منذ فجر عصر الفضاء، في الخمسينيات من القرن الماضي، أطلق البشر آلاف الصواريخ وأرسلوا المزيد من الأقمار الصناعية إلى المدار الخارجي للكوكب، ولا يزال الكثير منها هناك، وهي الآن مصدر الخطر الأساسي المتمثل في احتمال تصادم البعثات المستقبلية، بحسب متحف التاريخ الطبيعي في لندن.
ورغم خطر هذه الأجسام والتي يطلق عليها أسماء "مخلفات الفضاء" أو "خردة الفضاء" أو "قمامة الفضاء"، فإنها لا زالت موجودة ولم يتعامل معها الإنسان حتى الآن، لكن من المعني بتنظيف المدار الفضائي للكوكب من هذه المخلفات، ولماذا لا يقوم بدوره، أم أن الأمر مستحيل من الناحية العملية.
ما هي مخلفات الفضاء بالضبط؟
يقصد بهذا المصطلح وأقرانه، أي قطعة من الآلات أو الحطام الذي يتركه البشر في الفضاء، ليتفكك ويدور بحرية وانسيابية تامة في فلك كوكب الأرض. كما تُركت بعض الخردة التي صنعها الإنسان على سطح القمر.
يمكن أن يشير إلى الأجسام الكبيرة مثل الأقمار الصناعية منتهية الصلاحية أو التي فشلت أو تلك التي تركت المدار في نهاية مهمتها. يمكن أن يشير أيضا إلى أشياء أصغر، مثل قطع الحطام أو بقع الطلاء التي سقطت من صاروخ.
ما حجم المخلفات الهائمة في الفضاء؟
في حين أن هناك نحو ألفي قمر صناعي نشط يدور حول الأرض في الوقت الحالي، هناك أيضا 3 آلاف قمر ميت يحوم في الفضاء دون تحكم من سكان الكوكب.
علاوة على ذلك، هناك نحو 34 ألف قطعة في الفضاء بحجم أكبر من 10 سنتيمترات، وملايين القطع الأصغر التي يمكن أن تثبت أنها كارثية إذا اصطدمت بشيء آخر.
متى بدأت المشكلة؟
في أوائل الستينيات، أراد الجيش الأمريكي ابتكار طريقة جديدة للتواصل مع قواته حول العالم، إذا قطع العدو المحتمل الكابلات الموجودة تحت سطح البحر، بحيث يمكنه الاعتماد على ارتداد إشارات الراديو من طبقة الأيونوسفير، وهي طريقة غير موثوقة.
ثم جاء برنامج "المشروع ويست فورد"، وهو عبارة عن خطة لإطلاق 480 مليون شظية صغيرة من الإبر النحاسية في الفضاء، مما يمنح الأرض غلافا مؤينا صناعيا وطريقة موثوقة للتواصل، بحسب موقع "سبيس" المعني بأخبار الفضاء والتكنولوجيا.
بعد إطلاق الدفعة الأولى بنجاح، تم إلغاء البرنامج، وكان أحد الأسباب هو التطور المتسارع لأقمار الاتصالات، والآخر هو أن الجميع أدركوا أن إرسال أجزاء لا حصر لها من القمامة العشوائية إلى الفضاء ربما كان فكرة سيئة. منذ ذلك الحين، أصبح الفضاء فوضويا.
كيف وصلت المخلفات إلى الفضاء؟
كل النفايات الفضائية هي نتيجة إطلاق البشر للأجسام من الأرض إلى المدار الخارج، وتبقى في المدار حتى تدخل الغلاف الجوي مرة أخرى. يمكن لبعض الأجسام الموجودة في مدارات منخفضة على بعد بضع مئات الكيلومترات أن تعود بسرعة.
غالبا ما تدخل الغلاف الجوي مرة أخرى بعد بضع سنوات، وفي الغالب سوف تحترق أثناء الدخول، لذلك لا تصل إلى الأرض.
لكن الحطام أو الأقمار الصناعية التي تُركت على ارتفاعات أعلى تبلغ 36 ألف كيلومتر - حيث توضع أقمار الاتصالات والطقس غالبا في مدارات ثابتة بالنسبة إلى الأرض - يمكن أن تستمر في الدوران حول الأرض لمئات أو حتى آلاف السنين.
تنتج بعض النفايات الفضائية عن الاصطدامات أو الاختبارات المضادة للأقمار الصناعية في المدار. عندما يصطدم قمرين صناعيين، يمكنهما التحطم وتوليد آلاف القطع الجديدة، ما يخلف الكثير من الحطام.
هذا النوع من الحوادث نادر، لكن العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والهند، استخدمت الصواريخ للتدرب على تفجير أقمارها الصناعية، وهذا يخلق آلاف القطع الجديدة من الحطام الخطير.
