أول مسرحية عن "حقوق المثليين" في تاريخ تونس تثير جدلا... ما رأي الشارع فيها؟
17:06 GMT 01.06.2022 (تم التحديث: 18:08 GMT 01.06.2022)

© AFP 2023 / Pau Barrena
تابعنا عبر
في سينما "الريو"، وسط العاصمة تونس، عُرضت أول مسرحية حول المثليين، خلال الأيام الماضية، في سابقة لم تشهدها دولة محافظة لا تزال قوانينها تحظر المثلية.
المسرحية بعنوان "فلاغرنتي" أو "تلبس بجريمة" للمخرجة التونسية آسيا الجعايبي (32 عاما) وقد أُنتجت بالشراكة مع منظمة "موجودين" المحلية المدافعة عن حقوق المثليين.
تحد للقوانين والعقليات
يمتد العرض لساعتين وتحاول المخرجة من خلاله الكشف عن معاناة المثليين الذين لا يتمكنون من العيش بالحرية التي يرغبون فيها.
يقول صناع العمل المسرحي إنه يهدف إلى التوعية ومحاولة تغيير العقليات القائمة على "التمييز"، وإلغاء قانون "رجعي" ودعم فنون المثليين في تونس.
وتسعى المخرجة من خلال هذا العمل المسرحي إلى إخراج معاناة هذه الفئة إلى العلن وإبراز ما تتعرض له من مضايقات سواء تلك الصادرة عن رجال الأمن أو من المجتمع التونسي الذي تنظر غالبية مكوناته إلى المثليين نظرة دونية لا تخلو أحيانا من عنف معنوي ومادي.
تعتبر "فلاغرنتي" هي أول مسرحية تتحدث عن المثليين في تونس وتحصل على تصريح رسمي بالعرض في قاعات السينما، حيث يجري عرضها منذ يوم 27 مايو/ أيار وإلى يوم 04 يونيو/ حزيران الجاري.
مخرجة العمل، آسية الجعايبي، قالت إنها تخوض بهذه المسرحية "مغامرة كبرى لا تخلو من التحدي، خاصة أنها تعي جيدا أنها ستكون في مواجهة عقلية ترفض المثليين وقوانين لا تعترف بحقوقهم، معربة عن طموحها أن تنقل هذا التحدي إلى القائمين على المهرجانات وأن تصبح "فلاغرنتي" أول مسرحية تطرح موضوع المثلية في مهرجان رسمي.
موقف الدولة والرقابة من المسرحية
أثيرت تساؤلات حول موقف الجهات الرقابية في تونس، وما إذا كانت المسرحية قد خضعت لتقييم مسبق قبل عرضها، لكن عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تونس "الهايكا"، هشام السنوسي، يقول لـ"سبوتنيك" إن الأعمال الفنية والإبداعية عموما لا تخضع للرقابة القبلية أو المنع ما دامت لم تحرض على العنف أو الكراهية، كما أن المسرحية إذا انطلق عرضها فهي لا تخضع للمنع أو الرقابة.
وأشار إلى أن الهيئة تتولى مهام الرقابة للأعمال التلفزيونية والإذاعية وتتدخل إذا وقع خرق معين، مضيفا أن الهيئة تدخلت في وقت سابق بصفتها هيئة رقابية وأصدرت بيانات ضد برامج "سيت كوم" عُرضت في التلفاز وتهكمت وتنمرت على المثليين وهيئتهم وتصرفاتهم.
يشار إلى أن الدور الرقابي للدولة في هذا الصدد موكول إلى وزارة الشؤون الثقافية التي رفض ممثلوها التحدث إلى "سبوتنيك" في هذا الصدد، أما نقابة الفنون الدرامية في تونس فمهمتها ليست رقابية بل مهنية وتُعنى فقط بالجوانب المهنية للفنانيين والممثلين.
تأثرت الليلة في #LeRio خلال مشاهدة مسرحية #آسيا_جعايبي. «فلاغرنتي» عمل يصعب اليوم أن يبصر النور إلا في #تونس. ويمكن اعتباره نقطة مفصليّة في #المسرح_العربي، إذ يجمع بين النضج السياسي والاتقان الفني، بين الجرأة والموهبة، بين الصدق والابتكار… مع #فاطمة_بن_سعيدان وعدد من الهواة. pic.twitter.com/W5ypRyLzqS
— Pierre Abi-Saab (@PierreABISAAB) May 28, 2022
جدير بالذكر أن الدستور التونسي ينص بصريح العبارة على "عدم انتهاك الحياة الخاصة"، بمعنى أنّ الدولة مجبرة على حماية الفضاء الخاص للمواطنين بما في ذلك حياتهم الجنسية، إلّا أنّ الفصل 230 من القانون يجرّم المثلية الجنسية ويعاقب عليها بثلاث سنوات سجن.
