لأكثر من 17%.
من ناحيته قال البرلماني التونسي حاتم المليكي، إن الوضعية المالية الصعبة لتونس أكبر التحديات في المرحلة الحالية.
وبالنظر للمواقف الدولية خاصة الدول الكبرى والمانحة يرى المليكي أنه من الضروري أن يسرع رئيس الجمهورية في تقديم ضمانات حول احترام الدستور والديمقراطية من جهة، والإعلان سريعا عن خطة طريق واضحة للمرحلة القادمة، لتتمكن تونس من العودة سريعا للمفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المفاوضات تتطلب التزاما واضحا حول الإصلاحات الضرورية، كي تتعافى المالية العمومية.
وعلى عكس التوقعات السلبية، يشير المليكي إلى أن قرارات الرئيس تساعد في تسريع المفاوضات، نظرا لأنها أنهت حالة الانقسام داخل السلطة التنفيذية شرط أن يستند الرئيس على فريق مفاوض عالي الكفاءة.
تتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية بشأن مسؤولية التراجع الذي جرى على مدار الـ10 سنوات الماضية، فيما يرى المواطن أنه الضحية للمناكفات السياسية التي سيطرت على المشهد طول تلك الفترة.
"العشرية السوداء"
في هذا الإطار يقول البرلماني التونسي إن حركة النهضة الإخوانية تسببت خلال حكمها طيلة 10 سنوات في أضرار جسيمة للاقتصاد التونسي، حيث إن كل المؤشرات تشير بوضوح لذلك ومن أهمها تراجع نسبة النمو على مدى الـ10 سنوات إلى الصفر تقريبا، مما يعني حالة ركود اقتصادي متواصل أثر سلبا على حياة المواطنين.
من ناحية أخرى شهدت فترة حكم الإخوان تراجعا لنسبة الاستثمار إلى مستوى غير مسبوق في حدود 18% في حين كانت في حدود 25% عام 2010، حسب المليكي.
كما تراجعت نسبة الادخار تقريبا إلى 4% في 2020 مقابل 20% في 2010، وارتفعت نسبة الدين إلى 100% في العام الحالي، ما أثر على سعر صرف العملة المحلية وتفاقم العجز وارتفاع نسب التضخم.
وأوضح أن كل المؤشرات تشير إلى أن السياسات فاشلة معطلة للنمو ومشجعة على التداين والتوريد العشوائي، والفساد المالي الكبير الذي انتهجته حركة النهضة.
وشدد على أن دعم الدول المحيطة بتونس مسألة ضرورية لدفع الاقتصاد التونسي بما في ذلك الدول العربية.
ويرى المليكي أن الدعم العربي مهم جدا نظرا للقدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية التونسية، شريطة تسهيلات خاصة في الدول المجاورة، على غرار الجزائر وليبيا ومصر، مما قد يدفع الاستثمار على المدى القريب.
من ناحية أخرى يمكن لدول الخليج أن تلعب دورا هاما في تنشيط الاقتصاد، وتوفير موارد مالية وتنفيذ برامج تنموية كبرى تسمح بتطوير البنية التحتية وتحسن مناخ الاستثمار، حسب رأي البرلماني.
تأثر مباشر
فيما قالت البرلمانية مريم اللغماني، إن التأثيرات المباشرة ظهرت في البورصة التي تراجعت في 25 يوليو/ تموز الجاري، بشكل طفيف خلال الاحتجاجات، وتم تداركها في اليوم التالي.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن قرارات الرئيس لم تمس الاقتصاد التونسي، وأن الدول المانحة ساندت قرار الرئيس، وأن وصفهم بالأمر بأنه ليس انقلابا يعطي مؤشرات إيجابية، خاصة أن الرئيس ساند الحركة الشعبية.
وشددت على أن التراجعات التي حدثت خلال "العشرية السوداء" وصلت إلى -6 معدلات النمو، وهي نسبة لم تصل لها منذ سنة 56، إضافة إلى أن نسبة البطالة وصلت لأكثر من 17%، في حين أن شعار الثورة كان "شغل حرية كرامة وطنية".
كما زادت نسبة الفقر إلى 45 في المئة حسب البرلمانية التونسية، حسب البرلمانية التي تؤكد أن الحكومات المتعاقبة هي المتسببة في كل هذه النتائج.
وتتفق الغلماني حول ضرورة الدعم العربي لتونس، وأن التجاوب العربي خلال ازمة كورونا يؤكد المواقف العربية المساندة، وهو ما يعول عليه لدعم الاقتصاد التونسي.
انعكاسات اقتصادية
في المقابل قال الصادق جبنون المتحدث باسم حزب قلب تونس، إن القرارات أثرت على السندات السيادية التونسية، حيث تهاوت بأكثر من 100 نقطة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المساندة الاقتصادية هي جزء من المسار الديمقراطي الذي اتخذته تونس في إطار الشراكة مع الاتحاد الأورروبي، والاتحاد الإفريقي.
ويرى أن المسار الديمقراطي عمل على جذب الاستثمارات الأجنبية لتونس الفترة الماضية، إلا أن الإجراءات الاستثنائية، أثرت على المناخ الخاص بالاستثمار، خاصة أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي مرتبط بضرورة وجود استقرار سياسي في البلد.
فيما يتعلق بنسبة النمو خلال السنوات الماضية يشير جبنون على أنها لم تتخطى نسبة 1%، ويوضح أن السبب يعود للمشاكل الهيكلية في الاقتصاد التونسي، الذي لم يتحول على اقتصاد ذات قيمة مضافة عالية والتكنلوجيا والتصدير.
تأثير جائحة كورونا
وبحسب جبنون فقد زادت جائحة كورونا من الأزمة الاقتصادية في تونس، حيث أكد أن نسبة النمو انخفضت إلى نحو – 9%، وهو ما يجعل الاقتصاد التونسي رهين الاستقرار السياسي.
وفيما يتعلق بالاستثمار العربي في تونس، أوضح أنها ليست بالكبيرة، وأنها محدودة رغم العلاقات الجيدة، حيث يعود ذلك لغياب البعد الاقتصادي للجامعة العربية.
ووفقا لتأكيد جبنون بلغت نسبة الدين العام المستحق على تونس 55% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية عام 2010، ليقفز لنحو 90% خلال العام 2021، فيما بلغ متوسط الدين العام المستحق عام 2010، على تونس 16 مليار دولار، وصعد تدريجيا مع عهد النهضة ليصل عند 20.63 مليار دولار بنهاية 2016.
وفي العام 2018 واصل الصعود إلى 25 مليار دولار، ثم 29 مليار دولار بنهاية 2020، فيما يتوقع أن يسجل الدين العام 35 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري.
وبلغ العجز المالي 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ ما يقرب من 40 عاما.