ما الخطر الذي تشكله؟
في الوقت الحالي، لا تشكل النفايات الفضائية خطرا كبيرا على جهود الاستكشاف التي يبذلها البشر، لكن الخطر الأكبر الذي تمثله هو على الأقمار الصناعية الأخرى في المدار.
يجب أن تتحرك هذه الأقمار الصناعية بعيدا عن طريق كل هذه النفايات الفضائية الهائمة للتأكد من عدم تعرضها للاصطدام الذي من المحتمل أن يتسبب في تلفها أو تدميرها.
تجرى مئات المناورات لتجنب الاصطدام كل عام، بما في ذلك من قبل محطة الفضاء الدولية، التي يعيش بها رواد الفضاء. رغم صغر حجمها، فإن السرعة الهائلة للأجسام المحطمة في الفضاء تمنحها قوة خطيرة، مما يخلق خطرا حقيقيا للغاية على مهمات الفضاء المستقبلية.
مع إطلاق الأقمار الصناعية الضخمة للإنترنت ذات النطاق العريض من شركات مثل "سبيس إكس" و"وان ويب" و"أمازون"، يخشى الكثيرون ظهور "متلازمة كيسلر"، عندما يتسبب الحطام الفضائي في حدوث تصادمات كافية لإحداث المزيد من الحطام، ما يجعل مدار الأرض أرض قاحلة غير آمنة وغير صالحة للاستعمال.
هل من خطر على سكان الأرض؟
في أبريل/ نيسان عام 1996، استخدمت منظمة الدفاع الصاروخي الباليستي الأمريكية صاروخ "دلتا 2" لإطلاق قمر صناعي للرصد بالأشعة تحت الحمراء إلى المدار الخارجي للكوكب.
بعد حوالي عام من هذا التاريخ، كانت المواطنة الأمريكية لوتي ويليامز من تولسا في أوكلاهوما، تهتم بشؤونها الخاصة في حديقة عندما أصيبت في كتفها بقطعة من الألياف الزجاجية والألومنيوم بطول 15 سم.
بعد دقائق، تحطمت قطع أخرى من المرحلة الثانية من صاروخ "دلتا 2" على بعد مئات الأميال. أصبحت ويليامز أول شخص (والوحيد حتى الآن) الذي يُصاب بسبب سقوط فضلات فضائية.
لكن ما يقدر بنحو 100 طن من النفايات الفضائية تصل إلى سطح الأرض كل عام (على الرغم من أن معظمها يسقط في المحيط ولا يشكل خطرا على البشر).
ما جهود التطهير الجارية؟
للأسف، فإن الشركات الخاصة والحكومات الوطنية بطيئة في التصرف. تركز معظم الجهود على تخفيف وتجنب توليد خردة فضائية في المقام الأول. على سبيل المثال، يجب أن تستهلك الصواريخ كل الوقود والمواد المتفاعلة لتقليل مخاطر حدوث انفجار غير متوقع.
وعندما تصل الأقمار الصناعية إلى نهاية مهمتها، يمكنها إما أن تخرج من المدار على أمل أن تحترق في الغلاف الجوي. وإذا كانت مرتفعة بما يكفي، فمن الأفضل أن تكون قادرة على دفع نفسها إلى "مدار المقبرة" الذي يبعد مئات الأميال فوق أي شيء مفيد ومؤثر.
توصلت وكالات الفضاء والشركات الخاصة إلى مجموعة متنوعة من أفكار التنظيف، حيث يمكن للبعثات الخاصة أن تدفع الأقمار الصناعية الأخرى إلى الغلاف الجوي أو أعلى إلى المقبرة.
ويمكن فعل باستخدام تكنولوجيا قديمة قدم الحضارة نفسها، هي "الحراب والشباك"، فيما تدعو خطط أخرى إلى استخدام أشعة الليزر الأرضية لتسخين جانب واحد من القمر الصناعي، مما يتسبب في تحويل مداره والوقوع في الغلاف الجوي للأرض.
إلى جانب الليزر الأرضي، الملقب بـ"مكنسة الليزر"، تدعو جميع المقترحات إلى إطلاق أقمار صناعية جديدة، مما يجعل تنظيف مخلفات الأقمار الصناعية مكلفا.
كما أن هناك حساسية سياسية للأمر، نظرا لحقيقة أن أي تقنية لـ"تنظيف الأقمار الصناعية" تصبح تلقائيا تقنية لـ"إزالة قمر العدو من الفضاء"، وهذا يعني أن أي اقتراح ينتقل بسرعة إلى المنطقة الضبابية للدفاع والدبلوماسية الدولية وعسكرة الفضاء.
في الوقت الحالي، تتمثل أفضل إستراتيجيات البشر في التعقب والمراقبة والتحذير باستخدام شبكة من المراصد الأرضية والأقمار الصناعية.