ويجرّم القانون "اللواط" و"المساحقة" بعقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا في حق من "يتجاهر عمدا بالفاحشة"، وقد يتعرض المتهم للخضوع لفحص شرجي لإثبات ميوله الجنسية.
وفي ذلك الشأن، يقول المحامي التونسي منير بن صالحة في تصريح لـ"سبوتنيك" إن المسرحية عمل فني ومن حق المشرفين عليها التعرض إلى مسألة المثليين، مشيرا إلى أن ذلك يدخل في إطار حرية التعبير والضمير المكفولة بالدستور.
وبيّن أنه لا يمكن مساءلة المشرفين عليها "لأننا لسنا أمام جريمة على اعتبار أن المشرع التونسي يقضي بعقوبة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات لمرتكبي أعمال اللواط الخاصة بين البالغين المتوافقين" في إشارة إلى أن العقوبة تطول "مرتكبي" هذه الأعمال فقط وليس من يتناولها بالفن والتمثيل.
مرآة لمعاناة المثليين
ويرى أ. ج (33 سنة) وهو مثلي تونسي رفض الإدلاء باسمه، أن الفن يلعب دورا مهما في تغيير العقليات ونشر ثقافة القبول بالاختلاف والتصالح بين أفراد المجتمع الواحد.
وأضاف لـ "سبوتنيك"، أن فلاغرنتي عكست جانبا كبيرا من واقعه ومعاناته اليومية وأنها تُعطي أملا جديدا للمثليين بتحسين ظروف عيشهم والتقليص من حدّة المضايقات والصدامات اليومية مع المجتمع.
وتساءل "لماذا يتعامل البعض مع قضية المثلية على أنها قضية ثانوية بينما يدافعون في المقابل عن قضايا حقوقية أخرى مثل الحجاب والسلفية والإلحاد؟ نحن لا نطالب بحقوق إضافية وإنما نطالب بتمكيننا من نفس الحقوق التي يتمتع بها بقية المواطنين على أرض تونس".
مواطنون: للحرية حدود
خلود باديس (25 سنة) التي لم تشاهد المسرحية اتخذت موقفا حاسما من هذا العمل المسرحي الذي تقول إنه "يشجع" على نشر ثقافة غريبة عن مجتمعها ويرسخ التطبيع مع سلوكيات "لا أخلاقية" على حد وصفها.
وأوضحت خلود في تصريح لـ"سبوتنيك" أن "فلاغرنتي تسعى إلى إخراج المثلية الجنسية من السر إلى العلن وجعلها أمرا عاديا ومستساغا بتعلة الدفاع عن الحقوق والحريات والمساواة".
وترى خلود أن الحرية ليست مطلقة وأنها مقيدة بتعاليم الدين الإسلامي وبالتشريعات، قائلة "على هؤلاء أن يلتزموا بقوانين الدولة التي يعيشون فيها، والأمر المعلوم للجميع أن تونس دولة عربية الإسلام دينها.. من المفترض أن لا يتم طرح موضوع المثلية في أي مجال لأن القانون حسم الأمر منذ سنوات ما قبل الاستقلال".
بدوره، قال محمد غرس الله (47 سنة) إن عرض مسرحية تتحدث عن المثليين وإخراجهم في صورة المقموعين هي "فضيحة" للدولة التونسية التي سمحت بعرض هذا العمل في قاعات السينما.
واعتبر محمد في تصريح لـ"سبوتنيك" أن مثل هذه المواضيع تلوث سمعة المسرح وتبتعد به عن رسالته النبيلة، قائلا "إذا كان الهدف هو إقناعنا بالقبول بالمثليين فهو حلم بعيد المنال".
بينما يعتقد إدريس (37 سنة) أنه ليس من الخطأ أن يتم التطرق إلى موضوع المثلية داخل قاعات السينما وأن يكون محور عمل فني، ولكنه يعترض في المقابل على طريقة تناوله.
وأوضح في تصريح لـ"سبوتنيك" أنه "لا يمكن الاستمرار في تجاهل المثلية التي تستفحل تدريجيا في مجتمعنا، وقد أثبتت التجربة أن المقاربة الأمنية لا تجدي نفعا وربما زادت الطين بلة. يجب أن يتم التعامل مع هذه المسألة على أنها مرض نفسي يستوجب المعالجة تماما كما الإدمان".
يعتبر موضوع المثلية الجنسية من أكثر المواضيع إثارة للجدل في تونس، ورغم تعدد المبادرات الرامية إلى تغيير القوانين وسحب الفصل المجرم "للواط" إلا أن السلطات التونسية تتمسك بالتشريعات الحالية وغالبا ما تمتنع عن الخوض في هذا الموضوع خوفا من رد فعل الشارع.
ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلغاء تجريم المثلية كما يرفض عقوبة السجن بسبب ذلك.


